تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية رحلة عبر الزمن | من الأزتيك إلى ترامب

إن الولايات المتحدة الأمريكية هي امتداد للحضارة الأوروبية، ولكن الأهم من ذلك هو أنها أخذت آخر ما وصلت إليه الحضارة الأوروبية، حيث انطلقت منها نحو حضارة أمريكية قيادية، ليس للمصدر الأم (أوروبا) فقط بل للعالم منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين بصفة خاصة، وذلك من خلال بداية حركة الكسوف الأوروبية والهجرات المتتالية إلى العالم الجديد، وعمليات الإزالة والإزاحة للبشر أصحاب الأرض من الهنود الحمر حتى أصبح هؤلاء في منطقة محاصرة أقرب إلى المتاحف البشرية. وقد انتقلت الصراعات الأوروبية إلى هذا العالم الجديد، خاصة الصراعات بين الإنجليز وفرنسا وإسبانيا، حتى تفوقت إنجلترا على فرنسا لتصبح هي المهيمنة على أمريكا الشمالية باستثناء بعض المساحات في جنوب “المكسيك”. وبعد استقلال أمريكا أصبحت منشغلة بوضع نظام حكم حديث ديمقراطي، وتوحيد بقية المناطق الأمريكية، وتصفية الرق بعد الحرب الأهلية.
وقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ الاستقلال على الابتعاد عن الصراعات الأوروبية، بل أبعدت الدول الأوروبية المتصارعة عن العالم الجديد بما أصدرته من قرار حاسم “مبدأ مونرو” الذي طالب بامتناع الدول الأوروبية عن التدخل في شؤون العالم الجديد، وإلا تصدت الولايات المتحدة لأي تدخل في هذا العالم الجديد. ومع النمو الاقتصادي لأمريكا وارتباطاتها بالعلاقات مع مختلف دول العالم وخاصة مع أوروبا، أخذت المسافة بين أمريكا وأوروبا في المجال السياسي والاستراتيجي تقترب، حيث أصبحت التطورات الأوروبية في أعقاب ظهور ألمانيا وإيطاليا والتوسعات الاستعمارية الأوروبية في العالم القديم في آسيا وأفريقيا، كل هذه التطورات حتمت على الولايات المتحدة اتباع سياسة معينة إزاء ذلك، وكانت السياسة المتبعة من طرف أمريكا هي منع سيطرة دولة أوروبية على المشهد السياسي في القارة الأوروبية، لأن ذلك يخل بالتوازن الدولي وضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة إذا كانت الدول الساعية إلى السيطرة على أوروبا دولة ديكتاتورية. وكان هذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تدخل الولايات المتحدة في أوروبا ضد دول الوسط خلال الحرب العالمية الأولى، وضد دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية، وضد الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، التي تمخضت عن انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بحكم العالم.
اكتشاف امريكا
من المسلم به الآن أن كولومبوس لم يكن بالفعل أول رجل أوروبي وطأت قدماه أرض القارة الأمريكية، بل إن كثيرين غيره سبقوه إلى ذلك ووصلوا إلى الشواطئ الأمريكية الشمالية في ظروف غامضة، مما جعل آثارهم هناك شبه معدومة وأخبار رحلاتهم أشبه بالأساطير منها بالواقع التاريخي. وهناك دلائل كثيرة على أن الإسكندنافيتين، وهم من الشعوب العريقة في الملاحة، قد سبقوا كولومبوس بقرون عدة. فقد قذفت العواصف والأنواء البحار في القرن التاسع إلى شواطئ أيسلندا، ثم وصل بحارة آخرون إلى جرينلاند أي الأرض الخضراء، وذلك سنة 986م. بعد ذلك بسنوات قليلة، أي في نهاية القرن العاشر، كان الإسكندنافيون قد وصلوا حتى شواطئ “لابرادور” ونيوفاوندلاند على الشاطئ الشرقي لأمريكا الشمالية. إلا أن هذا الاكتشاف لم يكن له أثر كبير لأسباب عديدة، أهمها أن المكتشفين أنفسهم لم يدركوا حقيقة الأرض التي وصلوا إليها، كما أنهم لم يحاولوا استعمارها أو السكن فيها. ولذا فقد اندثرت أخبارها إلا قليلًا مما نجده في بعض قصائد وأغاني الإسكندنافية القديمة أو بعض النصوص اللاتينية العائدة إلى القرون الوسطى. وعلى كل ذلك، فإن هذه الإشارات الغامضة لا تساعد على معرفة الحقيقة بصورة واضحة.
السكان الاصليون
بالطبع لم تكن القارة الجديدة خالية من السكان ومن الحضارات، وإنما كان القسم الأكبر من سكانها قد تجمع في المناطق الوسطى من القارة. وقد أثبتت أكثر الدراسات أن هؤلاء السكان الذين أطلق عليهم كولومبوس اسم “الهنود” إنما هم من سكان العالم القديم على الأرجح، ذلك أنه حتى الآن لم يُعثر في أمريكا على آثار لإنسان قديم كالإنسان في أوروبا. وراجح أن هؤلاء قد عبروا مضيق بيرينغ بعد نهاية العصر الجليدي، ويُرَجَّح أنهم ينتمون إلى العنصر المنغولي الذي ينتمي إليه الصينيون، إذ أتوا من شمال آسيا إلى شمال أمريكا، ومن ثم أخذوا بالاتجاه جنوبًا مع الزمن بحثًا عن أسباب الحياة، حيث إنهم ظلوا ولفترة طويلة شعوبًا رحل تعيش على الصيد والالتقاط. ونحن نجهل ما الذي دفع هذه الشعوب للانتقال إلى مرحلة الزراعة هذا الانتقال يعتبر خطوة مهمة في تطورهم الحضاري، ذلك أن ممارستهم للزراعة هي التي أجبرتهم على الاستقرار، وبالتالي هي التي أدت إلى قيام حضارات زاهية في تلك القارة. حتى إن بعض هذه الشعوب توصلت إلى معرفة بعض المعادن وإلى استعمالها، إلا أنها لم تصل إلى اكتشاف الحديد واستخدامه. هنا أشير إلى أن هذه الحضارات تطورت بصورة منعزلة تمامًا عن حضارات آسيا، وبالتالي فليس بينهما تشابه مهم. يضاف إلى ذلك أن هذه الحضارات الأمريكية كانت تختلف اختلافًا جذريًا عن الحضارات السائدة في أوروبا زمن الاكتشاف، أي في القرن الخامس عشر والسادس عشر. وأهم هذه الحضارات حضارة الأزتيك وحضارة الإنكا وحضارة المايا.
لم يكن الإسبان أقل رغبة من البرتغاليين في اكتشاف بلدان جديدة وفي التعرف على الطرق الجديدة للتجارة مع الشرق، وتحررهم من سيطرة التجار الجينويين والبندقية والمماليك المصرية من جهة، والدولة العثمانية بأساطيلها القوية في المتوسط من جهة أخرى. إلا أن الإسبان كانت تشغلهم طيلة القرن الخامس عشر تقريبًا سلسلة طويلة من الحروب خاضوها ضد المسلمين للقضاء على آخر ما تبقى لهم من معاقلهم في شبه الجزيرة الإيبيرية، دولة غرناطة، ولم يتم ذلك نهائيًا لعرش قشتالة إلا في سنة 1493 ، لم يقف الإسبان عند حد الشواطئ، بل اندفعوا في محاولة جدية للتعرف بسرعة على الأرض الجديدة واكتشاف معالمها الداخلية في محاولة استعمارها واستثمار خيراتها .
سنذكر بإيجاز أهم المنجزات في هذا المجال: احتلال المكسيك، احتلال البيرو. أما من أين جاءت تسمية أمريكا، فقد جاءت نسبة إلى الفلكي الإيطالي أميريكو فيسبوتشي، الذي يعتبر أول من أدرك أن الأرض المكتشفة في الجانب الغربي إنما هي قارة جديدة غير معروفة، واشتراكه عام 1501 بحملة برتغالية تأكيدًا لما سبق. وفي رسالة بعثها لأحد أصدقائه، اقترح تسمية القارة المكتشفة للعالم الجديد. إلا أن الفلكي الألماني فالدزيمولر قام بنشر رسالة أميريكو في مقدمة كتابه والمناطق الواسعة التي اكتشفها كولومبوس باسمه، واقترح على هذا الأساس تسمية قارة جديدة باسم أمريكا. ويقصد بالمصطلح “أمريكا” في البداية الجزء الشرقي من أمريكا الجنوبية، ثم أصبح يطلق منذ سنة 1538 على القارتين الأمريكيتين. وقد كانت من نتائج الاكتشافات الجغرافية البرتغالية والإسبانية إلى حد تهميش تجارة البحر الأبيض المتوسط التي كان يتمتع بها طوال العصور الوسطى .
وانتقل مركز الثقل من حوض البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي. وبعد أن أحست إنجلترا بعدم تكافؤ فرص لبعدها عن الاكتشافات الجغرافية، اتجهت نحو الجهة الشمالية من الأرض الأمريكية. وما ساعدها في ذلك ما حدث من أمور في إسبانيا في النصف الثاني من القرن السادس عشر جعلتها تفقد سيطرتها على الأراضي الأمريكية، مما فسح المجال أمام الإنجليز، لا سيما بعد تدمير الأسطول الإسباني في البحار سنة 1688. ومن هذه الأمور التي جعلت إنجلترا تكون شريكًا لإسبانيا في العالم الجديد النظام الاقتصادي الذي تبنت إسبانيا بعد اكتشافها لأمريكا، الذي يعتبر فيه الذهب وحدة أساسية للثروة ليس في داخل إسبانيا فقط، وإنما حتى في المستعمرات، وأهملت الزراعة والصناعة، وهذا بدوره أدى إلى التضخم النقدي وعدم استثمار الثروات وعدم تطوير البلاد زراعيا مما جعل الملكة ايابيلا ملكة اسبانيا تطرد المسلمين واليهود من الجزيرة الإسبانية…
أول مدينة في أمريكا
تأسست أول مدينة أمريكية، جيمستاون، في مستعمرة فيرجينيا سنة 1607 بواسطة شركة إنجليزية. وقد نصت بنود الامتياز على أن سكان المستعمرات يجب أن يتمتعوا بالحصانات والحريات نفسها التي يمتلكونها لو كانوا في إنجلترا. كما أعطت الشركة حق سك النقود وفرض الضرائب وسن القوانين مع المحافظة على سلطات العرش الإنجليزي. وأصبحت مستعمرة فيرجينيا مقاطعة ملكية بعد أن ألغى جيمس الأول امتياز الشركة، فعينت الحكومة الإنجليزية حاكمًا عامًا للمستعمرة يساعده في الحكم جمعية تشريعية ينتخبها المزارعون. وهذه تعتبر أول حكومة تمثيلية في أمريكا.
أما مستعمرة ماساشوستس فقد تأسست عام 1620 على يد شركة بلايموث، وكان سكانها الهاربين من الاضطهاد الديني يسمون أنفسهم بالحجاج، والذين رفضوا تعاليم الكنيسة الإنجليزية. كانت أهمية هذه المستعمرة تكمن في حكومتها الشعبية أكثر من اقتصادياتها الجزئية. فقد وضعت ماساشوستس أول دستور مكتوب بموجب عقد اجتماعي يرضي المحكومين من سكان المستوطنة الأوائل. وظهر في ماساشوستس نظام تمثيلي نيابي، وكان الناس ينتخبون الأعضاء الذين يمثلونهم. وكان هناك مجلس تشريعي لغرض التشريع. وقد ظهرت بمرور الزمن عدة مستوطنات كما يلي:
- مستوطنة فيرجينيا تأسست عام 1607
- مستعمره ماساشوستس تأسست عام 1620
- مستعمرة نيوهامبشير تأسست عام 1636.
- مستعمرة ميرايلاند تأسست عام 1634
- مستعمرة رودايلاند تأسست عام 1935
- مستعمرة كارولينا الشمالية تأسست عام 1663
- مستعمرة كونيكتكيوت تأسست عام 1636
- مستعمرة نيوجرسي تأسست عام 1681
- مستعمرة نيويورك تأسست عام1624
- مستعمرة كارولينا الجنوبية 1664
- مستعمرة ديلاوير تأسست 1681
- مستعمرة بنسلفانيا تأسست عام 1682
- مستعمرة جورجيا تأسست عام 1733.
لم يكن بناء المستعمرات الإنجليزية في أمريكا الشمالية أمرًا سهلاً؛ لأن قبائل الهنود الحمر واجهت الإنجليز في مواجهة عنيفة. لقد تعددت الأسباب التي جعلت المستعمرات الإنجليزية بأمريكا الشمالية تنمو وتكبر، حيث حمل المستوطنون معهم شعار الحرية وما ورثوه وما يطمحون إليه في الكفاح من أجل الحرية. فلم يتقيد المستوطنون في نشاطهم أو في حركاتهم باحتلال منطقة معينة، بل كان لهم مطلق الحرية. وكانت حكومة لندن تشترط على الشركات أن يزرعوا الأرض، لكن واجهتهم مشكلة قلة مساحة هذه المستعمرات وقربها من بعضها البعض.
كان عدد سكان هذه المستعمرات في القرن الثامن عشر 1,500,000 نسمة، وكانت إنجلترا قد سمحت بعدة أنظمة من الحكم من بينها: الحكم المطلق من قبل إنجلترا والشركات التجارية، والحكم الذاتي ،إذ توجد طبقتان في هذه المستعمرات، وهما طبقة العبيد وطبقة ملاك الأراضي
انجلترا حاكمة العالم الجديد (أمريكا الشمالية)
في سنة 1763، كان يبدو من الظاهر أن النصف الشمالي للقارة الأمريكية قد استقر نهائيًّا ضمن نطاق الإمبراطورية البريطانية. فكل شيء يشير إلى شدة الترابط بين الوطن الأم ومستعمراته في أمريكا. فسكان الأرض الجديدة لم يحاولوا أن يؤسسوا لهم مدينة جديدة، وإنما كانت حياتهم امتدادًا لما ألفوه في وطنهم الأصلي. وحضارة المستعمرات الثلاث عشرة كانت إنجليزية صرفة، رغم تواجد عرقيات أوروبية أخرى منها الجرمانيون والإيطاليون… ولغة سكانها إنجليزية، والقوانين السائدة بينها هي نفسها المعمول بها في إنجلترا. والعادات السائدة في الحياة الاجتماعية والعائلية هي نفسها السائدة في الوطن الأم. إلا أن سكان المستعمرات الأمريكية كانوا يتمتعون بحقوقهم وحرياتهم الطبيعية، كما هي موجودة في العواصم البريطانية وفي أي مدينة من المدن الإنجليزية
استقلال الولايات المتحدة الامريكية
التحرك نحو استقلال المستوطنات :
بعد النصر على الفرنسيين ومع تحقيق الهدف الأول للتاج الإنجليزي، حاولت الحكومة البريطانية تسوية العلاقات بين التاج والمستعمرات تسويةً جوهرية. وقد تبلور ذلك في عهد جورج الثالث بدايةً من سنة 1769، والذي حاول تقوية السلطة المركزية في البلاد، وبالتالي ربط سياسة الإمبراطورية كلها بالنظام الإنجليزي. كان حكم جورج الثالث حكمًا ديكتاتوريًا، فلم يأبه كثيرًا لآراء البرلمان والحكومة، ولقد تجاوز ذلك الملك صلاحياته في سياسة واضحة نحو المستعمرات، مقويًا مركزه على حساب حرياتها، وخاصةً مع ما كشفته حرب السنوات السبع من ضعف الرابطة بين الإنجليز ومستعمراتهم، من حيث عدم اهتمام الأمريكيين كثيرًا بتلك الحرب الدائرة على أراضيهم، لا بموقف الإنجليز ولا بموقف الفرنسيين، حتى إنهم أحيانًا استمروا في تجارتهم مع الفرنسيين هناك. هذا من جانب، ومن جانب آخر كان في ضم تلك المساحة الشاسعة من الأراضي ضرورة لاتباع تلك السياسة المشددة، خاصةً مع ضرورة حماية الحدود الغربية ضد الكثير من الأخطار، منها هجمات الهنود، ثم ضرورة تحديد العلاقة بين سكان كندا الفرنسيين وإحكام السيطرة على تحركاتهم، باعتبارهم جانبًا كان معاديًا لوقت قريب، ثم إدارة شؤونهم. وقد ألقى ذلك كله على الحكومة البريطانية عبء توفير موارد مالية لتحقيق تلك الأهداف، ثم إعداد قوات عسكرية لحفظ الأمان في مواجهة تلك الأخطار. ومن ثم، ومع متطلبات إحكام الإدارة والسيطرة، كان لا بد من إشراك سكان المستوطنات في توفير تلك الموارد عن طريق دفع الضرائب، التي لم يكن المتحصل منها في الواقع ذا قيمة كبيرة قبل سنة 1763
قوانين الضرائب
- قانون السكر 1764
- قانون العملة 1764
- قانون التمرد 1764
- قانون مساكن المستعمرات 1760
- قانون التمغة 1760
حقيقةً، خدعت الحكومة البريطانية لصلابة الموقف الأمريكي، غير أن هدفها الثابت في المنطقة كان السيطرة على المستوطنات، وعلى الأقل اقتصادياً، ناهيك عن الجوانب السياسية. ومن ثم اتضح أن الأهداف الإنجليزية إنما هي دائماً في طريق تحقيقها. ومن ثم كان الهدف الملح حينئذٍ هو الدفاع وإحكام السيطرة على المسافات الشاسعة المنظمة على الساحل الشرقي، وعلى الساحل ذاته، إذ في الحدود كانت الموارد المالية هامة. وعلى ذلك استمر البحث عن الضرائب الجديدة لتحقيق ذلك الهدف، ولإشراك مستوطن المستعمرات في تلك المسؤولية، وللتأكيد على السياسة البريطانية هناك. ومن ثم رُفِضَت الضرائب الجديدة على الورق والشاي والزجاج والرصاص المستورد. ولقد أصدر وزير المالية البريطاني “تاونشند” سلسلة من القرارات تقضي بفرض الضرائب على الورق والشاي والزجاج والرصاص المستورد إلى المستعمرات، على أن تُستخدم حصيلة هذه الضرائب لدفع مرتبات الحكام والموظفين الإنجليز هناك. ولم تلبث أن ارتفعت الصيحات في جميع أنحاء البلاد ضد القوانين الجديدة. وقام الزعيم الأمريكي “صامويل آدامز” بدعوة المستعمرات للعمل ضد القوانين الجديدة. ثم قامت حركة بمقاطعة البضائع الإنجليزية، وكانت معارضة هذه القوانين عنيفة في بوسطن، وهي مركز تجاري مهم، إذ هاجم السكان موظفي الجمارك حين تنفيذ القوانين الجديدة، مما جعل السلطات العسكرية تحرك قوتها إلى المدينة. وقد سبب وجود الجنود الإنجليز في المدينة هياجاً دائماً، انتهى بما يُسمى بمذبحة بوسطن التي وقعت في مارس سنة 1770، التي وقع فيها قتل ثلاثة من الأمريكيين. إلا أن خصوم السياسة الإنجليزية استغلوا هذا الحدث بدرجة كبيرة في كل أنحاء البلاد. وأما تزايد المعارضة الأمريكية لهذه الضرائب، فقد كان بفضل تدخل رجال أعمال إنجليز تأثرت تجارتهم بالمقاطعة الأمريكية، التي جعلت صادرات إنجلترا للمستعمرات تنخفض إلى النصف. فتراجع برلمان لندن وألغى الضرائب ما عدا ضريبة واحدة هي ضريبة الشاي، التي أصر الملك جورج الثالث على الاحتفاظ بها ليبقى حق فرض الضرائب قائماً. وقد ساد الهدوء عقب ذلك في المستعمرات لمدة ثلاث سنوات، وأخذت العلاقات تتحسن تدريجياً مع الإنجليز، كما أفسح المجال أمام العناصر المعتدلة للعمل على إقرار السلام. ذلك أن المواطن العادي في هذا التاريخ لم يكن قد اتجه نحو فكرة الانفصال نهائياً عن الإمبراطورية، كما أن فئة المتمولين كانت ميالة للتفاهم مع البريطانيين وكبح جماح العناصر الثورية والمتطرفة، على أن لا يؤدي ذلك إلى الإضرار بمصالحهم التجارية. إلا أن فئة الوطنيين ظلت تناضل ضد بقاء ضريبة الشاي وتعمل على إلغائها، وبالتالي إلغاء مبدأ حق البرلمان الإنجليزي في فرض الضرائب على المستعمرات. وقد تجاوب الأمريكيون عامة مع دعوة مقاطعة الشاي الإنجليزي، وأقبلوا على شراء الشاي المهرب من المستعمرات الهولندية رغم ارتفاع ثمنه، وذلك لإظهار إصرارهم على معارضة رغبة الملك في تضخيم شؤون المستعمرات.
إعلان الاستقلال
عندما بدأ الأمريكيون الحرب، مارسوها كالإنجليز، يعملون للدفاع عن حقوقهم التقليدية التي تحاول حكومة لندن سلبهم إياها. بل إنه فيما تسلم جورج واشنطن قيادة الجيوش الأمريكية، كانت فكرة الاستقلال تبدو لهم بعيدة، كما كان يقول. إلا أن أحداثًا كبيرة جرت في البلاد، أخذت تجعل زعماء البلاد يتجهون بها نحو الاستقلال بكثير من التردد والخوف. ذلك أن الفكرة الوطنية لم تكن قد شملت غير جزء من السكان، وليس كل السكان الذين كانوا منقسمين حيال المواقف الواجب اتخاذه اتجاه الإنجليز. وبصورة عامة، نجد أن فئة الوطنيين كانت تضم على الأغلب أبناء الطبقات الدنيا والمثقفة، بينما كانت فئة الموالين لبريطانيا تضم القسم الأكبر من المالكين والأثرياء. وكان هناك فئة ثالثة تضم حوالي ثلث السكان، لم تأخذ موقفًا محددًا، وإنما كانت تفضل الانتظار قبل أن تحدد موقفها. إن الفئة الوطنية والمؤيدة للانفصال عن إنجلترا كانت أقلية بين السكان، إلا أنها كانت تتميز بحيويتها ونشاطها، وبوجود نخبة من الزعماء المخلصين ذوي الأفكار الواضحة في مقدمتها، وهذا ما ساعد في أن تجر البلاد كلها إلى المصير الذي أرادته هي. لقد عمل هؤلاء الزعماء بعد مؤتمر الكونغرس الثاني بكثير من الحذر والحيطة على تهيئة الرأي العام لتقبل فكرة الانفصال، وجعل الناس يفكرون في الاستقلال كمخرج وحيد لأزمتهم. وقد ساعد هؤلاء في مهمتهم عوامل كثيرة، أبرزها:
- إصدار “باين” سنة 1776م، وهو تاجر أمريكي عُرف بتأييده لفكرة الاستقلال، كتابًا اسمه “الإدراك” حاول أن يظهر فيه للأمريكيين أن بإمكانهم أن يحكموا أنفسهم إذا استقلوا بأفضل مما تفعله حكومة لندن.
- بما أن الحرب الأمريكية لم تكن تلقى تأييدًا من الشعب الإنجليزي، فإن حكومة لندن أخذت تجد صعوبة كبيرة في جمع المتطوعين لإرسالهم إلى المستعمرات، مما جعل الملك جورج الثالث يلجأ إلى الجنود المرتزقة من الألمان، فاستأجر من أمير مقاطعة “هيس” حوالي 20000 جندي وأرسلهم لمحاربة الأمريكيين. وقد أساء هذا التصرف إلى سمعة الملك لدرجة كبيرة.
- تصلب حكومة لندن المتزايد اتجاه المستعمرات، ذلك أن آخر ملتمس للسلام أرسله الكونغرس إلى ملك لندن مع رسول خاص لقى هناك تجاهلًا تامًا، بل إن الملك رفض مقابلة الرسول.
هذه الأحداث مع ما سبقها من تصرف السلطات الإنجليزية أفقدت أصدقاء الحكومة البريطانية وفئة المتمردين كل مبرر لتمسكهم بولائهم للعرش الإنجليزي. وفي سنة 1776، تقدم الزعيم “لي” من فيرجينيا إلى الكونغرس باقتراح يدعو المستعمرات لأن تكون دولة حرة مستقلة، ولقد لقي هذا الاقتراح تأييدًا عامًا، فشُكلت لجنة مكونة من خمسة زعماء تضم فرانكلين وجفرسون وأدامز، مهمتها إعداد وثيقة الاستقلال. وفي 3 يوليو، أُقرت الوثيقة التي أعدها جيفرسون بعد إدخال تعديلات عديدة عليها من قبل الكونغرس، ثم أُعلنت بشكلها النهائي في 4 يوليو موضحة للعالم ولادة أمة جديدة مستقلة. وقد أبرزت هذه الوثيقة للعالم الأسباب التي دعت الأمريكيين للانفصال عن العرش الإنجليزي، وحددت الخطوط الرئيسية للمعتقدات السياسية عند الأمريكيين، وأن البشر خُلقوا متساوين، وأنهم مُنحوا من قبل خالقهم حقوقًا ثابتة من بينها حق الحياة وحق الحرية وحق البحث عن السعادة.
بعد ذلك، عملت أمريكا على خلق مجموعة من العلاقات مع مجموعة من الدول مثل فرنسا، وكانت هذه الأخيرة تراقب باهتمام تطور الأحداث في المستعمرات الأمريكية، إذ كان يسرها إلى حد كبير أن ترى عدوتها القديمة إنجلترا تواجه الحروب والمصاعب في العالم الجديد. كما أنها كانت تنتظر الفرصة الملائمة لتحاول أن تثأر لهزيمتها في حرب السبع سنوات وأن تتخلص من بعض شروط معاهدة باريس القاسية. ولذا فإن الوزارة الخارجية الفرنسية كانت على اتصال سري مستمر ببعض رجال الثورة الأمريكية، مقدمة لهم النصح أحيانًا ومساعدة أحيانًا أخرى، وكثيرًا ما أرسلت لهم في غفلة عن أعين الأسطول البريطاني شحنات من الأسلحة والذخيرة، كما أنها استقبلت عديدٌ من زعماء الكونغرس ورسله بصورة غير رسمية في باريس، هذا بالنسبة للدولة الفرنسية، أما بالنسبة للفرنسيين فكان حماس الأحرار منهم لها عظيمًا، إذ رأوا في انتصارها انتصارًا لمثلهم ومبادئهم والحرية في العدالة والمساواة.
الحرب الإنجليزية الأمريكية
في بداية الحرب كانت تبدو الكفة الإنجليزية راجحة، ذلك أن أسطولهم القوي فرض حصارًا قويًا على شواطئ المستعمرات، فأفشل اقتصادها وجعل الاتصال فيما بينها وبين أوروبا صعبًا للغاية. ثم إن قوتها كانت أكثر عددًا وخبرة وكفاءة. تضاعف إلى ذلك أنها كانت تعتمد على الموارد الاقتصادية للدولة الكبرى، ولم يكن يضعف موقف الجيش الإنجليزي إلا انقسام الرأي العام في بريطانيا حول هذه الحرب. أما الأمريكيون فقد انطلقوا منذ البداية من الناحية العسكرية من موقف ضعيف للغاية، وذلك للأسباب التالية:
- فئة من الأمريكيين بقيت موالية للإنجليز، فمدتها بحوالي 30,000 جندي وتعاونت معها وقدمت لها المعلومات.
- القوات الأمريكية كانت سيئة التنظيم وعديمة الخبرة، وكان ينقص جنودها روح الارتباط العسكري.
- عجز الحكومات الأمريكية عن مواجهة نفقات الحرب، باعتبار أنه لم يكن للكونغرس حق فرض الضرائب.
- عدم ثقة المستعمرات بعضها ببعض، وعدم استعداد أي منها للتنازل ولو عن جزء من سيادتها للكونغرس ليتمكن من الانتصار في الحرب.
إلا أن القوات الأمريكية كانت تعوض عن ذلك بقيادتهم الحكيمة المخلصة التي يتولاها جورج واشنطن، باتساع رقعة أراضيها ووفرة إمكانياتها، مما كان يعرقل عمل القوات النظامية الإنجليزية. عقب إعلان الاستقلال، حاول واشنطن طرد الجنرال هاو وجنوده من بوسطن، إلا أنه فشل في المعركة التي جرت بين الجيشين في نيويورك من أجل السيطرة على هذه المدينة. وقد هُزم الأمريكيون بفضل التعاون بين الجيش الإنجليزي وجيش هس الألماني، وما تلقاه الجيشان من مساعدات وإمدادات، مما اضطر واشنطن للتراجع نحو الجنوب عبر نيوجيرسي حتى وصل بنسلفانيا، وأخذ يعمل على إعادة تنظيم قواته. ثم عاد ليلة عيد الميلاد عام 1776، وباغت الجنود الألمان المرتزقة وهزمهم، ثم أتبع نصره هذا بانتصار آخر في برينستون. وتراجع إلى ولاية نيوجيرسي. وفي عام 1777، قام الجنرال الإنجليزي بهجوم بحري على العاصمة فيلادلفيا واحتلها، وطرد منها جيوش واشنطن. إلا أنه بينما كان واشنطن يتلقى هذه الضربة ويعاني مع جنوده من برد الشتاء القارص، كانت تجري معركة شمال ساراتوجا في نيويورك، حيث حاصر الإنجليز جيشًا كاملاً من 6000 جندي استسلم مع قائده بورغوين في نفس السنة، بعد حصار قام به 20,000 من المزارعين الأمريكيين وجنود المستعمرات. تُعتبر معركة ساراتوجا المعركة الفاصلة في حرب الاستقلال الأمريكية، ذلك أن خسارة إنجلترا شجعت فرنسا وإسبانيا على الدخول في الحرب إلى جانب الأمريكيين، كما أنها أعطتهم المبادرة في السيطرة على المناطق الشمالية. وبعد هذه المعركة، أخذت نتائج الحرب تتحول لصالح الوطنيين تدريجياً. وبالرغم من أن الشعب البريطاني كان قد ملّ من هذه الحرب الطويلة، إلا أن الملك جورج الثالث أصر على متابعتها. غير أن الهزائم المتتالية للإنجليز سنة 1782، التي طُردوا على إثرها من كل المرافق الأمريكية ما عدا نيويورك، أقنعته بضرورة الجنوح إلى السلام. وفي سنة 1782، استقال رئيس الوزراء البريطاني اللورد نورث، مفسحًا المجال أمام اللورد روكنغهام ليبدأ مع الأمريكيين مفاوضات السلام.
إعلان الدستور
مشروع فيرجينيا: قدمه ماديسون، المعروف بأبي الدستور الجديد، ويمثل هذا المشروع مصالح الولايات الكبرى. وقد اقترح ماديسون شكلاً حقيقياً لحكومة وطنية يتولى السلطة التشريعية فيها مجلسان: المجلس الأعلى، الذي تتمثل فيه الولايات بما يتناسب مع حجمها وثروتها، والمجلس الآخر الذي ينتخبه الشعب الأمريكي. ويهدف مشروع فيرجينيا في الأساس إلى تقليل سلطة الولايات وجعل المواطنين يمثلون في الكونجرس.
مشروع نيوجيرسي: وكان أكثر حذراً لأنه كان يمثل مصالح الولايات الصغرى المتخوفة من طغيان الولايات الكبرى وسيطرتها على الكونجرس فيما إذا أُقر مشروع فيرجينيا. لقد طالب مندوب نيوجيرسي بمجلس واحد تتساوى فيه الولايات في التمثيل، كما كان الوضع في مواد الاتحاد، على أن يمنح الكونجرس السلطة لفرض الضرائب وتنظيم التجارة. على الرغم من تعارض المشروعين وتباعدهما، تمكن المجتمعون بعد اجتماعات طويلة وحلول وسطية وتنازلات من إيجاد أساس لاتفاق يقضي بأن يتألف الكونجرس الجديد من مجلسين، كما أرادت الولايات الكبرى، على أن تمثل في المجلس الأول كل ولاية بعضوين مهما بلغ تعداد سكانها ومساحة أراضيها، أما في المجلس الآخر فينتخب الشعب نواباً مباشرة، وترسل كل ولاية عدداً من النواب يتناسب مع عدد سكانها. وأخيراً، جرى الاتفاق على شكل حكومة فيدرالية، فأقر المؤتمرون أن تكون ذات سلطات ثلاث منفصلة: السلطة التنفيذية، وقد أقر الدستور الأمريكي أن تكون السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية الذي يمثل الدولة بأكملها، وهو المسؤول أمام الشعب الأمريكي وليس أمام البرلمان، كما هي الحال في الأنظمة الديمقراطية، إلا أنه يمكن محاكمته أمام الكونجرس إذا اقترف جرائم عظمى. ومدة ولاية الرئيس ونائبه أربع سنوات، يمكن تجديدها، وفي حالة وفاة الرئيس أو انقطاعه لسبب عن ممارسة سلطته، يحل نائبه مكانه حكماً ويكمل مدته، وإذا توفي نائب الرئيس أو استقال، حل مكانه رئيس مجلس النواب.
السلطة التشريعية: إن السلطة التشريعية، بموجب المادة الأولى من الدستور الأمريكي، منوطة بمجلس الكونجرس الذي يتألف من مجلسين: مجلس النواب، ويتألف من نواب ينتخبهم جميع المواطنين الأمريكيين الذين لهم حق الانتخاب بشكل مباشر، ومجلس الشيوخ. إذا كان مجلس النواب يمثل عامة الشعب الأمريكي، فإن مجلس الشيوخ يمثل الصفة الاتحادية للدولة الأمريكية.
السلطة القضائية: تُمارس السلطة القضائية في الحكومة الاتحادية بموجب الدستور الأمريكي من قبل المحكمة العليا والمحاكم الفيدرالية الأدنى التي يعينها الكونغرس. وتتألف المحكمة العليا من الرئيس وثمانية قضاة يعينهم رئيس الولايات المتحدة بعد موافقة مجلس الشيوخ.
تكوين الحكومة وتنفيذ القانون
في يناير سنة 1789، وبعد اختياره بالإجماع، أقسم جورج واشنطن يمين الإخلاص والولاء للاضطلاع بأعباء رئاسة الولايات المتحدة. وحينئذٍ كانت الدولة قد بدأت تنمو حديثًا، فسرعان ما أصبح الوادي الخصيب شمال نيويورك وبنسلفانيا وفيرجينيا في مساحات شاسعة عظيمة قد زُرع قمحًا، وبدأ رجال الاقتصاد في التخطيط لتحسين الأوضاع الاقتصادية. تم إيجاد الموارد والبحث عن الموارد الجديدة وذلك لمواجهة الآثار السيئة الناجمة عن الحرب، ثم الانطلاق بحركة أفضل نحو المستقبل. ومع الزراعة تطورت صناعات، وإن كانت بدائية، فقد وضعت ماساتشوستس ورود آيلاند أسس صناعة النسيج الهامة، وبدأت كونيتيكت في صناعة الساعات ومصنوعات الصفيح. بدأت نيويورك ونيوجيرسي وبنسلفانيا في تطوير صناعة الزجاج والحديد، وفي الوقت نفسه تطورت صناعة الشحن البحري حتى لم يعد يفوق الولايات المتحدة الأمريكية في الشحن البحري إلا إنجلترا. ومع ذلك، فإنه في ظاهرة واضحة بدأ معظم النشاط الأمريكي يتجه نحو الغرب، إذ يبدو أن قانون الشمال الغربي قد بدأ يؤتي ثماره. فتدفق المهاجرون من أوروبا إما لشراء الأرض الخصبة نظير مبالغ زهيدة أو للعمل، والذي كان الطلب عليه على أشده. كما بدأ السكان القدماء في الهجرة أيضًا.
- رئاسة جون آدامز: خلف جون آدامز واشنطن في الرئاسة، كما انتخب جيفرسون، وزير الخارجية السابق، لنيابة الرئاسة. ولم تكن مهمة الرئيس الجديد سهلة؛ لأنه واجه منذ البداية مجموعة من الانقسامات بسبب المعاهدة مع إنجلترا. كما أنه كان عليه أن يعالج مشكلة العلاقات السيئة مع فرنسا بسبب المعاهدة مع إنجلترا.
- رئاسة جيفرسون: ولما انتهت مدة رئاسة آدامز الأولى، عبر الأمريكيون عن نقمتهم على الحزب الفيدرالي بانتخاب توماس جيفرسون، كبير مفكري الجمهورية، عام 1801. وقد استهل الرئيس الجديد عهده بنقل العاصمة الفيدرالية إلى قرية صغيرة اسمها واشنطن، مما أثار عاصفة من النقد ضد ذلك في ولايات الشمال.
- شراء لويزيانا: بموجب معاهدة باريس، حصلت إسبانيا على مساحات في أمريكا تقدر بما يزيد عن مليون ميل مربع، وهي كل الأراضي الممتدة من الضفة الغربية لنهر المسيسيبي إلى جبال روكي، بما في ذلك ميناء نيو أورليانز الضروري لشحن الحاصلات الزراعية الأمريكية. وفي سنة 1800، أرغم نابليون ملك إسبانيا على أن يعيد لفرنسا كل هذه الأراضي المعروفة باسم المستعمرة لويزيانا. وقد أثار هذا التصرف الرعب في أمريكا؛ إذ اعتُبر هناك كدليل على رغبة نابليون في إقامة إمبراطورية فرنسية غربي الولايات المتحدة. وفي مواجهة هذا التهديد المباشر لسلامة أمريكا وتجارتها، قرر جيفرسون أن يتصرف بسرعة وحزم، ولو اضطرّه الأمر لدخول الحرب إلى جانب الإنجليز ضد فرنسا. إلا أن رغبة نابليون في هزيمة إنجلترا بأي ثمن، واستعداداته الضخمة بعد صلح أميان لغزو الجزر البريطانية، جعلته في حاجة كبيرة للمال. ولذا، فإن مبعوثي الرئيس جيفرسون الذين وفدوا على باريس سنة 1807 لم يجدوا صعوبة في الاتفاق على شراء المستعمرة لقاء 15 مليون دولار. وقد أدهش الرئيس جيفرسون الأمريكيين بتصرفه هذا، الذي تجاوز فيه الفيدراليين في نظرتهم إلى مرونة النصوص الدستورية. فجيفرسون، الذي كان منذ وضع الدستور يطالب باحترام حرفية النصوص والدفاع عن صلاحيات الولايات وسيادتها، وجد نفسه أمام ضرورات أمن الولايات المتحدة وسلامتها، فلم يقبل فقط شراء أراضٍ جديدة وضمها للدولة (مع أنه ليس في الدستور ما ينص على مثل هذا الحق)، بل تجاوز الدستور وعقد الاتفاق مع فرنسا دون أخذ إذن الكونغرس.
- رئاسة جيمس ماديسون: حين تسلم الرئيس ماديسون صلاحياته، كانت العلاقات مع إنجلترا تتدهور بصورة مستمرة، وبدا أن الحرب التي حاول الرؤساء الثلاثة السابقون تجنبها قد باتت أمرًا لا بد من حدوثه. فالإنجليز كانوا مستمرين في التعرض للسفن الأمريكية في عرض البحر، ومحاولتهم عرقلة التجارة الأمريكية مع فرنسا كانت لا تنتهي. وقد ذكر الرئيس في تقرير قدمه إلى الكونغرس حادثة تعرض فيها الإنجليز لبحارة أمريكيين وأجبروهم على العمل على سفنهم. يضاف إلى ذلك أن سكان المناطق الغربية كانوا يريدون محاربة الإنجليز بسبب الغارات المستمرة التي كان الهنود يشنونها على مزارعهم، وكانوا يعتقدون أن الهنود أينما كانوا يفعلون ذلك بالتحريض من العملاء الإنجليز. ثم إن العناصر الشابة في الجنوب كانت تريد أيضًا الحرب ضد الإنجليز لاستغلال تلك الفرصة واحتلال فلوريدا الإسبانية، باعتبار أن إسبانيا آنذاك كانت حليفة إنجلترا. ولعبت العلاقات الفرنسية الأمريكية دورًا رئيسًا في الحرب الإنجليزية الأمريكية سنة 1813.
- ضم ولاية الغرب كشراء ولاية فلوريدا: كانت فلوريدا حتى ذلك الوقت لا تزال تحت الحكم الإسباني، ولما كانت إسبانيا منشغلة في متاعبها مع المستعمرات في أمريكا الوسطى والجنوبية بسبب رغبة هذه المستعمرات بالاستقلال، فإن أوضاع الأمن قد تردت كثيرًا في فلوريدا، فصارت ملجأ يؤوي العبيد الهاربين من أسيادهم في جنوب أمريكا. كما أن القبائل الهندية اتخذوا من هذه المستعمرات منطلقًا لغاراتهم على المواطنين الأمريكيين في الولايات الجنوبية. وقد اضطر القائد الجنوبي جاكسون للقيام بأكثر من حملة تأديبية ضد هذه القبائل، خرق فيها حرمة الحدود الإسبانية، مما عمل على تدهور العلاقات بين كل من مدريد وواشنطن. وفي سنة 1818، قام القائد الأمريكي الجنوبي بحملة ضد القبائل الهندية وتوغل فيها ضمن أراضي فلوريدا بتأييد من حكومته وبصورة خاصة من آدامز وزير الخارجية. وقد انتهت هذه الحملة باحتلال كامل المستعمرة وجميع الأراضي الساحلية لإسبانيا الممتدة من فلوريدا حتى مصب المسيسيبي على حدود المكسيك.
- التوسع نحو الغرب: عقب انتهاء حرب الاستقلال، وبصورة خاصة منذ مطلع القرن 19، كان تيار الهجرة إلى الغرب، أي إلى ما وراء جبال الأبلاش والأليغاني، يقوى بصورة مستمرة، خاصة وأن أراضي الغرب كلها اعتبرت بعد الاستقلال ملكًا للاتحاد، وألغيت جميع الحقوق السابقة عليها. ثم إن قرار سنة 1787 قد شجع الهجرة إلى هذه الأراضي بالسماح للمهاجرين إليها بأن يشكلوا حكومات ذاتية تدير شؤونهم. وكما سبق ذكره، إلى أن يبلغ تعداد السكان في كل منطقة 60,000 مواطن، عندها يدخلون الاتحاد على قدم المساواة مع الولايات المؤسسة.
مبدأ مونرو
سنة 1833، في أيام الاحتلال الفرنسي لكل من إسبانيا والبرتغال، انقطعت العلاقات بين هذين البلدين وبين مستعمراتهما في أمريكا الجنوبية، وأخذت هذه المستعمرات تمارس الحكم الذاتي بصورة تدريجية. وبعد زوال العهد وعودة الملك الإسباني فرناندو إلى عرشه في مدريد، عادت العلاقات بين مدريد والمستعمرات إلى الوضع السابق، ولكن لفترة قصيرة، إذ لم تلبث هذه المستعمرات متأثرة بالثورتين الأمريكية والفرنسية أن نجحت نحو الاستقلال. ولم تلبث أن اشتعلت الثورات في هذه المستعمرات بقيادة الزعيمين سيمون بوليفار وخوسي دي سان مارتين. وفي سنة 1821 كانت الأرجنتين وتشيلي قد حصلتا على استقلالهما، وتبعتهما في سنة 1822 بيرو وكولومبيا والمكسيك. وكذلك أعلنت البرازيل في نفس السنة استقلالها، وهو انفصال عن البرتغال. وقد بادرت هذه الدول إلى تشكيل حكومات ديمقراطية على النمط الأمريكي.
ولما كانت الدول الكبرى وفرنسا قد وقعت في سنة 1815 التحالف المقدس، الذي أخذ على عاتقه مهمة حماية الحكام الشرعيين في أوروبا من الثورات والأنظمة الحرة، حتى ولو اضطر الأمر إلى التدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى، وأمام عجز ملك إسبانيا عن وقف الحركة الثورية الاستقلالية في مستعمراته الأمريكية، فقد لجأ إلى التحالف المذكور طالبًا منه المساعدة لاسترجاع مستعمراته.
أما الإنجليز فكان لهم رأي آخر. كانت إنجلترا ترى ضرورة المحافظة على استقلالية هذه الدول الأمريكية، حيث وجدت أسواقًا واسعة لمنتجاتها ومراكز غنية بالموارد الأولية اللازمة لصناعتها. وانطلاقًا من هذه النظرة، أخذت إنجلترا تعارض مساعي الحلف المقدس للتدخل في أمريكا الجنوبية. كما أن وزير خارجيتها كانينج حاول إقناع الولايات المتحدة أن تصدر الدولتان إعلانًا تعبران فيه عن معارضتهما لأي تدخل خارجي في شؤون الدول الأمريكية.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر بكثير من الشك والريبة إلى أطماع بعض دول الحلف المقدس في العالم الجديد، وخاصة أن روسيا كانت تبدي اهتمامًا متزايدًا بشؤون ألاسكا التي كانت تابعة لها آنذاك. إلا أن وزير الخارجية الأمريكي آدامز لم يكن ميالًا للتعاون مع الإنجليز، خاصةً وأنه كان يرى في مثل هذا الإعلان محاولة إنجليزية لإبعاد الولايات المتحدة عن شؤون أمريكا اللاتينية. وعلى هذا فقط، اقتنع الرئيس مونرو بأن تتصرف الولايات المتحدة لوحدها، وانطلاقًا من سياسة العزلة وعدم التدخل في شؤون الأوروبية التي سار عليها أسلافه. وعلى هذا فقط، عرض الرئيس في رسالته السنوية التي وجهها إلى الكونغرس في الثالث من ديسمبر سنة 1833، سياسته اتجاه أوروبا وأمريكا اللاتينية، والتي أُطلق عليها منذ ذلك الوقت “مبدأ مونرو”، وأبرز نقاط هذا المبدأ:
- قارتي أمريكا، بما تتمتعان به وتحافظان عليه من حرية واستقلال، أصبحتا غير خاضعتين للاستعمار من أي دولة أوروبية في المستقبل.
- النظام السياسي للدول المتحالفة يختلف تمامًا عن نظام أمريكا.
- لم نساهم بتاتًا في الحروب التي نشبت بين الدول الأوروبية لأمور خاصة بها، كما أنه ليس مما يتفق مع سياستنا أن نفعل ذلك.
وقد أصبح هذا المبدأ حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية طيلة القرن التاسع عشر، بل وربما كان لا يزال حتى الآن في بعض الأوساط السياسية في الولايات المتحدة.
الحرب الاهلية الامريكية
في منتصف القرن التاسع عشر، امتدت البلاد في أنحاء القارة إلى غابات وجبال وسهول، ووصل عدد ولايات الاتحاد إلى 31 ولاية تضم 23 مليون نسمة. ووصل النشاط والإنتاج والعمل إلى أوجه، ففي الشرق ازدهرت الصناعات، وفي أواسط الغرب والجنوب كانت الزراعة عاملاً يدر الربح الوفير. وتدفق الذهب الذي ظهر بوفرة في كاليفورنيا فأغرق مختلف الميادين التجارية، وربط كل ذلك بشبكة من خطوط السكة الحديدية الممتدة والواسعة، وحقق تواصلاً وترابطاً بين جميع المناطق الآهلة بالسكان برباط وثيق. غير أنه ومنذ البداية كانت ولايات نيو إنجلاند، وولايات ساحل المحيط الأطلنطي، هي المراكز الرئيسية للصناعة والتجارة والمال، وكانت أهم المنتجات هناك هي منتجات وصناعات خشبية وملابس وآلات وجلود ومصنوعات صوفية. وفي الوقت نفسه، بلغت الملاحة أقصى مراحل التقدم، وجابت البحار السبعة سفن يرفرف عليها العلم الأمريكي، مصدرة ومستوردة بضائع من وإلى كل أنحاء العالم. كما أنه في الجنوب كان القطن المصدر الرئيسي للثروة، وانتشرت زراعته رغم انتشار زراعة الأرز على طول الساحل، إضافة إلى قصب السكر في لويزيانا وغيره من الحاصلات في الولايات الحدودية. كما انتشرت صناعات هنا وهناك، وبعد استغلال أراضي سهول الخليج السوداء الخصبة، تضعف إنتاج القطن خلال العقد الخامس من القرن التاسع عشر، وملأت العربات والسفن والقطارات بالقطن لأسواق الشمال والجنوب. وقد غطى إنتاجه مصانع النسيج في الشمال، كما شكل أكثر من نصف صادرات البلاد من المواد الخام. تمتع بذلك الرخاء أيضاً مناطق الغرب الأوسط بمراعيها الشاسعة وقوة اليد العاملة المتنامية فيها بسرعة. وكانت كل أوروبا والولايات الأمريكية القديمة في حاجة إلى القمح هذه الأقاليم والمنتجات ولحومها. وكان لحجم سرعة استخدام الآلات أثر في مضاعفات متتالية للإنتاج، وكان لتحسين وسائل النقل أثر كبير أيضاً في إحداث رخاء الغرب. فقد اخترقت جبال الأبلاش خمسة خطوط سكك حديدية، ولم يكن للجنوب نصيب كبير في شبكة الخطوط الحديدية، ولم يتم إنشاء خط متصل يخترق الجبال ويربط الحوض بالساحل المحيط الأطلنطي الجنوبي إلا في أواخر العقد الخامس. ومع ذلك، كان الوضع بشكل عام يوضح أن الشماليين قد تميزوا عن الجنوبيين بتطورهم السريع وبدخلهم الضخم والمرتفع عن الجنوب. لكن سرعة التقدم تلك كانت تحمل في طياتها أخطاراً كاملة، وكانت تهدد استمرار التوافق والانسجام الإقليمي. ولم يعد خافياً أن هناك انتماءين:
واحد للشمال والآخر للجنوب، دون أن يكون هناك انتماء واحد لقومية أمريكا الحديثة، وأخذت المصالح المتعارضة تَزيد على مر السنين بين الشمال والجنوب. وكان أهل الجنوب يستنكرون الأرباح الضخمة التي يربحها رجال الأعمال من أهل الشمال من خلال عمليات البيع والشراء والتعاملات والضرائب، وفَسَّروا تأخرهم بتوسع الشماليين ومحاولة بسط نفوذهم. غير أن الشماليين اعتبروا أن سبب تأخر الجنوبيين عنهم إنما سببه ذلك النظام الذي أقرّه الجنوب، وهو نظام الرق. ولقد تَوضَّح تفاقم ذلك الخلاف عند مناقشة مشكلة الحماية الجمركية وتوزيع الأراضي والرق.
مشكل الحماية: عندما طُرحت قضية الحماية بعد الاستقلال، كان الهدف من ذلك تعزيز الاستقلال السياسي عن طريق جعل البلاد قادرة على سد حاجياتها بنفسها. ولذا فقد عملت الحماية الجمركية على حماية الصناعة الأمريكية بفرض الرسوم المرتفعة على البضائع المستوردة من أوروبا. وقد لقيت هذه الضرائب مقاومة عنيفة من الجنوب الزراعي، ذلك أن سكان الجنوب كانوا ينتجون المواد الأولية الزراعية فيصدرونها للخارج ويشترون بالمصنوعات الأوروبية التي اعتادوا استهلاكها منذ أمد بعيد، فارتفعت أثمانها بفرض الضرائب الجمركية عليها. ولقد تأزمت هذه المشاكل زمن الرئيس جاكسون لدرجة هددت الكيان الاتحادي. وعندما أقر الكونغرس سنة 1833 قانونًا بفرض تعريفة جمركية جديدة، عارضت كارولينا الجنوبية التي كانت تشعر منذ أمد طويل بأن الحماية تعود بالمكاسب على الصانعين في الشمال بينما يتضرر من ارتفاع الأسعار المزارع الجنوبي. ولم يلبث مجلسها التشريعي أن أعلن إلغاء القانون الذي أقره الكونغرس معتمدًا على نظرية حق مجلس الولاية في اعتبار أي قانون يصدره الكونغرس باطلًا دستوريًا.
توزيع الأراضي: وكان الشماليون، نظرًا لرسوخ الديمقراطية بينهم وازدهار الطبقة الوسطى، يريدون من الدولة أن توزع أراضيها الواسعة في الغرب مجانًا على المزارعين الصغار وعلى المهاجرين الجدد. بينما يرى غالبية أهل الجنوب، وجلهم من كبار المزارعين، ألا توزع الدولة أراضيها إلا مقابل أثمان مرتفعة، وذلك رغبة منهم في حصر ملكية الأرض بطبقة كبار المزارعين ولمنع انخفاض أسعار المنتجات الزراعية. ولما كان أكثر سكان الشمال من العاملين في التجارة والصناعة والنقل، فقد كان يهمهم زيادة عدد المزارعين والمساحات المزروعة ليتمكنوا من الحصول على حاجياتهم بأسعار منخفضة.
الرق: إلا أن الخلاف بين الشمال والجنوب لم يلبث أن انتقل من الصعيد الاقتصادي إلى الصعيد الاجتماعي إلى مشكلة الرقيق. ولقد ورثت حكومة الولايات المتحدة، مع ما ورثته عن السلطات الاستعمارية الإنجليزية، مشكلة وجود عدد كبير من العبيد في أراضيها. وأثناء وضع الدستور الأمريكي، أُرفقت هذه القضية من الناحية القانونية، إلا أن واضعي الدستور وجدوا أنفسهم مكرهين على الإقرار بهذا النظام باعتباره شكلاً من أشكال الملكية الفردية التي يصونها الدستور. إلا أن الولايات المتحدة لم تلبث أن أَمَرَتْ منذ سنة 1807 بمنع تجارة الرقيق، بمعنى أنها أَمَرَتْ بمنع استيراده من الخارج. غير أن عدد الزنوج في أمريكا كان قد أصبح كبيرًا لدرجة أن تناسلهم السريع كان يعوض عما كان يأتي قبلاً من أفريقيا. وحينئذٍ احتدم الجدل حول مشكلة الرقيق، وأصبحت الدعوة علنية من أهل الجنوب بضرورة وجوده. وفي تطور لمشكلة الرق، تغير نظام الأبوة في حكومة المزرعة بعد سنة 1830. وكان نظام الأبوة نظامًا ميسرًا من حكم السيد لعبيده وبإشراف شخصي منه. أما ما تغير إليه، فهو نظام الملاحظين، والذين كانت مقدرتهم العالية في استغلال العبيد هي السند الحقيقي لتعيينهم في المزرعة لملاحظة العبيد. فكان النظام غاية في القسوة، والذي على أثره تحطم النظام العائلي (نظام الأبوة). وعامل الملاحظون الرقيق بقسوة شديدة، وانتهكوا من خلاله كل ما يتمتع به الإنسان من حق طبيعي في الحياة.
رئاسة لينكولن: كان إبراهام لينكولن من مواليد الغرب الأوسط، وكان يمتاز من بين زملائه المحامين المشتغلين بالسياسة بمحاربته العنيفة للرق. فكان ينادي بأن كل تشريع وطني يجب أن يقوم على مكافحة هذا النظام، وكان يطالب بمكافحته ليس فقط في المناطق الجديدة، وإنما في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ومنذ بداية سنة 1858 بدأت سلسلة من المناقشات العلنية مع الشيخ ستيفن دوجلاس حول قضية الرقيق، وكان لنكولن مرشح الحزب الجمهوري عن ولاية إلينوي لمجلس الشيوخ، بينما كان خصمه مرشحًا للحزب الديمقراطي. وبالرغم من خسارة المرشح الجمهوري، إلا أن مناقشته مع خصمه ودعوته لتحرير الرقيق بقوة وإخلاص جعلته أحد أبرز زعماء البلاد وأقوى المرشحين لرئاسة الجمهورية. وفي سنة 1860 قدم ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الجمهوري، أما الديمقراطيون فقد انقسموا على أنفسهم وقدموا مرشحين هما دوجلاس في الشمال وبركنريدج من الجنوبيين المتعصبين لنظام الرقيق.
ولم يكتفِ الجمهوريون بجعل تحرير الرقيق أول بند في برنامجهم الانتخابي، بل أضافوا إليه المطالبة برسوم جمركية مرتفعة لضمان الحماية للصناعة، وتعهدوا بتوزيع الأراضي على السكان دون مقابل. وهذه الأمور كلها معارضة لمصالح الجنوبيين ورغباتهم، ولذلك كانت المعركة عنيفة للغاية، وكان يبدو أن نتيجتها تتوقف عليها مصير الاتحاد ووحدته. وفي سنة 1860 فاز الرئيس لنكولن بأغلبية ضئيلة ولم ينل أكثر من 40% من الأصوات، كما أنه لم يحصل على أصوات من الولايات الجنوبية. ولعل السبب الأساسي في فوزه يرجع إلى توزيع أصوات الحزب الديمقراطي بين المرشحين. ولقد أدرك الجنوبيون، وبصورة خاصة دعاة المحافظة على الرقيق وأنصار حقوق الولايات، المغزى الحقيقي لانتخاب الرئيس الجمهوري الجديد، باعتبار أنه لم يكن قد مر الزمن طويل على تصريحه الذي أكد فيه على رغبته في تحرير الرقيق وفي المحافظة على وحدة البلاد. وفي نفس الوقت، لقد أدركوا أن الشمال بتأييده وانتخابه للرئيس لنكولن إنما يعبر ذلك عن تصميمه الأكيد على وقف انتشار الرقيق في الأراضي الجديدة إن لم يكن على تحريمه من كل أراضي الاتحاد. وموقف أوروبا من الحرب منذ إعلان الانفصال سعى الفريقان لاكتساب ود أوروبا وتأييدها. فالجنوب علق آماله الكبيرة على اعتراف أوروبا بالاتحاد الجديد، فقد حرص بصورة خاصة على تأييد إنجلترا واعترافها، وذلك أن الجنوب الزراعي كان يعتمد على مصانع إنجلترا في كل ما يحتاجه من مصنوعات وأسلحة حربية. ولذا ركز الجنوبيون جهودهم حول إقناع إنجلترا بتأييد قضيتهم. وقد انقسم الإنجليز إلى فريقين، فرجال الدولة والفئات المثقفة كانت رغم معارضتهم للرقيق تميل لنصرة الجنوب لاعتبارات عديدة، من رغبتهم في الثأر من هزيمتهم في حرب الاستقلال وإضعاف الولايات المتحدة بتقسيمها إلى دولتين فلا تعود دولة زاحمة على المصالح البريطانية في أمريكا والبحار، ثم إن رجال المال والصناعة كانوا يرون في الجنوب إذا استقل سوقًا واسعًا لبضاعتهم واستغلال رأس مالهم بعيدًا عن مزاحمة رجال المال والأعمال الشماليين.
أما الرأي العام البريطاني فكان بصورة عامة يعارض الحرب ويؤيد وحدة الأمريكيين لدوافع إنسانية ككرهه لنظام الرق وشن الحرب الأهلية التي أدت إلى البطالة بين عمال النسيج في بريطانيا. وحتى سنة 1863 كانت بريطانيا مترددة في اتخاذ موقف معين تجاه الحرب الأهلية الأمريكية، وكل ما فعلته هو أنها اعترفت للجنوبيين بحقوق المحاربين. وبعد انتصارات الشماليين أقلعت بريطانيا عن كل تفكير في الاعتراف باستقلال الجنوب.
أما فرنسا التي كانت تستهلك كميات كبيرة من القطن الأمريكي فكانت تعطف على قضية الجنوب رغم عدائها الشديد لنظام الرق. وكل ما أقدمت عليه فرنسا هو أنها اعترفت للجنوبيين بحقوق المحاربين. كما أن نابليون الثالث حاول أن يدفع أوروبا لتدخل جماعي في العالم الجديد، إلا أن اقتراحه لقي معارضة شديدة من الإنجليز وروسيا. وهنا يجب الإشارة إلى أن تطور الأوضاع في أوروبا أثناء الحرب الأهلية الأمريكية طرح على بساط السياسة الأوروبية سلسلة من المشاكل الهامة جعلت الدول الأوروبية تحول اهتمامها نحو مشاكل القارة بصورة خاصة. وأبرز هذه القضايا قضية الوحدة الإيطالية سنة 1862 وما طرحته من مشاكل في إيطاليا وقيام الثورة في بولونيا. أما نابليون الثالث فقد بات أكثر اهتمامًا منذ العام 1862 بتثبيت دعائم عرش صديقه الإمبراطور مكسيمليان في المكسيك.
قوانين تحرير الرقيق: لقد تم تحرير الرقيق على مراحل، فقد أصدر الرئيس لينكولن في 22 سبتمبر سنة 1862 إعلانًا بأن جميع الأرقاء في الولايات المتحررة أو الأراضي الخاضعة لها سيكونون أحرارًا ابتداءً من يناير 1863. وبعد هذا التاريخ، أخذت بعض الولايات تصدر بواسطة مجالسها التمثيلية قوانين تحرير الرقيق.وفي صيف سنة 1865، ومع بعض التعديلات الطفيفة، تابع أندرو جونسون مشروع لينكولن، وكانت الإجراءات كالتالي:
- عين بقرار منه حاكمًا لكل ولاية من الولايات الجنوبية.
- أعاد ثانية الحقوق السياسية لكثير من أهالي ولايات الجنوب عن طريق سلطته في إصدار العفو.
- عقدت المؤتمرات في كل ولاية بين الولايات الجنوبية السابقة لإلغاء قرارات الانفصال ورفض ديون الحرب، ثم وضع دساتير جديدة.
- تم انتخاب حاكم لكل ولاية بواسطة الأهالي، ثم انتخاب المجلس التشريعي. وقد تقرر أنه حالما يوافق المجلس التشريعي لولاية على التعديل الدستوري رقم 13، يعترف بقيام الحكومة المدنية فيها واعتبار الولاية ضمن الاتحاد الفيدرالي ثانية.
وقد تمت العمليات السابقة كلها بحلول نهاية سنة 1865، مع استثناء يسير وهو أن تلك الولايات لم تكن قد استعادت مركزها السابق تمامًا كما كان من قبل، حيث إن الكونغرس لم يسمح حينئذٍ بإدخال شيوخها ونوابها في مجالسه في واشنطن، وكان هناك أمر بمعاقبتهم وعدم إعادتهم لتلك المجالس.على العموم، في الشهور التالية، أخذ الكونغرس في وضع خطة لإعمار الجنوب تختلف اختلافًا كليًا عن تلك التي بدأها لينكولن واستكملها جونسون.
صدر بعد ذلك التعديل الدستوري رقم 14، والذي قوبل بمعارضة شديدة من جانب المجالس التشريعية للولايات الجنوبية باستثناء تينيسي. فكان ذلك التعديل ينص على أن جميع الأفراد الذين ولدوا في الولايات المتحدة أو جُنِّسوا بجنسيتها وخضعوا لتشريعاتها هم مواطنون أمريكيون، ويعتبرون مواطنين للولايات التي يقيمون فيها. وفي مقابل تلك المعارضة، وفي قانون الإعمار لسنة 1868، قسم الكونغرس الأمريكي الجنوب إلى خمس مناطق وضعها تحت الحكم العرفي، متجاهلًا الحكومات المدنية التي تأسست في الولايات الجنوبية. ونص القانون على إمكانية التخلص من ذلك الحكم العسكري الدائم وذلك فيما يخص الحكومات المدنية التي تشكلت وأقسمت يمين الولاء، وذلك بعد موافقة على التعديل. ومنح الزنوج حق الانتخاب، وتوالت القوانين بعد ذلك، وصودق على القانون رقم 14 والقانون رقم 15 في سنة 1870، وكانت كلها لصالح الزنوج.
كان الجيش الشمالي ما زال قابعًا ومتمركزًا في الجنوب لتطبيق سياسة الإعمار المفروضة منذ عهد لنكولن، ولم يستقر الجنوب حتى تم سحب الجيوش الشمالية في سنة 1877، غير أنها تركته وهو خراب يسوده الانحلال الخلقي والفوضى، ومثقلاً بالديون، حتى بدأت سياسة التعمير الحقيقية من جديد.
الثورة الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية
بدأ بزوغ شمس الثورة الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن 19 بسبب تضافر عدة عوامل، في مقدمتها:
- اكتشاف مصادر غنية ومواد أولية.
- التوسع في إعمار الأراضي الجديدة في الغرب والوسط وانتشار أعمال التنقيب عن الفحم والحديد في الغرب الأمريكي.
- لم تكد تصل تسعينيات القرن 19 حتى أصبح إنتاج الصلب يفوق بريطانيا، وبعد سنوات تفوق على ألمانيا وبريطانيا مجتمعتين.
- اكتشاف أول بئر بترول في بنسلفانيا عام 1859 حيث تم استعماله في الإنارة.
- اكتشاف المحرك البخاري.
- قبل نهاية القرن، ظهرت شبكة من المؤسسات شملت أرجاء البلاد تختص في استخراج وتصفية وتوزيع البترول.
- تطور أعمال البحث والتنقيب عن النحاس والزئبق والرصاص والذهب والفضة…
هذه الاكتشافات للثروات رافقتها تطورات علمية وتقنية نتج عنها تطور الصناعة.
على سبيل المثال، بين عامي 1860 و1890 شهد بروز 440 ألف شهادة اختراع.
وتتميز الصناعة الأمريكية بأنها تقوم على أساس علمي دقيق وإنتاج غزير.
وتضافر كل هذه العوامل، إضافة إلى رؤوس الأموال والأيدي العاملة الخبيرة، نتج عنه ثورة صناعية قوية وحل المصنع نهائياً محل الحرف الصغيرة.
ارتفاع الضرائب الجمركية التي ارتفعت عند بداية الاستقلال لتغطية مصاريف الحرب.
تطوير السكك الحديدية نظراً لأهميتها في الانتقال من الشرق الأمريكي إلى الغرب.
هذا التطور الاقتصادي السريع نتج عنه ارتفاع أسعار الأراضي واكتشاف مصادر ثروة، كل هذا على حساب الأفراد.مع تدخل الدولة للحماية والتشجيع، مما خلف ثروات هائلة خاصة في العقدين الآخرين من القرن 19. أصحاب هذه الثروات كانوا يميلون نحو السيطرة وإزالة المنافسين، خاصة في مجالات النحاس ولحوم البقر والزئبق والفحم… وأضخمها:
- صناعة الفحم والحديد: أندرو كارنيجي.
- صناعة استخراج وتصفية البترول: روكفلر.
- الخطوط الحديدية يسيطر على ثلثها: جي. بي. مورغان، وامتداد نفوذه إلى صناعات أخرى مثل الصلب والتلغراف.
ساهمت الاختراعات المتعددة (التلغراف، الهاتف، الكهرباء…) في تدارك تأخر الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الحرب الأهلية. وقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق قفزة اقتصادية مكنتها من الالتحاق بأوروبا، وأصبحت بورصة «وول ستريت» إحدى أهم البورصات العالمية (رواج أسهم الشركات الضخمة التي أصبحت تتعامل داخل البورصة)، بالإضافة إلى دور التركيز الرأسمالي في الاقتصاد الأمريكي الذي أفرز أشكالاً عديدة من التركيز : الترورستات، حرية المبادرة، حرية المنافسة، الديموقراطية.
عرفت الولايات المتحدة الأمريكية نموًا ديموغرافيًا كبيرًا، إذ انتقلت ساكنتها من 8.4 مليون نسمة سنة 1815م إلى 53 مليون نسمة سنة 1880م، وتميزت هذه الساكنة بتنوع كبير (الهنود الحمر، أوروبيون، أفارقة، آسيويون، لاتينيون …)، ونظرًا للتوسع المجالي الكبير للولايات المتحدة الأمريكية سارت في اتجاه تزايد عدد الولايات من 13 ولاية إلى 50 ولاية، وقد اتسعت في مناطق كانت تحت نفوذ كل من فرنسا، إنجلترا، إسبانيا، المكسيك، روسيا، وقد لعبت البورجوازية دورًا كبيرًا في الاقتصاد الأمريكي، حيث فرضت هيمنتها على مؤسسات كبرى في البلاد، مثل: روكفيلر، فورد، مؤسسات مرتبطة بالسياسة الخارجية، وسائل الإعلام، وقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية بفضل قوة مواردها البشرية والطبيعية، والدور الذي لعبته البورجوازية في التمكن من الالتحاق بمصاف الدول الرأسمالية في العالم.
الحرب الإسبانية الأمريكية 1898
في الأثناء لم يكن قد بقي من الإمبراطورية الإسبانية الواسعة سوى بورتوريكو وكوبا، الأولى كانت تمارس الحكم الذاتي من مدة طويلة أما الثانية فكانت العلاقة بين السكان المحليين والسلطات المستعمرة سيئة جدًا بسبب لجوئهم في أغلب الأحيان إلى التمرد.
ومنذ 1895 كان السكان في حالة ثورة دامية مع استعمال المستعمر الوحشية للقمع .ولأن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت دولة قوية كان لابد من الاهتمام بما يجري في محيطها على بعد 90 ميلًا خاصة أن رجال الأعمال الأمريكيون لهم مصالح خاصة في صناعة قصب السكر والتبغ والخوف من تأثير مصالحهم بأحداث الثورة وكان للرأي العام الأمريكي دورًا في تأجيج الصراع.
- اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المسألة سنة 1897 ليس فقط حبًا في دولة كوبا إنما هذه الدولة غنية الأولى في صناعة قصب السكر حيث تم تقديم وساطة لإسبانيا لكنها رفضت.
- بداية اقتناع الرأي العام الأمريكي بضرورة التدخل في كوبا وكان حادث غرق السفينة الأمريكية في خليج هافانا والاعتقاد الأمريكي أن الإسبان هم السبب مما دفعهم لطلب انسحاب إسبانيا من كوبا لكنهم رفضوا مما أدى بالكونغرس الأمريكي لإعلان الحرب على الجيوش الإسبانية.
جبهة كوبا: إنزال القوات الأمريكية البرية والبحرية وألحقت هزائم بالإسبان بعد إغراق أسطولهم في سانتياغو وبعدها أصبحت كوبا وبورتوريكو في أيدي الأمريكيين ونهاية عهد الإسبان في البحر الكاريبي.
جبهة الفلبين: في أواخر القرن 19 كانت الدولة تحت سيطرة الإسبان وكانت هناك ثورة شعبية ضد الاستعمار، ولما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على إسبانيا، قام أسطول أمريكي بالتوجه من هونج كونج نحو الفلبين فدمر الجيوش الإسبانية.
انتهت الحرب بينهما بعد انعقاد معاهدة باريس 1898، بموجبها تنازلت إسبانيا عن الفلبين وبورتوريكو، أما كوبا أصبحت دولة مستقلة.
عرف الكونغرس الأمريكي انقسامًا حول كيفية استيلاء الولايات المتحدة الأمريكية على المستعمرات الإسبانية، وهذا يجعل البلاد دولة مستعمرة مما يخالف مبادئ الأمة الأمريكية. إلا أن الاتجاه التوسعي أخذ يسيطر على الساحة، وأخذت الولايات المتحدة الأمريكية أمر السيادة على هذه المستعمرات وتقرير مصيرها. النسبة لكوبا، كان لابد من تنفيذ حكم الاستقلال، حيث تم تنفيذ الحكم الذاتي سنة 1902 مع البقاء على بعض الصلاحيات للطرف الأمريكي.
أما الفلبين فحصلت على الحكم الذاتي سنة 1916 بعد صراع طويل بين الثوار والجيش الأمريكي.
قناة بنما: ومع تنامي النهج التوسعي الأمريكي واهتمامها بشؤون المحيط الهادئ وتحول البحر الكاريبي إلى بحيرة أمريكية، ظهرت الحاجة الملحة لشق قناة في أمريكا الوسطى تؤمن الاتصال البحري بين شواطئها على الأطلسي وأراضيها في المحيط الهادئ. توفر هذه القناة تكوين أسطولين بحريين في الهادئ والأطلسي وكان الزعيم روزفلت أكثر اقتناعًا بالفكرة، ففي سنة 1903 صوت الكونغرس على إنشاء القناة في أراضي بنما التابعة لكولومبيا.
تم توقيع اتفاقية بين كولومبيا والولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 10 ملايين دولار، وفيما بعد اعتبرها الطرف اللاتيني غير، كافية قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحريض ثورة انفصالية مما أدى إلى ظهور جمهورية بنما التي وقعت على الشروط الأمريكية، حيث أصبحت القناة صالحة للملاحة في سنة 1914.
اليابان والصين
أما في الجهة الأخرى من العالم، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إقامة علاقات تجارية مع اليابان التي كانت منعزلة في ذلك الوقت. وبعد عدة محاولات، نجح بيري في إقامة علاقات سلمية مع اليابان، وتم إبرام معاهدة بين البلدين عام 1858، وبناءً عليها فُتحت الموانئ اليابانية أمام الأمريكيين، واستمرت هذه العلاقات لسنوات.
ضمَّت الولايات المتحدة الأمريكية جزر هاواي التي تربط بين سان فرانسيسكو والشرق الأقصى. تزايدت المصالح الأمريكية في الشرق الأقصى، التي كانت منتجة للسكر، ورغبتها في فتح أسواق خارجية، خاصة الصين بحيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى الصين سوقًا لتصريف الإنتاج المتزايد.
عقب هزيمة الصين أمام اليابان في حرب 1895، ظهر الاهتمام الأوروبي بالبلاد لتقسيم مناطق النفوذ، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن هذه البلاد دون المساس بوحدتها، ومنع الدول الأوروبية من استعمارها.
سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدخول في مفاوضات مع الجانب الصيني، وانتهى الأمر بتوقيع معاهدة وانجشيا في عام 1844، والتي منحت الأمريكيين حق الملاحة في المياه الصينية.
الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا
- مع نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية مسلكًا جديدًا تجاه القارة العجوز (أوروبا) بسبب نمو صناعتها وتطور تجارتها.
- *شاركت الولايات المتحدة الأمريكية في مؤتمر برلين عام 1880، الذي تمحور حول قضية توزيع النفوذ في الدول المستعمرة في أفريقيا.
- تدخلت في الحرب الروسية اليابانية عام 1905.
- في الأزمة التي نشبت بين فرنسا وألمانيا بين سنتي 1905 و1906 بسبب الصراع على المغرب، عُقد مؤتمر الجزيرة الخضراء.
- مع نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، كان العمال في الولايات المتحدة الأمريكية يعيشون أوضاعًا مزرية، حيث إن أصحاب الأعمال يطبقون سياسة العرض والطلب على سياسة الأجور.
- العمل 12 ساعة في اليوم.
- تزايدت حوادث العمل دون تأمين.
- ظهور طبقة واعية عرفت بصعوبة الحصول على شروط عمل أفضل، نظرًا لأن أغلب الفئة العاملة كانت من المهاجرين وصعوبة الاتحاد بينهم.
- ظهرت أول مؤسسة عمالية عام 1869 تُسمى “فرسان العمل”.
- تأسس عام 1885 اتحاد العمال الأمريكيين على يد مهاجر يهودي هولندي الأصل، الذي تطور فيما بعد.
الولايات المتحدة الأمريكية والحرب العالمية الأولى
كان ويلسون الرئيس الأمريكي آنذاك يراقب أوروبا وهي على وشك حرب قادمة بين طرفين:
- حلف الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا )
- وحلف الوسط (ألمانيا والنمسا والمجر)
وينظر الشارع الأمريكي لهذه الحرب بنوع من الامتعاض، ويرون أن الساسة الأوروبيين تجري في دمائهم المؤتمرات العسكرية والسياسية.
الولايات المتحدة الأمريكية قبل ويلسون كانت تعتمد سياسة الدولار للحصول على مجالات أوسع، وبعده تغير الاتجاه بعد تطور أحداث الحرب. وظل الرأي العام الأمريكي يعتقد أن الأمة الأوروبية لن تجد من يخرجها من هذه الأزمة. في المقابل، تتطلع الحكومة الأمريكية إلى إقامة سلم، مما يضع الأمة الأمريكية في مقام أعلى من نظيرتها التي تطوق إلى الحرب.
ففي الفترة الأولى من الحرب، ظلت تتخذ موقفًا محايدًا، لكن ألمانيا رفضت أي معاهدة بسبب أنها ستضع إمكانيات التفوق والرفاهية في يد حلف الوفاق.
لقد بدا الرئيس ويلسون امتعاضه الشديد من هذه الحرب سواء قبل الانتخابات عام 1916 أو بعدها، وذلك لتجنب الولايات المتحدة الأمريكية ويلات الحرب، شرط عدم المساس بشرف الشعب الأمريكي.
مع تطورات أحداث الحرب بعد الانتخابات، بدأ الرئيس ويلسون التدخل من أجل حل سلمي. ومع وصول الحرب إلى المرحلة الثانية، بدأ الارتباط الكبير بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الوفاق.
“حرب الغواصات التي شنتها ألمانيا على إنجلترا، وإغراق ألمانيا للسفن الإنجليزية، مثل إغراق باخرة “لوزيتانيا” عام 1917″، حينما وصلت حرب الغواصات الألمانية إلى حد لا يُحتمل في سنة 1917، ولم تأبه ألمانيا لإنذارات الولايات المتحدة الأمريكية، ونسفت الغواصات الألمانية السفينة الإنجليزية “لوزيتانيا” التي كانت تقل حوالي 118 راكبًا أمريكيًا. بالإضافة إلى الكم الهائل من القروض التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لبريطانيا، ولضمان أموالها والخوف على مصالحها، لم يجد الرئيس ويلسون بدًا من إعلان الحرب على ألمانيا.
وتضافر العوامل الاجتماعية والاقتصادية وتضرر المصالح الأمريكية جعلها تتخذ خطوة المشاركة في الحرب والتخلي عن سياسة الحياد.
ورأى الرأي العام ضرورة الدخول في الحرب إلى جانب الديمقراطيات الأوروبية ضد الدكتاتورية.
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في البداية كشريك يحق له الانسحاب في أي وقت في المقابل، رأى رجال الأعمال الأمريكيون أن مسألة الدفاع عن الديمقراطيات الأوروبية ليس الهدف، بل أن يكون عائدًا مناسبًا من الحرب، وضرورة إبقاء باب التجارة مفتوحًا. اما في الجانب الاخرى فكان الدخول الامريكي في الحرب ساهم في تقوية الروح المعنوية اضافة الى دور الاسطول البحري الامريكي في منع الغوضات الالمانية من اغراق سفن الحلفاء وسهولة حصول الاوربيون على القررض لتغطية ثكالف الحرب. دخول الولايات المتحده الامريكيه في الحرب يختلف عن باقي الدول تميز ببعض الارتباك بسب عدم قدرة القوة البحرية. تم فيما بعد وضع برنامج للتسلح لتكوين القوة المسلحة و تشكيل لجان حرب مختصة الاستلاء على مصانع انتاج الكميائيات مما انعش الاقتصاد الامريكي.
المشاركة في المرحلة الاخيرة من الحرب والدفاع عن باريس بحوالي مليون جندي امريكي كان “برشنغ” الذي كسب اكثر من موقعة يرى ان الالمان لن يصمودو وعلى الحلفاء التقدم حتى برلين حتى يشعر الالمان بمرارة الحرب. بلوغ القوات الامريكية قلعة “سيدان”في المقابل عبر الالمان “فوش”مطالبين بالهدنة.
اداعت حكومة الثوار البلشفية للمعاهدات التي ابرمت سرا بين دول الحلفاء حول تقسيم مناطلق النفوذ لهذا اصدر الرئيس ويلسون مبادئه 14.
تناول الخطاب الذى ألقاه ويلسون العديد من الأفكار التقدمية الداخلية وترجمها إلى سياسة خارجية (التجارة الحرة والاتفاقات المفتوحة والديمقراطية وحق تقرير المصير)، وجاءت المبادئ الأربعة عشرة كالتالى:
- تقوم العلاقات الدولية على مواثيق سلام عامة، وتكون المعاهدات الدولية علنية وغير سرية.
- تأمين حرية الملاحة فى البحار خارج المياه الإقليمية فى السلم و الحرب ، إلا ما ينص عليه الاتفاق الدولى خلافا لذلك.
- إلغاء الحواجز الاقتصادية بقدر الإمكان وإيجاد مساواة بين الدول المتعاونة فى المحافظة على السلام.
- تخفيض التسلح إلى الحد الذى يكفل الأمن الداخلي.
- وضع إدارة عادلة لل مظتعمرة مستعمرات تنفذ ما يحقق مصالح سكانها.
- الجلاء عن الأراضى روسيا الروسية كلها والتعاون مع أى حكومة روسية يختارها الشعب.
- الجلاء عن أراضى بلجيكا وتعميرها.
- الجلاء عن فرنسا ورد الألزاس واللورين وتعمير ما خرب منها بسبب الحرب.
- إعادة النظر فى حدود إيطاليا بحيث تضم جميع الجنس الإيطالي.
- منح القوميات الخاضعة للإمبراطورية ابنمسا النمساوية حق تقرير مصيرها.
- الجلاء عن صربيا و رومانيا و الجبل الأسود ، وإعطاء صربيا منفذا إلى البحر وإقامة علاقات جديدة بين دول البلقان كافة مبنية على أسس قومية وتاريخية، وضمان حريتها السياسية والاقتصادية.
- ضمان سيادة الأجزاء تركيا التركية وإعطاء الشعوب الأخرى غير التركية التى تخضع لها حق تقرير المصير، وحرية المرور فى المضائق لجميع السفن بضمان دولي.
- بعث الدول البولندية بحيث تضم جميع العنصر البولندي، وإعطائها منفذا إلى البحر، وضمان استقلالها السياسى والاقتصادى دوليا.
- إنشاء عصبة الأمم
وبعد نهاية الحرب انتصار الحلفاء ونعقاد مؤتمر الصلح في باريس 1919الذي كان الاختبار الحقيقي لهذه المبادئ .
أزمة 1929
انهيار بورصة وول ستريت هو انهيار لسوق الأسهم الأمريكية في يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 1929، والمسمى بالثلاثاء الأسود، بعد انهيار سابق لها قبل 5 أيام في يوم الخميس 24 أكتوبر 1929، كأول خطوة للأزمة الاقتصادية العالمية في عقد الثلاثينات من القرن العشرين والمعروفة بالكساد الكبير. ويعود ذلك إلى تفوق العرض على الطلب بشكل خيالي، حيث عُرض 19 مليون سهم تقريباً على لائحة البيع، الأمر الذي أوصل أسعار الأسهم إلى أدنى مستوى لها بعد ارتفاع سابق. ويسمى يوم الثلاثاء الأسود لأنه بعد مرور خمسة أيام، أي في يوم الثلاثاء 29 أكتوبر عام 1929، حدث انهيار آخر في سوق الأوراق المالية أدّى إلى تفشّي الخوف في قلوب العامة من أن البلاد مقبلة على حالة من الركود أو حتى انهيار الاقتصاد. إن الأزمة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية وصفها بعض رجال السياسة بأنها أشد قسوة من عدو يغزو البلاد.
جاء الرئيس المنتخب هوفر عام 1928 زعيماً للحزب الجمهوري، وكانت كل الظروف توحي بأن البلاد مقبلة على عهد من الرخاء. وكان الرئيس مؤمناً بالاقتصاد الحر، حيث كانت الفترة الواقعة بين عامي 1920 و1928 فترة ارتفاع كبير في حجم الإنتاج الصناعي وفي حجم الأوراق المالية المتداولة في السوق، وأخذ الثراء يعم الطبقة الوسطى. وارتفع إنتاج السيارات والأدوات الكهربائية، وتوفرت فرص العمل في المصانع. نتج عن هذا الإسراف في شراء السلع والإنفاق الكبير على تعليم الأبناء وشراء المنتجات الاستهلاكية بكثرة نتيجة ارتفاع الدخل الفردي باستمرار.
عندما وصل يوم الخميس 24 أكتوبر 1929، أو اليوم الأسود في التاريخ الأمريكي، هبطت قيمة الأسهم في السوق حيث أصبحت مجرد ورقات في أيدي أصحابها. وأفلسَت البنوك وسُحبت الودائع. ومع ارتفاع العرض وانخفاض الطلب، وعجز المضاربين عن دفع ديونهم، وتراجع مؤشر الإنتاج الصناعي، أفلسَت المؤسسات التجارية والصناعية، وحدث فائض في الإنتاج، وأفلس الفلاحون، وارتفعت الضرائب مع انتشار البطالة، مما أجبر البلاد على سحب رأس مالها من الخارج، وأفلسَت المنظمات الصناعية وسقطت في المديونية.
خلفت هذه الأزمة نتائج اقتصادية وسياسية، منها:
- توقف البنوك عن إقراض المؤسسات الصناعية مما أدى إلى إفلاسها.
- تجاوز عدد العاطلين 15 مليوناً.
- تضرر قطاع الفلاحة وتضخم الإنتاج.
- ضعف المبادلات التجارية الدولية، فتقلصت قيمتها من 2998 مليار دولار سنة 1929 إلى 992 مليار دولار سنة 1933.