السنة التي صنعت تاريخنا المعاصر والراهن
ليست كل أيام الله سواء هناك أيام أكثر أهمية من أيام في سنوات تمر ولا يذكرها كتاب تاريخ واحد ، في المقابل يوجد سنوات تكون حافلة بالأحداث المهمة جدا ، هذه الأحداث التي تغير مجرى التاريخ تكون في السنوات التي تضم عدد كبير من لحظات التحول كما يسميها المؤرخون ، فمثلا سنة 1066م بالنسبة لبريطانيا أو سنة 1789م الذي شهد ثورة في فرنسا ضد السلطة الموجودة ، ومنها انتقل إلى خمسين دولة في أوروبا كلها وقد سمي هذا العام بربيع الشعوب ، في سنة 1917م انطلقت الثورة البلشفية التي أسست لقيام الاتحاد السوفيتي ، و في سنة 1945م نهاية الحرب العالمية الثانية وبناء النظام العالمي الجديد.
لكن يوجد شبه إجماع ما بين المؤرخين أن سنة 1979م هو العام الذي شكل القرن الواحد وعشرين الذي نحن نعيشه الآن ، وإنه ما بدأ في 1979 من أحداث يشكل حياتنا حتى هذه اللحظة ، ماذا حصل في هذه سنة ؟ حصلت أحداث كبيرة ، لكن أهمها أربع غيروا العالم وغيروا منطقة الشرق الأوسط .
الحدث الأول
بدأ مع يناير سنة 1979 كان يتمثل في الثورة الإسلامية في إيران ، وذلك نتيجة غضب واحتقان من نظام الشاه الموجود على مدار سنوات ، وبدأت في 1977 و 1978 لكن في يناير تسعة وسبعين تحديدا في ستة عشر من يناير أجبرت المظاهرات أو الثورة ضد الشاه إلى رحيله لاجئا إلى مصر في واحد فبراير جاء آية الله الخميني من منفاه بعد أربعة عشر سنة منفى كان آخرها في فرنسا فنزل بطائرته بطهران ، ثم في شهر فبراير تتوج الثورة أو يكتب للثورة النجاح بسقوط آخر مجلس للحكم القديم .
وبالتالي يستتب الأمر للثوار ، لكن استتب الأمر للثورة داخليا ، لكن لم يستتب الاستقرار لإيران ولا إلى العالم ولا إلى المنطقة حول إيران في وقتها ، وإلى الآن الثورة أعلنت خطاب ناعم جدا واستخدمت خطاب أقلق كل دول المنطقة ، وتكلمت عن دورها في نصرة المستضعفين وبدأت تتكلم على الأنظمة الخانعة والتي هي أدوات للشيطان الأكبر الولايات المتحدة وإسرائيل ، هو صحيح الثورة لم تتكلم على الشيعة ولا السنة في خطبها على لسان الزعماء ، لكن كان هناك خوف أن الثورة قد تنتقل على الأقل بشكل مذهبي إلى الدول المجاورة ، وهذا كان السبب الرئيسي من ضمن أسباب أخرى التي دفعت صدام حسين بمباركة من بعض دول المنطقة أن يغزو إيران مباشرة في العام التالي خوفا من أن الثورة تنتقل إلى من إيران إلى العراق ، وبالتالي يصبح هناك تغيير في نظام الحكم نتيجة لقيام الثورة .
نتائج كبرى
وكانت النتيجة الحرب التي استمرت ثمان سنوات والتي أتت على الأخضر واليابس ووصل ضحاياها لأكثر من مليون بين الجانبين ونتكلم على رقم خرافي وقتها ، كانت التقديرات بأكثر من أربعمائة مليار دولار كخسائر مادية كل شيء تغير بعد الحرب العراقية الإيرانية ، حتى بعد انتهاء الحرب تأثير الثورة مازال قائم إلى الآن ، فالثورة الإيرانية ليست هي السبب الوحيد ، ولكنها السبب الرئيسي في كل التغيرات التي حدثت في المنطقة ، ولإيران حتى هذه اللحظة الحالية سنة 2023 الأمريكان كانوا قد تعهدوا أنه في الذكرى الأربعين للثورة سوف تكون آخر سنة لهذا النظام الذي هو نظام الملالي الإيراني .
الحدث الثاني
في نفس السنة وفي مارس 1979م حدث حدث آخر مهم جدا ما زال تأثيره كبير علينا ، و الحدث هو توقيع اتفاقية السلام ما بين مصر وإسرائيل في فترة حكم الرئيس أنور السادات ، حصلت المبادرة الأول بزيارة السادات تل أبيب في سنة 1977 وبعدها تتابعت الأحداث انتهت للوصول إلى اتفاقية سلام سنة تسعة وسبعين هذه الاتفاقية كان لها تأثير كبير جدا ، أوله أنه كان سببا في مقتل السادات كنتيجة للغضب الذي أصاب بعض طوائف الشعب المصري ، بسبب أن السادات أخذهم إلى اتفاقية سلام دون أن يستشر الشعب .
وبالتالي تولى الرئيس مبارك الحكم وفي ذهنه ما حدث للسادات وعملية اغتياله في يوم ستة أكتوبر من بعض الأفراد الذين كانوا يرتدون الزي العسكري للجيش المصري ، فظل هاجس الأمن عند الرئيس مبارك يسيطر عليه لنحو تسعة وعشرين سنة من حكمه التي انتهت في ألفين وإحدى عشر ، على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي تغيرت العلاقة ما بين العرب وإسرائيل إلى الآن ، لأن مصر خرجت من المعادلة نتيجة أن الجبهة العربية تفككت .
نتائج أخرى
والنتيجة الأخرى أن سوريا التي كانت شريك في الحرب مع مصر في سنة ثلاثة وسبعين وجدت نفسها معزولة ووحيدة ، و في رغبة منها في أن تواجه الضغوط الإسرائيلية والأمريكية استعانت بدولة أخرى كبيرة معزولة نتيجة الثورة فيها التي هي إيران ، وبدأت من سنة تسعة وسبعين العلاقة الخاصة ما بين سوريا وإيران التي هي موجودة حتى الآن ، والذي يتكلم على أن العلاقة ما بين طهران ودمشق علاقة طائفية يجهل حقائق الأمور ، حيث كانت الدولتين تعانيان من العزلة ويعانون من ظروف صعبة فقرروا أن مصالحهما أن يكون معا .
والحقيقة أنه ترتب على هذه الاتفاقية أمور أخرى كثيرة ، منها أن إسرائيل قررت أنها تستفرد بكل جبهة لوحدها ، فاستفردت بالشعب الفلسطيني والذي بدأ باتفاقية أوسلو التي فشلت حتى الآن ، وبعدين استفردت بالسوريين وكانت النتيجة توابع هذا الاستفراد هو الاعتراف الأميركي بضم الجولان ، لولا أن السادات وقع اتفاقية سلام مع الإسرائيليين لما وقعت اتفاقية السلام بين الأردن واسرائيل . وكذا أجواء استقواء إسرائيل نتيجة تفكك الجبهة العربية نتيجة خروج مصر من المعادلة . و هناك آخرين لهم رأي إيجابي في الاتفاقية .
الحدث الثالث
في هذا العام حدث حدث مهم جدا وهو وصول رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر إلى السلطة في مايو سنة تسعة وسبعين ، هذا الحدث يبدو بالنسبة لنا في المنطقة حدث عادي ، لكن المشكلة أنها كانت مارغريت تاتشر فالعالم قبل مارغريت تاتشر كان شيئا ، بريطانيا قبل مارغريت تاتشر كان شيئا وبعد وصوله للسلطة أصبحت شيئا آخر تماما ، البريطانية مارغريت تاتشر بقيت في السلطة اثني عشر سنة قامت بتغييرات كبيرة جدا في بريطانيا ، لكنها انعكست على العالم ، أهم هذه التغيرات أنه كان لديها إيمان كبير جدا جدا بأنه يجب للدولة أن تتراجع عن دورها في إدارة شؤون البلاد ، ويجب أن تمنح الحرية كاملة للقطاع الخاص واستعانت بشخصية أمريكية مهمة جدا اسمه ميلتون فريدمان .
الأخ ميلتون فريدمان اقتصادي أمريكي يؤمن بما يسمى الليبرالية الجديدة التي هي بإيجاز شديد جدا حيث يؤمن بأنه لا يجب على الدولة أن يكون لها دورها كبير . فالحكومات دورها محدود والأفراد هم أهم شيء ، أي حرية الأفراد مقدم على مصالح الاقتصاد ، وأن الدول ستصبح قوية إذا أصبح الأفراد أحرارا ، كلام جيد لكن في التطبيق النهائي هذا النظام استمر منذ وصول مارغريت تاتشر إلى السلطة أخذ زخما كبيرا جدا بعد أن تولى رونالد ريغان الرئاسة في أمريكا بعدها بحوالي عامين ، لكن بعدها تغير العالم كله ، وأصبحت الليبرالية الجديدة إلى النظام الاقتصادي السائد في العالم إلى يومنا هذا.
ونحن اليوم نعاني من مشاكل هذا النظام حيث أصبح يحمل إلينا الكثير جدا من الأزمات ، أبرزها تكدس الثروات في أيدي عدد محدود جدا من الأفراد ، و الحكومات أصبحت ضعيفة جدا في قدرتها على حل المشاكل نتيجة انتقال الثقل الاقتصادي للشركات وإلى الأفراد ، ترتب عن ذلك أزمات دولية في العالم بشكل كثير وآخرها سنة 2008 والعالم يستعد الآن لاستقبال أزمات على جبهات أخرى تغير الاقتصاد وتغير العالم .
الحدث الرابع
في ديسمبر سنة تسعة وسبعين حدث حدث رابع مزلزل وهو غزو الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان ، طبعا السوفييت ادعو أنهم استدعوا من طرف الحكومة الشرعية لمساعدتها ، فالقصة طويلة نوعا ما مثل الوضع في سوريا حيث كانت هناك معارضة وهناك حاكم ، الحاكم و الحكومة كانوا موالين للاتحاد السوفيتي والمعارضة كانت مدعومة من الأمريكان والغرب ، طلبت الحكومة تدخل الاتحاد السوفيتي دخل في أربعة وعشرين ديسمبر ، لكن تغير الاتحاد السوفيتي وتغيرت المنطقة كلها لأنه بريطانيا والولايات المتحدة وجدت أن دخول الاتحاد السوفيتي أفغانستان مثل أسد دخلت إلى المصيدة وأصبح جاهزا للقضاء عليه .
و القضاء علي الاتحاد السوفياتي باستنزافه تماما واخترعوا فكرة تشجيع الحركات الجهادية ، حيث أن الجيل السابق كانوا يقرأون كل يوم عن بطولات الجهاديين والإسلاميين والجماعات والذين وصفوا كالملائكة ، وكان الأمريكان والمخابرات الأمريكية تنشر هذه الأفكار ، النتيجة أنه بعد عشر سنوات تم استنزاف الجيش السوفيتي العظيم وفقد الكثير من جبروته .
وفي العام الذي خرج منه من أفغانستان سقط حائط برلين سنة تسعة وثمانين ، وكانت مقدمة الانهيار الاتحاد السوفييتي كله ، كانت أحد نتائج هذا الحدث الكبير أن تبلور التنظيمات الجهادية في العالم كله ، تنظيمات كثيرة مختلفة مازلنا حتى الآن نعيشها ، مثل طالبان التي خرجت من رحم الغزو السوفييتي لأفغانستان وظهور الجماعات الجهادية مثل القاعدة التي أسسها أسامة بن لادن والتي قامت بأحداث سبتمبر 2001 ، وأدت مرة أخرى إلى أن الأمريكان يضطروا إلى دخول أفغانستان في 2001 وإلى ضرب بالعراق ثم غزوها في ألفين وثلاثة ، ثم الاستمرار في احتلالها رسميا لغاية 2011 وبقاء القوات الأمريكية حتى هذه اللحظة كلها أحداث تتابعت .