الدولة الأموية أول دولة في الإسلام | خلافة الخير أم الشر
قبل أن أحدثكم عن تاريخ الدولة الأموية تجدر الإشارة إلى أن تلك الدولة قد تعرضت للكثير من التحريف المتعمد، لذا سنحاول في هذا المقال أن ننتقي الروايات الصحيحة حتى نتعرف على التاريخ الحقيقي للدولة الأموية.
نشأت الدولة الأموية عام 41 للهجرة إثر تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان عن الخلافة، فسمي هذا العام بعام الجماعة حيث اجتمعت كلمة المسلمين أخيرا بعد سنوات من الفتن التي فرقت شمل المسلمين بعد أن اختلفت أرائهم حول توقيت القصاص من قتلة الخليفة عثمان بن عفان، تولى معاوية الحكم في ظروف صعبة للغاية، فالغضب لا يزال يملأ النفوس منذ فتنة استشهاد عثمان، والمؤامرات الجانبية تتصاعد على أطراف الدولة وحدودها المترامية والجيوش في حالة من الإنهاك بعد معارك دامت لسنوات، أما المجتمع ففي حالة انقسام بين من بايعوا معاوية ومن قبلوا خلافته كارهين، وينتظر الخوارج الفرصة للانقضاض ليجد معاوية نفسه في مواجهة كل تلك التحديات إلى جانب حماية الدولة من التفكك، لكن معاوية كان ذا تجربة طويلة في الحكم والإدارة والسياسة، وولايته على الشام قبل الخلافة امتدت لمدة تزيد عن العشرين عاما أكسبته خبرة كبيرة هيأت له النجاح في خلافته.
فاتجه أولا إلى تأمين حدود دولته والعمل على حفظ التوازن بين قيادات القبائل العربية المختلفة تجنبا لثورتهم أو انشقاقهم عن الدولة، وعين أتباعه المخلصين له على رأس الولايات الإسلامية، وسيطر على الشعب باللين وكرمه الواسع المعروف عنه، وسد الطريق على المتأملين وأصحاب الأطماع في الحكم ونظم الدواوين، واستحدث دواوين لم تكن موجودة قبله، فهو من أنشأ نظام البريد من أجل الربط الدائم بين أتباعه في الولايات المختلفة حتى لا تتفكك الدولة من بين يديه، وقام قضاء عادل تولاه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأفضل التابعين.
عصر الفتوحات
أعاد معاوية عصر الفتوحات الإسلامية فاتجه أولا للتسليح فبلغ حجم أسطوله 1700 سفينة حربية، انطلقت لفتح جزر قبرص ورود ووصل بها لأسوار القسطنطينية وأعاد فتح أفريقيا ونشر الإسلام فيها لتكسب تلك الفتوحات الدولة الأموية هيبة وإجلالا وقوة تاريخية.
نظام توارث السلطة
قبل وفاة معاوية عهد بالحكم إلى ابنه يزيد، فتحولت الخلافة الإسلامية التي كانت قائمة على الشورى منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نظام التوريث، تولى يزيد بن معاوية الحكم بعد وفاة أبيه عام ستين للهجرة، وشهد عصره أحداثا خطيرة أبرزها رفض الحسين حفيد النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير بيعة يزيد، وقد خرج الحسين على يزيد استجابة لأهل الكوفة، فانتهى الأمر باستشهاده عام 61 للهجرة، لتترك تلك الحادثة أثارا سياسية خطيرة في العالم الإسلامي لا يزال يعاني منها إلى يومنا هذا، فعندما وصل خبر مقتل الحسين إلى الحجاز أعلن عبد الله بن الزبير خلع يزيد وبدأ يأخذ البيعة لنفسه من الناس، فسار يزيد بجيش لقتال عبد الله بن الزبير، لكن هذا الجيش انهزم.
وما لبث أن توفي يزيد ليخلفه في الحكم ابنه معاوية، لكنه سرعان ما ترك الخلافة لينتقل الحكم إلى مروان بن الحكم أحد أبناء عمومته من البيت الأموي، واصل مروان بن الحكم الحرب ضد عبد الله بن الزبير ليتمكن من استعادة جميع البلاد التي كانت تحت إمرة عبد الله بن الزبير ما عدا الحجاز والعراق، كان ذلك خلال فترة خلافته التي استمرت عاما واحدا فقط، ليأتي من بعده ابنه عبد الملك بن مروان عام 65 للهجرة، وفي ظل محاولة عبد الملك للانفراد بحكم الدولة والسيطرة على أطرافها المتباعدة، أوكل إلى الحجاج بن يوسف الثقفي مهمة القضاء على عبد الله بن الزبير، فقام هذا الأخير بمحاصرة مكة وضربها بالمنجنيق حتى سقط عبد الله بن الزبير قتيلا.
وبعد نجاح الحجاج في القضاء على حركة عبد الله بن الزبير في الحجاز وللاه عبد الملك أمر العراق حيث استطاع تحجيم خطر الخوارج على الدولة الإسلامية، ثم ضم إليه ‘خراسان’ و’سرغستان’ للقضاء على الفتن في هذه الأقطار.
عبد الملك بن مروان
يعتبر المؤرخون عبد الملك بن مروان المؤسس الثاني للدولة الأموية بعد معاوية بن أبي سفيان، فإلى جانب كونه استطاع أن يخمد الحركات الداخلية التي هددت وحدة الأمة، فإنه استطاع كذلك التصدي للحركات الخارجية التي استغلت انشغالاته العديدة لتمارس ضغوطها الحربية على غرار ‘الجراجمة’ أو ‘المرندة’ الذين قاموا بتحرك مسلح مؤيد من إمبراطور بيزنطة، فهادنهم عبد الملك بن مروان بعض الوقت وعندما صفى له الجو بعث إليهم بجيشه ليفتك بهم، وقد شهد عهد ابن مروان الكثير من الإنجازات التي دفعت بدولته إلى طريق الرقي والتقدم، أبرزها فتح ‘هرقلة’ و’حصن سنان’ وحصن ‘أبولق’ وفتح ‘المصيصة’ و’أودية’، إلى جانب تعريب الدواوين وتنقيح كلمات القران وتشكيلها وتقسيمه إلى أجزاء، وصك في عهده النقود الإسلامية لأول مرة في التاريخ الإسلامي.
أقصى اتساع للدولة الأموية
في عام 86 للهجرة توفي عبد الملك بن مروان تاركا وراءه دولة قوية مترامية الأطراف، ليخلفه من بعده ابنه الوليد الذي شهد عصره أعظم حركة للفتوحات الإسلامية في الدولة الأموية، وبروز نجم عدد من القادة الفاتحين أبرزهم طارق بن زياد وموسى بن نصير اللذين استطاعا فتح شبه الجزيرة الإيبيرية أو ما عرفت فيما بعد باسم الأندلس، وكتيبة ابن مسلم الذي توغل في بلاد ما وراء النهرين وواصل تقدمه حتى بلغ حدود الصين، وهناك أيضا محمد بن القاسم الثقفي الذي قاد الجيوش من إيران شمالا وانطلق نحو بلاد السند، فتحها ثم انطلق إلى باكستان.
وهكذا وصلت الدولة الأموية إلى أقصى اتساع لها في هذا العصر الذي شهد أيضا نهضة كبيرة في البناء والعمارة، حيث حفر في عهد الوليد الأبار والعيون واستصلاح الطرق وبنيت المساجد والمستشفيات، كما قام بتجديد الكعبة وتوسيع المسجد الحرام، وأعاد بناء المسجد النبوي وجدد المسجد الأقصى، ولعل من أبدع ما أنشأه الوليد هو الجامع الأموي بدمشق وقصر الوليد بالأردن.
أصلح من حكم في عهد الأمويين
بعد وفاة الوليد عام 96 للهجرة تولى ابنه سليمان الحكم الذي عزل ولاة الحجاج بن يوسف، وأطلق سراح السجناء وأحسن إلى رعيته، وعين له بطانة صالحة فأحبه الناس، لكن لم تستمر مدة خلافته طويلا فقد توفي بعد ثلاث سنوات ليخلفه ابن عمه عمر بن عبد العزيز الذي تولى الحكم مدة سنتين فقط.
ورغم ذلك فقد تبوأ مكانة مرموقة لم ينلها سوى القليل حتى أطلق عليه المؤرخون خامس الخلفاء الراشدين، كان ذلك بفضل سياسته العادلة وإدارته الحكيمة للدولة إلى جانب صلاحه وتقواه وزهده وورعه، فقد حرص على المال العام ودقق في اختيار الولاة وعمل على تطبيق العدل في الوقت الذي أخذ فيه نفسه بالشدة والحياة الخشنة، وسعى على الناس في العطاء، وكان من نتائج سياساته أن تدفقت الأموال إلى خزينة بيت المال حتى يقال أنه لما جاء إليه بأموال الزكاة أمر لإنفاقها على الفقراء فقالوا ما عاد في الأمة فقراء، فأمر بتجهيز الجيش وتزويج الشباب ثم قضاء الدين على المدينين، ولما بقي مال قال اشتروا به قمحا ونثره على رؤوس الجبال لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين.
أيضا من أهم إنجازات عمر بن عبد العزيز أنه أمر بجمع الأحاديث وتدوينها، وقد مهدت هذه الخطوة إلى ظهور المصنفات الكبرى في الحديث وتنوع مناهجها.
ضعف الدولة الأموية
بدأ الضعف يعرف طريقه إلى الدولة الأموية بعد وفاة الخليفة يزيد بن عبد الملك الذي خلف عمر بن عبد العزيز في الحكم، ذلك أن يزيد لم يتمكن من استخلاف ابنه الوليد لصغر سنه، فعقد لأخيه هشام بن عبد الملك، ومن هنا بدأ الصراع على الحكم حتى جاء العباسيون ليسقطوا الدولة الأموية بعد معركة الزاب ويقتل مروان بن محمد أخر خلفاء بني أمية.
هل الدولة الأموية دولة صالحة؟
كان للدولة الأموية الكثير من الأعمال الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين، فقد اتخذت الأمة من جديد تحت قيادة بني أمية، وامتدت الفتوحات الإسلامية على يد الأمويين إلى أفاق لم يعرفها عصر الراشدين، حيث شملت دولة الإسلام ما بين الصين شرقا وبلاد الأندلس وجنوبي فرنسا غربا، كما طرق الأمويون أبواب القسطنطينية وحاصروها ثلاث مرات، وتحول بحر الروم إلى بحيرة إسلامية، ونشرت أعلام الإسلام في قارات أسيا وإفريقيا وأوروبا، ودخلت أعداد غفيرة من البشر في دين الله، وأصبحت لغة العرب لسان الكثير من سكان هذه البلاد.
كما بدأ الاهتمام بالعلوم في شتى صورها يبرز في عهد الدولة الأموية، فألف المسلمون الكتب وصنفوا العلوم واهتموا بالترجمة والتفتوا إلى معارف الأخرين لينهلوا منها، كما كان الأمويون أول من قام بتكوين خزائن الكتب وبناء المكتبات، ونتيجة لكل ذلك فقد شهد العصر الأموي نهضة كبيرة في التفسير وعلوم القرآن والفقه والعقيدة وعلم الكلام، وامتدت تلك النهضة لتشمل جوانب شتى من العلوم النظرية والطبيعية، كذلك تعلق نجم عديد من العلماء الذين ظل المسلمون بعد ذلك يأخذون من علومهم ويستشهدون بأقوالهم واجتهاداتهم، ومثلما اهتم الأمويون بالفتوحات والعلم اهتموا أيضا بالأعمال العمرانية والإصلاحات الإدارية والمالية، وشهد عصرهم تقدما ملحوظا في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة وفي مختلف المجالات.
إنها واحدة من أعظم الدول في تاريخ الإسلام، دولة وحدت المسلمين بعد سنوات من الفتن، ليبدأ العالم الإسلامي عهدا جديدا تحت رايتها فتحدث أثارا ضخمة في ميادين السياسة والحرب والإدارة والعلم والثقافة، وتستمر في قيادة المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم وقبائلهم أكثر من تسعين عاما في دولة واحدة امتدت من حدود الصين إلى جنوبي فرنسا حتى كانت نهايتها على يد العباسيين.