كيف تطورت أدواتنا لدراسة الطقس والمناخ ؟ | من الخرافات إلى النماذج الرقمية
إن الانسان ومنذ قدم الزمن كان مهتما اهتماما بالغا بالطقس والمناخ، وذلك لما يشكله من أهمية حياتية له وملامسته المباشرة لواقع الانسان القديم، ولا ننسى أن للمناخ تأثير كبير في ثقافة الشعوب وطريقة تفكيرهم وانتاجيتهم ومعتقداتهم الدينية التي برزت فيها أشكال متعددة من الظواهر المناخية كعبادة الشمس والايمان بإله المطر والرعد… بل ان المناخ كان يتحكم في رحلاتهم وهجراتهم وكذا استقرارهم، لذا فالحضارات القديمة كانت مهتمة بالمناخ وعلى رأسها الحضارة الصينية وحضارة ما بين النهرين والفرعونية كذلك، ولا ننسى أن المناخ هو المتحكم في ازدهار الحضارات القديمة أو انهيارها.
وعلى الرغم من الكون الظواهر المناخية كانت تتخذ أشكالا أسطورية تتماشى مع عقليات ومعتقدات الشعوب والحضارات القديمة، إلا أن هذا العلم بقي ذا أهمية في حياة الفرد لذلك حاول الانسان القديم على ايجاد تفسيرات منطقية حول الطبيعة وظواهرها، وقد بقيت الكثير من النظريات التي أنجتها هذه الحضارات القديمة باقية في أذهان الأمم حتى القرون القليلة الماضية، ولا ريب أن الكثيرين من بني عصرنا لا زالوا يستخدمون مصطلحات وممكن وجهات نظر هي نتاج للماضي.
الحضارات القديمة واهتمامها بالطقس المناخ
كان الصنين من بين أوائل الحضارات التي اهتمت بالمناخ والطقس، إذ اهتم الصنين بالعلاق بين المناخ والزراعة وكذا الكوارث الطبيعية، وقد كتب في عهد أسرة شيا احدى أهم المخطوطات التي تبرهن على هذا الاهتمام، إذ كتب في الوثيقة 400 كلمة تتضمن وصفا لطبيعة مناخ أشهر السنة.
ورغم أن الحضارات التي وجدت في بلاد ما بين النهرين ( السومرية – الأكدية – الأشورية – البابلية ) كانت تعطي تفسيرات أسطورية حول الظواهر المناخية التي ربطتها بالآلهة، إلا أنها كانت ذات مصطلحات دقيقة ومنطقية، فقد اهتمت هذه الحضارات بمواسم الرياح والأمطار وكذا الفيضانات والجفاف، ولا ننسى أن هذه الحضارات كانت تتمدد أو تتقلص هيمنتها وقوتها بفعل الأجواء المناخية، فقد أد الجفاف إلى انهيار الحضارة السومارية الأولى ومن بعدها الأكدية.
وأما الشعوب الأوربية ففي أغلبها كانت شعوب غير متحضرة، إلا في الجزء الجنوبي الشرقي حيث وجدت الحضارة الإغريقية والتي كانت مرتبطة ثقافيا وحضاريا بالثقافات الشرقية لقربها الجغرافي وسهولة الوصول إليها، لذلك ستشهد في تاريخ الحضارة الاغريقية تمددها دائما كان نحو الشرق وليس الغرب، رغم أن الغرب اليوم يحاول أن يبين أن اليونان القديمة كانت حضارة غربية.
فالإغريق اهتموا هم الأخرين بعلم المناخ ووضعوا عدة نظريات حول الموضوع كنظرية بارمنديس التي قسم فيها الأقاليم المناخية إلى ثلاث أقاليم مناطق باردة موجودة في شمال وجنوب الكرة الأرضية يوجد فيها شعوب متوحشة أقل من كونها بشر على حسب تعبيره، ثم مناطق معتدلة حيث توجد الشعوب الاغريقية وشمال افريقية والرق الأوسط ، وكذا مناطق غير مأهولة موجودة في خط الاستواء حيث توجد حرارة خانقة لا تسمح بوجود الحياة على حسب تعبيره ، ثم كانت هناك اسهامات متعددة في هذا المجال وعلى رأسها أرسطو الذي كانت له نظرة أكثر منطقية حول موضوع المناخ والذي برهن فيه اسقاطات أشعة الشمس حول الأرض واختلافها معتبرا أن أرض كروية، كما قام بتفسيرات منطقية حول الظواهر الجوية.
الحضارة الإسلامية
لاريب أن الحضارة الاسلامية كانت لها انتاجات غزيرة فيما يخص المواضيع الجوية، فالمسلمون كانوا أكثر تطورا في علم الفلك الذي وصلهم من الحضارات الشرقية الهند والسند وبلاد فارس، كما أن امتداد الحضارة الاسلامية كان شاسعا وفيه عدة أقاليم مناخية، مما أتاح للعلماء المسلمون أن يضعوا نظريات أكثر منطقية وتتاح لهم الأرضية المناسبة في وصف الظواهر المناخية، وكان مبدئهم هو الوصف عبر الملاحظة العينية والاستنتاج الذي كان يستند في عدة حالات على معادلات رياضية، وقد برز عدة علماء من بينهم ابن حوقل الذي دحض نظرية بارميندس حول عدم وجود الحياة في حط الاستواء فقد أكد المقدسي وجود الحياة بعدما عبر هذا الخط، وقد برز ان خلدون الذي وصف الأحوال المناخية في عدة بلدان اسلامية وتأثيره على البيئة والانسان.
وأما المسعودي فقد جاء في كتابه مروج الذهب عن حركات الرياح واتجاهاتها، وقد قام بالربط بين سلسلة جبال الهملايا وتأثيرها على اتجاه الرياح الموسمية وتساقط الأمطار، وأما اخوان الصفا فقد قاموا بوضع الطبقات الجوية وأعطوها أسماء ( الأثير – الزمهرير – النسيم )، كما استطاعوا التوصل إلى الوجود الاشعاع الأرضي وليس فقط الاشعاع الشمسي، كما أنهم وصفوا وصفا منطقيا كفية تشكل الأمطار من خلال التبخر والتكاثف ثم التساقط .
عصر النهضة في أوربا واهتمامه بالطقس والمناخ
لا شك أن عصر النهضة كان فاصلا تاريخيا حول الأوضاع العلمية وتطورها السريع، فقد قام الأوربيون بترجمة المؤلفات اليونانية والاسلامية ودرسوها، وعملوا على تطوير واختراع عدة أجهزة من بينها اختراع غاليليو للمقياس الحراري، وقيام روجر بيكون بوضع نظرية أكثر منطقية حول النطاقات المناخية التي طورها من اليونانيين، وجهاز قياس الأمطار الذي اخترعه كاستيللي، وجهاز قياس الضغط توريتشيللي، وجهاز قياس الرطوبة دي سوسور، وجاءت هذه الاختراعات كنعمة على الشعوب الأوربية التي استغلتها في معرفة أحوال الطقس وكذا معرفة مناخات المناطق التي كانوا يستعمرونها، وقد قام هالي بوضع خريطة مناخية للعالم ثم جاء بعده هادلي ليقوم بتطوير وتفسير سبب النطاقات المناخية بنظرية المدخنة الاستوائية، واصفا بذلك الاشعاعات الشمسية وتأثيرها على الحرارة وظهور الرياح والتساقطات.
وقد عرف علم المناخ تطورا عاما في العصر الحديث حيث تطورت التقنيات وأصبح علم المناخ والأرصاد الجوية علما مستقلا عن علم الفلك، فبعدما كانت أجهزة قياس أحوال الطقس توضع بجانب المناظير أصبح علم الأرصاد الجوية علما قائما بذاته.
تطور علم الطقس والمناخ في النصف الثاني من القرن العشرين
لقد عرف العالم تطورا تقنيا وتكنولوجيا مبهرا انطلاقا من عصر النهضة ليستكمل عصر الأنوار هذا التطور بشكل أسرع، إذ عرف علم المناخ والأرصاد تطورا مبهرا بعد اختراع الأقمار الاصطناعية والحواسيب القادرة على حلحلة البيانات بشكل سريع، فمع بداية القرن العشرين أدخلت المدرسة النرويجية عملية التنبؤ بالطقس، كما ساهم تطور الطيران موجات الراديو على تسهيل هذه العملية، ولا ننسى أن الحرب العالمية الثانية والتطور التقني الذي شهدته في عمليات تطوير الأسلحة قد ساعد في تطور علوم أخرى وعلى رأسها علم المناخ، الذي استفادة من صواريخ V2 التي قامت بتصوير الأرض من الفضاء، وهذا ما جعل العلماء يرون أن مراقبة الأرض من الفضاء أمر ذا أهمية كبيرة بالأقمار الاصطناعية، لمراقبة المناخ على سبيل التحديد ( المراقبة من الفضاء لها أدوار عدة متجاوزة علم المناخ والأرصاد الجوية )؛ ويعد القمر الاصطناعي تيروس أول قمر للأرصاد الجوية حيث أطلق سنة 1960.