الحشاشين أخطر طائفة اغتيالات في التاريخ
تمركزوا في الشام وقتلوا اثنين من الخلفاء العباسيين وثمانية من كبار الوزراء من بينهم الوزير السلجوقي نظام الملك ، واغتالوا حوالي أربعة عشر أمير واثنين من السلاطين إلى أن حاولوا قتل صلاح الدين الأيوبي مرتين وفشلوا وقتلوا عدد كبير من كبار الفقهاء والقضاة ، فكانوا يستخدمون الاغتيال في حالات عديدة لإخافة أعدائهم نحن اليوم نتكلم عن طائفة الحشاشين أو الباطنية أخطر طائفة اغتيالات في التاريخ .
الحكاية بدأت مع الحسن بن الصباح الذي ولد سنة 430 هجري في مدينة الري بوسط الدولة السلجوقية على أرض تركستان ، والذي نشأ في أسرة شيعية اثني عشرية ثم تحول إلى الإسماعيلية ، والإسماعيلية هي عقيدة شيعية أيضا تنسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، والأتباع أقاموا بعد وفاته بقرون في الدولة الفاطمية والتي كان من ضمن حكامها المستنصر بالله الفاطمي ، وكان في البداية حسن الصباح ينشر الدعوة الإسماعيلية في بلاد فارس ، لكن عندما توفي المستنصر بالله سنة 487 هجري واختلف أبناءه على الحكم وحصل صراع كبير بينهم انتهى بانتصار ابنه المستعجل ، فسجن أخوه نزار ولكن الحسن بن الصباح وبدأ يدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر في بلاد فارس ، ومن هنا انقسمت الإسماعيلية على نفسها إلى النزارية فارس ومصر .
الحسن بن الصباح
اتخذ الحسن بن الصباح من قلعة ألموت مركز لنشر دعوته ، واتبع في منهجه ضد أعدائه أسلوب الاغتيالات المنظم بشكل ممنهج ودقيق جدا لدرجة أنهم قتلوا اثنين من الخلفاء العباسيين وثمانية من كبار الوزراء ، أشهرهم كان الوزير السلجوقي نظام الملك ، وقتلوا حوالي أربعة عشر أمير واثنين من السلاطين ، وحولوا اغتالوا صلاح الدين الأيوبي مرتين وفشلوا ، وأنهوا حياة عدد كبير من كبار الفقهاء والقضاة ، انتشر دعوة الحسن بن الصباح فقط في بلاد فارس بل أيضا تمركزوا في الشام لكي ينشروا الإسماعيلية النزارية فيها ، واختاروا الشام بعيدا قليلا عن قبضة الدولة السلجوقية وزعيمهم هناك كان يلقب بشيخ الجبل ، وكانوا يتعرضون للتهشم تحت حكم السلاجقة ، لكن بعد سقوط دولة السلاجقة وظهور الزنكي ثم الأيوبيين وانشغالهم بالحروب الصليبية بدأ الحشاشين يكبر نشاطهم أكثر وتزيد قوتهم ، وأشهر زعماء الحركة في الشام كان واحد اسمه راشد الدين سنان وهذا كان معاصر لصلاح الدين الأيوبي .
وكان الحشاشين يسيطرون على عدد كبير من القلاع الحصينة ، وهذا الشيء زدهم بأسا وقوة ، واتخذوا من قلعة نسيم في الشام مركز أساسي لهم ويعتبر عصر سنان هو العصر الذهبي للحشاشين في الشام ، وبلغوا من القوة درجة عالية جدا ، حتى أن الصليبيين كانوا يدفعون لهم الجزية ، لكن بعد وفاة سنان الأوضاع بدأت تضعف شيئا فشيئا .
الحشاشين بين المغول والصليبيين والمماليك
علاقة الحشاشين بالصلبين
لم يكون للباطنية مبدأ واحد فكانوا تارة أعداء الصليبيين لدرجة أنهم قتلوا منهم كل حكام بيت المقدس ، وتارة تحالفوا معهم ضد الأيوبيين ثم المماليك فيما بعد ، ومع الوقت ازداد الضعف ووصل بهم الحال أنهم بدل ما كانوا يأخذون الجزية من الصليبيين أصبحوا يدفعوا الجزية لفرسان الإسكندرية ، لكن على الرغم من هذا إلا أن نشاطهم لم يتوقف .
الحشاشين والمغول
على الرغم أن الحشاشين كانوا على عقيدة باطلة والمغول لم يكن عندهم مشكلة مع العقائد عموما ، لكن عندما جلس منكو خان على عرش الإمبراطورية المغولية كلف أخوه لك خان بحملة كبيرة على المشرق الإسلامي ، وحدد له ثلاثة أهداف رئيسية ، كان من ضمن تلك الأهداف القضاء على طائفة الحشاشين في بلاد فارس ، ودعا كي لا يأمن المغول أنفسهم من حركات الحشاشين واغتيالات ، فلا ينفع أن يقوم هولاكو بحملة كبيرة ويشرع الحشاشين باغتيال القائد. فما كان على المغول سوى القضاء على الحشاشين ، كان أمرا صعبا جدا حتى على المغول نفسهم .
لم يستطع هولاكو أن يقضى عليهم بسهولة إلا باستخدام الحيلة ، لأن الحشاشين كانوا مدركين تماما أنه لن يستطيعوا أن يدخلوا في مواجهة مباشرة مع قوة عسكرية منظمة ، فكانوا يستخدموه القلاع الحصينة في الاحتجاب عن أعدائهم ، وبالفعل حاول السلاجقة أكتر من مرة من القضاء عليهم قبل المغول لكنهم لم يقدروا على الرغم من كون الحشاشين كانت لهم قلاع في قلب دولة السلاجقة حتى عندما كان السلاجقة في قمة قوتهم في عهد السلطان ملك شاه وحتى الفاطميين والصليبيين ومن بعدهم زنكي والأيوبيين .
المواجهة مع المغول
وجاء المغول للمشرق الإسلامي بجيش جرار حرفيا دمروا الخلافة العباسية بها ، وحاصروا قلعة ألموت نفسها مركز الحشاشين في بلاد فارس ، وحاصروا غيرها من القلاع الأخرى وفشلوا فشل ذريع فيها كلها ، لم يستطيعوا أن يستولوا سوى على عدة قلاع ومراكز محدودة لغاية ما صعد ركن الدين خورشيه أخر زعماء الحشاشين في إيران ، ونتيجة لأنه حرفيا كان وقع في كماشة بين الصليبيين والمسلمين السنة والمغول القادمين بقوة من منغوليا ويدمروا الأخضر واليابس ، قرر أن يتواصل مع المغول ويعلن الولاء لهم ، بعد ما بعض أتباعه أقنعوه على رأسهم نصير الدين الطوسي بالتعاون مع المغول ، وأصبح فيما بعد حاكم العراق ، فأرسل ركن الدين أخوه شاه إلى هولاكو كتأكيد منه على جديته في تقديم الولاء للمغول .
لكن هولاكو رفض وقال له إذا أراد أن يظهر الولاء يجب أن يأتي هو بنفسه وقبل ما يقرر المجيء عليه أن يدمر القلاع التي تحصن الحشاشين ، ولكن ركن الدين لم يأمن غدر هولاكو فحاول أن يمثل أنه ينفذ الكلام فهدم بعض قلاع وبالفعل أحدث بعض الدمار الرمزي في ألموت المركز الرئيسي ، وطلب من هناك مهلة لمدة سنة لضبط أموره قبل أن يقف أمام هولاكوا ، وتأكيدا منه على حسن نواياه أرسل له بعض قادته لكي يؤكدوا ولائه له.
لكن هذا لم يقنع شر هولاكو وأعطاهم فرصة خمس أيام فقط لكي يكون فيها ركن الدين أمام هولاكو أو أن يرسل ابنه مكانه ، وبالفعل أرسل ركن الدين ابنه إلى هولاكو الذي كان عمره وقتها حوالي سبع سنين ، لكن هولاكو شك أن الولد لن يكون ابنه أصلا ، فأعاده لأبيه بحجة أن الولد صغير جدا وطلب منه إرسال شخصا أخر ، وفي نفس الوقت كان المغول يتقدمون أكثر تجاهه ، وأقنع نصير الدين الطوسي وغيره من الذين كانوا أن الخضوع تحت راية المغول أأمن وأسلم ، وبالفعل نزل ركن الدين شاه إلى هولاكو .
نهاية الباطنية على يد المغول في ايران
في البداية استقبلوه استقبال جيد جدا وكان يزوره في كل فترة لكي يطمئنه ، وأمره بأن يقنع أتباعه في القلعة الأخرى بتسليمهم ، وبالفعل تواصل ركن الدين مع قادة القلاع الأخرى حتى يستسلموا ، واستسلمت كل القلعة تقريبا له ما عدا قائد قلعة ألموت الذي تركه ركن الدين خورشيه فيها ، لكن في النهاية استسلموا كلهم له وتسلم جنود المغول القلاع ودمروها تدميرا واستولوا على كل ما فيها أيضا ، وبعدين أشعلوا فيها النيران فتحولت إلى رماد حرفيا ، فكانت نهاية الحشاشين في إيران على أيدي المغول سنة ستمئة ستة وخمسين . وهنا ركن الدين خورشيد أدى دوره على أكمل وجه ، وأصبح بالنسبة ل هولاكو كارت محروق ليس له دور ، ويقول الجويني عن نهايته إن المغول اغتالوه وأحاطوا به أتباعه وأعمال فيهم السيف ولم يبقى عنهم أي أثر وأصبحوا حكاية على ألسن الناس وعبرة في فم الزمن.
الحشاشيين مع المماليك
بعد قضاء المغول على الحشاشين في بلاد فارس ضعف موقفهم جدا لدرجة أن الفرسان التترية فرض عليهم جزية بعد ما كان الحشاشين هم الذين يأخذون جزية من الصليبيين .
في سنة ستمائة وخمسة وستين هجرية اشترط بيبرس على الصلبيين الامتناع عن أخذ الجزية من الحشاشين ، وهذا دلالة على فرض السيطرة من بيبرس على الاثنين ، لكن الأمر لم يكن مقتصر فقط على منع التترية من فرض الجزية على الحشاشين خصوصا ، لكنه منع من كافة المناطق الإسلامية في الشام دفع الجزية من ضمنهم الحشاشين ، ليس هذا فقط بل أيضا بيبرس فرض ضرائب ورسوم على الهدايا التي كانت بتوصل الحشاشين من مختلف الأمراء الذين كانوا يدفعون للحشاشين جزية مقابل عدم تعرضهم لهم ، من بينهم الإمبراطور ألفونسو وبعض ملوك الفرنجة أيضا .
سيطرة بيبرس على الباطنية
لم يكن باستطاعة الحشاشين الوقوف أمام بيبرس وقوته وإلا سيكون مصيرهم مثل مصير الحشاشين في فارس أو الصليبيين في الشام ، لأنهم رأوا أنه من الذكاء والحكمة أنهم يعرضوا على بيبرس الجزية لكي يستخدمها هو في حروبه ، لكن مع الوقت بدأ الحشاشين يتأخرون عند دفع الجزية لما بدأ يرجع خطر المغول ، فقام زعيم الحشاشين في الشام نجم الدين حسن بن الشعراني بإرسال مبعوثين ل بيبرس سنة ستمئة وسبعة وستين يطلب منه إنقاص الجزية التي يدفعها الحشاشين ، وفي نفس الفترة كان بيبرس له علاقة سيئة بأحد زعماء الحشاشين وهو صارم الدين مبارك .
فتوصل بعض الناس للإصلاح بينهم وبالفعل عزل بيبرس نجم الدين الشعراني عن زعامة الحشاشين وولى مكان صارم الدين مبارك على المركز الرئيسي الحشاشين في الشام وهي قلعة مصر ، ومن وقتها أصبح الظاهر بيبرس هو المتحكم في الحشاشين في الشام ، فكان يعزل ويعين زعماؤهم على هواه بل إن الموضوع تطور عن هذا أيضا لدرجة أنه أصبح شيخ الباطنية ما هو إلا نائب عن السلطان .
لدرجة أن بعض المؤرخين منهم برنارد لويس قال أن بيبرس استخدم الحشاشين في تهديد الصليبيين بالاغتيالات ، بل إن بعض الاغتيالات من جانب الحشاشين في هذه الفترة كانت من تدبير بيبرس نفسه ، لكن هذا الكلام مشكوك فيه .
فهذه الطائفة بالذات من أكتر الطوائف غموضا لأن نشاطهم عموما كان سري وغير معلن ، لكن بيبرس عموما بعد هذا الكلام بفترة وجيزة يقرر يتخلص من الباطنية نهائيا ويقبض بالفعل على زعيم الحشاشين في الشام ويرميه في السجن في القاهرة ويموت وهو في السجن ، وفي خلال ثلاث سنين فقط ما بين سنة ستمئة وثمانية وستين هجرية وحتى سنة ستمئة وواحد وسبعين هجرية واستولى بيبرس على كل قلاع الحشاشين في الشام ، وقتها انتهى أمرهم في الشام وطردهم منها.