تاريخ الجيش الأحمر | الجيش الذي هزم هتلر وأرعب أوروبا لسنوات
“سوف تلغى الحكومة الملكية الكبرى للعقارات وتعيد الأراضي إلى الفلاحين، كما ستقر الحكومة بتحكم العمال في الإنتاج وتقسيم المنتجات المصنعة، وستتولى السيطرة على كل البنوك التي ستصبح حكرا على الدولة” . ألقى فلاديمير لينين هذه الكلمات في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر من يوم 26 من أكتوبر من عام 1917 كان خطابه ذلك بمثابة إعلان انتصار الثورة البلشفية ثورة العمال والفلاحين على الإقطاعية القيصرية الروسية بقوة الثورة والجيش الأحمر.
الجيش الأحمر الذي كان الجناح العسكري للثورة بقيادة ليونيد تروتسكي في السابع من نوفمبر، كانت المرحلة الثانية من الثورة الروسية عام 1917 قادها البلاشفة تحت إمرة فلاديمير لينين وقائد الجيش الأحمر ليون تروتسكي، بل وكامل الحزب البلشفي والجماهير العمالية بناء على أفكار كارل ماركس وتطوير من فلاديمير لينين، كل ذلك كان لأجل إقامة دولة اشتراكية وإسقاط الحكومة المؤقتة، وتعد الثورة البلشفية أول ثورة شيوعية في القرن العشرين الميلادي، أسفرت الثورة عن قيام الاتحاد السوفيتي الذي أصبح لاحقا واحدا من أقوى القوى العظمى في العالم بجانب الولايات المتحدة بعد نجاح الثورة.
نشأة الجيش الأحمر
لم يكن لدى البلاشفة سوى متطوعي الحرس الأحمر وبعض وحدات النخبة لإرساء سلطتهم السياسية، وتحت ضوء دروس الثورة الفرنسية أول ثورة عمالية اشتراكية في العصر الحديث أراد البلاشفة امتلاك آلة حرب قوية لمحاربة القوات المعادية لهم، في 15 من يناير أصدر مجلس مفوضي الشعب أمرا لتحويل الحرس الأحمر إلى جيش العمال والفلاحين الأحمر.
في 23 من فبراير بدأ لأول مرة التجنيد الإجباري في بتروغراد وموسكو بعد تسليح الشعب أجمعه، وكانت أول معركة يدخلها الجيش الأحمر ضد الجيش الإمبراطوري الألماني خلال الحرب العالمية الأولى، أصبح يوم 23 من فبراير عطلة رسمية في الاتحاد السوفييتي، وهو يوم حماة الوطن.
لم تكن هذه القوة المسلحة بعد سوى مجندين متطوعين يقودهم في المعركة ضباط منتخبون يفتقدون إلى الخبرة العسكرية، الرجل الذي تمكن من تنظيم وجعل الجيش فعالا في القتال هو ليون تروتسكي مفوض قيادة الحرب منذ عام 1918 حتى 1924، أصبحت الخدمة العسكرية إجبارية من سن 18 حتى أربعين عاما، وذلك حسب قرار 29 من مايو من عام 1918، ووضعت خطة المفوضين العسكريين لتأطير هذا البرنامج لتدارك نقص خبرة الإطارات، حيث ألحق بهم خبراء عسكريون تم اختيارهم من طرف لجنة خاصة رئيسها “أزاروف” كان جل الملحقين من قدماء ضباط الجيش الإمبراطوري الروسي أطلق سراحهم من أجل هذه المهمة، وتم اتخاذ عائلات وأقارب البعض منهم كرهائن لفرض ولائهم.
في أغسطس تمكن الجيش الأحمر بفضل هذا النظام وبفضل تفوقه العددي أن ينتصر نهائيا على الجيوش البيضاء، وذلك بالرغم من تدخلات القوى الأجنبية المباشرة أحيانا وخسارة قواته ضد بولونيا، ثم بعد إخراج الجيش الياباني في أكتوبر من عام 1922 أصبحت كل أراضي روسيا القيصرية تحت سلطته معلنا بذلك نهاية الحرب الأهلية.
الجيش الأحمر يفتك بالشعب
أثبت الجيش الأحمر جدواه بإنقاذه للثورة وذلك خلال الحرب الأهلية، لكنه استعمل من جهة أخرى كجهاز قمع ضد أفراد الشعب الروسي المناهضين للحكم البلشفي أو القائمين بسياسات ومذاهب أخرى، فر الكثير من القرويين والمزارعين صوب الغابات خوفا من أن يرغموهم على الالتحاق بالجيش الأحمر أو الأبيض.
ردع الجيش الأحمر آلاف الثورات القروية التي اتخذت أبعادا مختلفة بالرغم من أن أربعة أخماس منه من القرويين في عام 1920 لم يترددوا في تفجير قنابل الغازات الكيميائية على المدنيين لإخماد ثورة كامبو، وفي نفس السنة انتهت معركة ضم كل المناطق التي استقلت حديثا وهي مناطق من الإمبراطورية القيصرية القديمة ( أرمينيا 1921 – جورجيا 1922 )، تم ضم هذه المناطق عنوة بالرغم من الاعتراف الدولي بهما كدول مستقلة في مارس من سنة 1921 وبالرغم من أن الحرب الأهلية لم تكن قد انتهت بعد تمرد بحارة إكس شتات على الاشتراكيين بعد أن كانوا قد قاتلوا بشدة خلال الصراع من أجل الثورة، وقد طالبوا بنهاية الحزب الواحد والرجوع إلى حرية ثورة فبراير بالتوازي مع الجانب الاجتماعي للمطالب.
دخل زعماء المتمردين في محادثات مع الجيش الأبيض أملا في الدعم العسكري ضد البلاشفة، وفي مارس من عام 1921 سقطت جزيرة شتات خلال غارة للجيش الأحمر قتل خلالها الآلاف من بين الجنود والبحارة، كما أعدم المئات من المتمردين رميا بالرصاص.
تراكم القوة
بعد نهاية الحرب الأهلية كان الجيش الأحمر يتمتع بعدد كبير من الجنود، لكن كانت لديه مشكلة مع العتاد العسكري وخصوصا العتاد العصري من دبابات وأسلحة نارية فعالة وجهاز طيران، انطلقت خطة لخمس سنوات لصنع هذا العتاد العسكري عام 1918 وتواصلت خلال السنتين المواليتين، أصبح الجيش الأحمر خلال هذه الفترة ممتازا في بعض الميادين كاستعمال المظليين والمدرعات، بعض هذه الإنجازات اعتبرت الأفضل في تلك الفترة كطائرة المقاتلة أي 16 على سبيل المثال أو المدرعات السريعة من نوع بي تي.
لتدارك هذا التأخر استعمل السوفييت كل الطرق لاقتناء العتاد الأجنبي والتعاون مع الألمان والجاسوسية، والنتيجة كانت ناجحة ففي وسط الثلاثينيات كان الجيش الأحمر يعد في صفوفه مدرعات وطائرات أكثر من أي جيش أخر في العالم، كانت تركيبة الجيش الأحمر المحدث خلال الحرب الأهلية تتمتع ببعض الخاصيات، إذ إن كره البلاشفة لمصطلحات الجيش القيصري القديم جعلتهم يلغون عبارة ضابط وشارات الرتب ليحولها إلى قائد، وأصبحت الرتب وظيفية بحتة فنجد على سبيل المثال قائد قسم ما يقابله جنرال قسم، في عام 1924 ظهر نظام رتب مواز يعتمد على 14 قسم من الخدمات التي تمنح حسب الخبرة والمؤهلات.
التحديات
أهم التحديات التي واجهت الجيش الأحمر عبر تاريخه تمثلت بالتحديات الداخلية وعمليات التطهير السياسي أكثر من أن تكون تحديات خارجية، وقعت عملية تطهير سياسي على نطاق واسع في الجيش الأحمر تحت حكم ستالين، وذلك في نهاية الثلاثينيات لا سيما خلال محاكمة موسكو بين يونيو من عام 1937 ويوليو 1938، وقع سجن وإعدام مئات الجنرالات ومن عشرين ألف إلى ثلاثين ألف ضابط.
يعتبر جيل المؤرخين أن هذه العمليات التطهيرية أضعفت الجيش إلى حد كبير خصوصا أنه كان على مشارف الحرب العالمية الثانية، وجهة نظر أخرى ترى أن وقع هذا التطهير لم يكن بالحدة المزعومة، بما أن معظم الضباط المدانين كانوا يتبعون السلك السياسي العسكري البحت، وقد يذهب البعض إلى حد القول بأن التطهير أسس لتنظيم جديد أفضل من السابق، وقد كان التخلص من أنصار المدرعات بزعامة ميخائيل ساكاشفيلي أولوية قصوى، بينما نجا المدافعون عن الفرسان، وقع تفكيك الوحدات المدرعة الموجودة فعلا لتعود فقط قبيل الغزو واندلاع الحرب العالمية الثانية.
تضررت البحوث حول الأسلحة الجديدة كالرادار بسبب الاعتقالات، كما تضررت الكفاءات بسبب السلطوية الهوجاء ففي ربيع سنة 1941 كان المارشال كوبيك المقرب من ستالين لا يزال يحارب بالمدفع المضاد للمدرعات ويفضل المدفعية المجرورة بالخيل على كل القاذفات، حيث أراد أن يعود إلى نوع المدافع المستخدمة خلال الحرب العالمية الأولى، وعذب وزير العتاد العسكري لأنه تجرأ على مخالفته الرأي. كل هذه الأمور أضعفت الجيش الأحمر وجعلته لقمة صائغة في فم الألمان خلال الحرب العالمية الثانية.
الحرب العالمية الثانية
شارك الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية وتمكن من الانتصار ببسالة في أهم معاركه ضد الجيش النازي، معركة ستالينغراد هي إحدى أهم المعارك الكبرى والفاصلة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية جرت في مدينة ستالينغراد خلال الحملة العسكرية الألمانية على الاتحاد السوفييتي، واستمرت ستة أشهر بين 21 من أغسطس من عام 1942، والثاني من فبراير من عام 1943 بعد القصف الجوي العنيف الذي نفذه الجيش النازي، وفي 19 من نوفمبر من عام 1942 بدأ السوفييت حملة عسكرية أطلقوا عليها عملية أورانوس، شن الجيش الأحمر هجومين متزامنين ضد مواقع القوات الرومانية التي تحمي الجناحين الأيمن والأيسر للجيش السادس الألماني المتواجد داخل المدينة، كانت هذه القوات ضعيفة مقارنة بنظيرتها الألمانية، فانهارت بسرعة بعد معارك عنيفة مع السوفييت الذين تمكنوا في 23 من نوفمبر من محاصرة وتطويق حوالي 250 ألف من قوات الجيش السادس والفيلق الرابع التابع للجيش الرابع بانزر داخل المدينة.
بحلول الشتاء ومع تواصل الحصار بدأت المقاومة الألمانية تضعف، فقد تسبب البرد والجوع في إنهاك الجنود وتعطلت الآليات والمدرعات لقلة الوقود إضافة إلى نقص الذخيرة، في وقت اشتدت الهجمات السوفيتية التي تريد إنهاء وجودهم، ازداد الأمر سوءا برفض هتلر لقيام الجيش السادس بكسر الحصار والخروج من ستالينغراد حيث أمرهم بالبقاء مهما كلفهم الثمن مع ضمان مواصلة تزويدهم بالإمدادات عن طريق جسر جوي وقيام القوات الأخرى بهجوم مضاد لكسر الحصار وتوحيد القوات، فشلت عملية عاصفة الشتاء التي حاول عن طريقها النازيون استعادة السيطرة على المدينة وقلب مجريات المعركة.
وبعد هزيمة الألمان في ستالينغراد استطاع الجيش الأحمر التقدم بقوة في الداخل الألماني وصولا إلى برلين والانتصار.
الفرق بين الجيش الأحمر والجيش السوفياتي
بعد الحرب العالمية الأولى والتقلبات التي مرت بالجيش الأحمر ونفي واغتيال القائد المؤسس تروتسكي، قام جوزيف ستالين بتغيير اسم الجيش الأحمر ليصبح باسم الجيش السوفييتي في عام 1946، لتبدأ من بعدها أسطورة أخرى من أساطير القوة العسكرية التي لا تقهر أسطورة الجيش السوفياتي.