الثورة الزراعية | تاريخ التطور البشري
انطلقت الثورة الزراعية منذ حوالي 9500 سنة من الحاضر ، فقبلها كان الانسان العاقل يعتمد على الصيد والالتقاط ، بدأ الانسان يقتات على ما يزرعه الكثير من العلماء والمؤرخين كانوا يعتقدون أن الزراعة انطلقت من الشرق الأوسط ثم عممت على باقي المناطق ، لكن الحقيقة أن سكان أمريكا الأصلين كانوا يزرعون الدّرة وقد دجنوا يحيوان “اللانا” دون أن يعلمهم أي شخص ، وفي الصين كان السكان القدماء يزرعون الأرز والدخن في نفس الفترة التي كان فيها سكان الشرق الأوسط يزرعون القمح ، وفي افريقيا كان السكان يزرعون القمح والدخن والأرز الأفريقي ، لذلك لا يمكننا أن نقول أن الشرق الأوسط هي المنطقة التي انطلقت منها الثورة الزراعية فهي ثورة موازية في جميع المناطق فزراعة الأرز ليس كزراعة القمح أو البزلاء وتربية اللانا ليس كتربية الأغنام أو البقر .
الثورة الزراعية كانت ثورة فاصلة لدى النوع البشري فبسببها استطاع البشر أن يستقر في مناطق بعينها عوض التنقل ، كما ساهمت الثورة الزراعية في توفير غذاء كثير وبالتالي تزايدت أعداد المواليد وتزايدت أعداد البشر ، لكن في الحقيقة كان وقع الزراعة لها تأثير كارثي ، فقد تخلى الانسان العاقل عن متعة الصيد وتنويع غذائه والتنقل ، فاختار بالمقابل الاستقرار وهذا أدى إلى ظهور الأمراض والأوبئة بفعل الاستقرار وتقارب البشر فيما بينهم والغذاء الغير صحي ، وبسبب تزايد أعداد سكان البشر المعتمدين على الزراعة أصبحوا قوة ضاربة ، فأرغم البشر الذين ما يزالون يعتمدون على النظام القديم على الرضوخ إلى الثورة الزراعية .
النباتات هي المستفيدة من الثورة الزراعية
يغطي القمح حوالي 2 مليون كلومتر مربع وذلك بسبب الثورة الزراعية ، كان القمح قبل الثورة مجرد نبات لا أهمية له ولا قيمة له ، لكن عندما بدأ الانسان بالاعتماد على الزراعة أصبح القمح ينتشر في كل مكان حاله كحال الأرز والدرة والبطاطا …. فلم تكن الزراعة هي الطريقة الوحيدة التي جعلت هذه المزروعات تنتشر بل نقل هذه الغلة عبر الطرق ساهم في انتشاره في كل الطرقات التي كان تمر منها قوافل التجارة أو نقل الحبوب اثر تساقط بعض الحبات على الأرض .
فقد أدرك الانسان العاقل أن ورع البدور تحت الأرض تكون له منتوجية أكبر من رميها بطريقة عشوائية فوق السطح ، وبذلك بدأ الانسان باختراع أدوات الحرث وذلك منذ حوالي 9500 قبل الحاضر ، كما أدرك البشر ضرورة ازالة بعض النباتات الضارة لمزروعاتهم وكذا القضاء على بعض الحشرات .
تربية الحيوانات
يعتقد الكثير من العلماء أن تربية الحيوانات أو تربية المواشي بدأت بعدما اصطادت مجموعة بشرية لحيوان بري ولم تكن بحاجة إلى ذبحه في تلك اللحظة ، فأصبح كنزا بعدما تعرضت المجموعة لمجاعة ، وبذلك أصبح البشر يربون الحيوانات بتلك الطريقة التي نعهدها اليوم ، ففي السابق كان الانسان البدائي يعتمد على صيد الحيوانات ، وهذا لا يعني أنه لم يكن يحرص على حماية القطعان التي كانت تمر من محيطهم من الحيوانات المفترسة وكذا البشر من جماعات أخرى ، وكانوا أيضا لا يصطادون الاناث الحوامل بل كانوا يستحسنون الفريسة الفضولية أو العدوانية ، وقد استمرت هذه العادات بعد تدجين الحيوانات وتربيتها داخل مجموعات .
وفرت الحيوانات للبشر اللحم والحليب والبيض ، وساعدته في حرث الأرض والتنقل خاصة لمسافات بعيدة كما شكلت جلودها ملبسا وغطاء ، وبهذا أصبحت الحيوانات الأليفة تتكاثر هي الأخرى لتنجح الثورة الزراعية في جعل هذه الحيوانات كائنات ذات صيت ، بعدما كانت الأسود والحيوانات المفترسة هي التي تتركز في أعلى الهرم في السلسلة الغذائية .
الثورة الزراعية كانت عبئا على البشرية
ولا تعتقد أن الانسان قد اختار الزراعة لكونه أرد أن يريح نفسه من عناء التنقل والصيد بل كانت الزراعة لها تأثير سلبي على المكون البشري ، فقد كان الانسان يستغرق وقتا طويلا جدا في ازالة الحجارة من الفدادين وتوفير المياه للمزروعات وكذا رعي المواشي …. عكس ما كان يقوم به في السابق فقد كان يعتمد على الالتقاط والصيد مما أنتجته الطبيعة ، أما في هذه الحالة فقد كان يبذل مجهود جبار أدى إلى ظهور عدة أمراض لم يكن الانسان العاقل يعاني منها فيما قبل كالفتق وآلام المفاصل وغيرها .
رغم أن الحبوب التي اعتمد عليها الانسان كانت نظاما غذائيا سيئا بالمقارنة مع مكان يتناوله فيما قبل ، حيث كان الانسان البدائي يتناول الفيتامينات بشكل جيد والأملاح المعدنية ، أما بعد الزراعة فكان يتناول النشويات الهدرو كربونات ، وهذا كان مؤذي للثة والأسنان والجهاز الهضمي ؛ كما أن الزراعة لم توفر الأمن الغذائي بل بالعكس فالإنسان البدائي لم يكن يعتمد على نباتات قليلة يزرعها أو حيوانات معدودة يربها ، بل كان يعتمد على كل ما يوجد في محيطه من غذاء وإذا لم يتوفر يلجئ للتنقل إلى مناطق أخرى ، فالثورة الزراعية أدت إلى ظهور المجاعات بسبب قلة الغذاء اثر الجفاف الذي كان يضرب بعض المناطق التي تعتمد على الزراعة .
ناهيك عن ظهور المعارك والحروب بوتيرة أكبر مما كان عليها الانسان البدائي ، فقد أصبحت الأراضي الخصبة مطمعا للجميع ، كما أصبحت المزارع والحبوب سهلة السلب ، أدت هذه الحروب في المجتمعات الزراعية إلى 15 في المئة من حالات الموت وقد وصل العدد في المناطق ذات الأراضي الخصبة إلى 50 في المئة .
ظهور الأطر الاجتماعية
أدى ظهور الملكية الخاصة اثر الثورة الزراعية إلى ظهور أنظمة سياسية بسيطة تمثلت في ظهور القرى ، وقد ظهرت أولى النواة في شرق الأوسط في حوالي 8500 سنة من الحاضر في منطقة أريحة وقد وفرت القرى الأمن من الحيوانات المفترسة وكذا قوة ضاربة ضد اللصوص ، وقد تطورت الحياة السياسية للبشر عبر آلاف السنين لتتشكل الممالك والإمارات والدول ، وقد كان البشر ينجبون بطريقة كثيفة بعد انشاء القرى ليكونوا عصبة قوية ، في حين الانسان البدائي لم يكن يحبذ انجاب الكثير من الأطفال فكانت النساء ترضع أطفاله على مدار الساعة لتنخفض خصوبتها ناهيك عن الامتناع عن ممارسة الجنس في الأوقات الصعبة وغيرها من الطرق التي استعملها الانسان البدائي لتجنب الانجاب .
فقد كان سبب امتناع الانسان البدائي عن الانجاب بوتيرة كبيرة تنقله الدائم ، فكان انجاب الأطفال بشكل كبير يعيق هذه العملية ، أو قلة الغذاء في سنوات الجفاف ، فالثورة الزراعية أدت الى تزايد أعداد الوفيات بشكل كبير لدى الرضع بسبب الفطم المبكر اثر كثرت الأبناء .
لماذا لم يتوقف الانسان عن الزراعة
رغم العبء الكبير الذي شكلته الزراعة على حياة الانسان إلا أنه كان من المستحيل على البشر العودة إلى الوراء بحكم الأعداد الهائلة التي تكونت بفعل التوالد ، وهذا ما كانت تدعمه الزراعة وهو كثرت الولادات وارتفاع نسبة الوفيات ، لم يكن قادرا الانسان العاقل على التخلي أو التضحية ببني جلدته في محاولة لإنقاذ نفسه من مأزق الزراعة .