الإسكندر المقدوني ملك ملوك العالم | هل الاسكندر هو ذو القرنين ؟
مملكة مقدونيا لها عدة قرون اعتبرها الإغريق أرضا هامشية وأجنبية ، ولم ينسبوا للأمة الإغريقية أو إلى اليونان ، لكن في عهد الملك فيليب الثاني برزت مقدونيا كقوة عسكرية عظيمة ، والفضل يرجع إلى إصلاحات فيليب العسكرية ، من بين هذه الإصلاحات استخدام السارس ، وهو رمح يصل إلى ستة أمتار ، ضعف طول الرمح اليوناني العادي ويستخدمه المشاة المدربون الذين يقاتلون في تشكيلة مقدونيا ، أطلق عليها الإغريق اسم الفلامنكو ، بعد قرابة قرن من التوتر والقتال المدمر بين المدن الإغريقية في العالم اليوناني ، أصبحت اليونان منهكة ومهددة من الخطر الفارسي في الشرق ، لكن فيليب الثاني سيسعى في عهده إلى توحيد اليونان وصد الخطر الفارسي ، وهذا ما حققه عام ثلاثمئة وثمانية وثلاثين قبل الميلاد في معركة خاني بعد أن سحق الجيش المقدوني قوات أثينا . ( الإسكندر )
من خلال التحالفات والغزو تمكن فيليب من السيطرة على معظم جيرانه ، والآن بعد هذا الناصر سيوحد اليونان في تحالف يعرف باسم الرابطة الهيلينية ونصب فيليب كقائد على اليونان باستثناء اسبارتا التي كانت خارج هذا الاتحاد ، يضع فيليب الآن الإمبراطورية الفارسية نصب عينيه ويبدأ التخطيط لحملته العسكرية القادمة ضد الإمبراطورية الفارسية ، لكن عشية شن حربه اغتيل فيليب من قبل قائد حرسه الشخصي في حفل زفاف بنته كليوباترا .
الإسكندر الأكبر ملك مقدونية
قلد الاسكندر ابن فيليب البالغ عشرين عاما عرش مملكة مقدونيا ، وهو رجل ذكي وشجاع وتتلمذ على يد الفيلسوف العظيم أرسطو ، وكان الإسكندر بدوره قائدا عسكريا ذو خبرة ، لم يرث الإسكندر عرش مملكة مقدونيا فحسب وإنما إرادة وخطط والده فيليب في غزو الإمبراطورية الفارسية ، ولكن عليه أولا أن يؤمن منصبه كملك في الديار قام بإعدام منافسيه المحتملين وسحق كل تمردات في أيليريا الساحلية وفي وسط اليونان ، وجعل من ذلك عبرة للثوار و للمدن الأخرى التي تحاول أن تثور ، فقد دمر المدينة بالكامل وفي ربيع عام ثلاثمئة وأربعة وثلاثين قبل الميلاد ، أصبح الإسكندر الآن مستعدا لشن حملته العسكرية ضد الإمبراطورية الفارسية .
جيوش الإسكندر والتشكيلات القتالية
قاد الإسكندر المقدوني جيشه عبر الدردنيل إلى آسيا الصغرى ، لقد كانت بداية أحد أعظم الحملات العسكرية في التاريخ ، كان يقود الإسكندر جيشا يقدر بحوالي ثمانية وثلاثين ألف جندي من جميع أنحاء اليونان ، بحيث يقود المشاة الجنرال المخضرم “بار مريان” ، وكان في مقدمة الجيش كتائب الفونس وهم تسعة آلاف جندي من الكتائب المقدونية التي اجتازت حربا طويلة ، هذا التشكيل كون خطا دفاعيا يستحيل اختراقه بسبب الرماح الطويلة التي امتلكها الجيش المقدوني ، لكن كان من الصعب عليهم المناورة والتحرك بسرعة ، كما أنهم كانوا عرضة للهجمات من الأجنحة ومن الخلف .
وهنا وكل الدور لكتيبة أخرى من ثلاثة آلاف جندي من المشاة النخبة المعروفين بـ حاملي الدروع أو الهاي باس الإغريقية ، وكان دورهم حماية الأجنحة حيث كانوا مسلحين برماح قصيرة والسيوف بالإضافة للدروع ، كما وكانوا تحت قيادة كنار نجل بأرمينيا ، يتكون الخط الثاني من جيش الإسكندر من سبعة آلاف من الحلفاء اليونانيين وخمسة آلاف من المرتزقة ، وكانت دروعهم كبيرة في شكل دائري وبحوزتهم رماح قصيرة ، لم تكن هذه الكتائب فعالة مثل الكتائب المقدونية ، لكنها كانت مدججة بالسلاح ومدرعة بشكل جيد .
احتوى الجيش أيضا على ألف جندي قادمين من جنوب بلغاريا ، وهم نخبة من جنود المناوشات في الجيش وخبراء في الرماية ، بالإضافة إلى سبعة آلاف جندي من تراقيا وإيلي سرية مسلحين بـ الأقواس والرماح ، أما قوة جيش الإسكندر الفعلية فكانت تكمن في قواته الخاصة فرسان الكمب ثانيا ، وكانت دائما تتمركز في أقصى يمين الجيش كما تتألف من ألف وثمانمئة فارس من فرسان النخبة والمسلحين بالرماح والسيوف بقيادة فيلق تاس ، وهو ابن آخر لبرميل .
كما كان هناك أيضا ألف وثمانمئة فارس في سالي على أقصى يسار الجيش بقيادة كالاس وستمئة فارس يوناني بقيادة إريك يوس وتسع مئة من جنود الكشافة من تراقيا وبيونغ تحت قيادة ساندر .
حروب مقدونية
كانت الإمبراطورية الفارسية العظيمة مقسمة إلى مقاطعات وكل منطقة كان يحكمها حاكم ، أولئك الحكام الذين هددهم الإسكندر في آسيا الصغرى التقوا لمناقشة الاستراتيجية لصد الخطر المقدوني ، وقد حثهم ممنون وهو مرتزق يوناني يعمل في الخدمة الفارسية على تجنب المعركة المباشرة مع الإسكندر واللجوء إلى استراتيجية الأرض المحروقة ، بالانسحاب شرقا وحرق القرى والمحاصيل مما سيؤدي في النهاية إلى انهيار جيش الإسكندر بسبب الجوع ونقص الموارد ، كانت استراتيجية ذكية لكن حكام المقاطعات رفضوا هذه الفكرة تماما ، وكانوا غير مستعدين لتدمير أقاليمها من دون قتال ، فقرروا مواجهة الإسكندر في نهر الغانج كوس .
رفض الإسكندر نصيحة “بار ماريا” ( جنرال عسكري ) بالانتظار حتى الفجر ليرتاح الجيش قبل عبور النهر وقرر الهجوم بشكل فوري ، بدأت المعركة بتقدم سرب من فرسان الكمائن لعبور النهر ، تلاه فوج من “الهيب باس” ومجموعة من الفرسان الذين يتميزون بالخفة ، ودعا الإسكندر رجاله لإظهار شجاعتهم ، ثم قاد جناحه الأيمن عبر النهر ، عندما وصلوا الى منتصف النهر انهالت عليهم النبال والرماح من الخط الفارسي ، أما أولئك الذين وصلوا للضفة تم الهجوم عليهم من قبل الفرسان الفارسين ، توجه الإسكندر إلى وسط ميدان المعركة واستهدف الفرسان والقادة اندلع صراع يائس من حوله المقدونيين يحاولون دفع الفرس بعيدا عن ضفة النهر والفرس مصممون على منعهم من العبور .
بداية المعركة
بدا هجوم الإسكندر متهورا في البداية ، لكنه في الحقيقة كان يوفر الوقت لبقية جيشه لعبور النهر وخصوصا كتائب الفرنج الغير القابلة للاختراق ، بينما كان الإسكندر في خضم القتال وجد نفسه فجأة محاصرا وسط الفرس ، وهجم عليه اثنان من القادة البارزين اتجه الأول إلى الإسكندر وضربه على رأسه حتى كسر جزءا من الخوذة ، لكنه من حسن حظ الإسكندر أضعفت الخوذة قوة الضربة ، فرد الإسكندر بروحه وقتله على الفور ، ومن الخلف رفع اثنان سيفيهم نحو الإسكندر لقتله ، لكن وبدون تحسب قام ضابط مقدوني بتسبيق الهجمة وضرب أحدهم على يده وبذلك أنقذ “كلاي تس بلاك” حياة الإسكندر.
نجحت كتائب الفرنج في عبور النهر وواجهت خيالة الفرس هذا الجدار الصلب من الرماح الطويلة أدى إلى انسحاب وهروب معظم الفرسان الفرس ، سرعة هجوم الإسكندر لم تتيح الوقت لمرتزقة فارس اليونانيين للانضمام للمعركة بفرار معظم الفرسان الفارسين ، فتركوا المرتزقة اليونانيين في الخلف لوحدهم لمواجهة مصيرهم ، وفي حالة من غضب الإسكندر معتبرا هؤلاء المرتزقة اليونانيين خونة ، تجاهل نداءاتهم بالرحمة واستسلامهم وأحاط بهم جيش الإسكندر من كل الجهات وأبيد معظمهم ، أما الباقي الذين قبل الإسكندر بـ استسلامهم فحكم عليهم بالأعمال الشاقة حتى يكونوا عبرة للخونة ، انتصر الإسكندر انتصارا عظيما وآسيا الصغرى الآن تحت رحمته ؛ لكن الإمبراطورية الفارسية لا تزال أرضا واسعة وذات قوة هائلة ، وهي الآن تعبئ مواردها الضخمة لمواجهة الجيش المقدوني.
تشكيلة الجيوش المتحاربة
تشكل الجيش الفارسي خلف النهر الذي كان ضفافه شديدة الانحدار وفي مقدمة الجيش الفارسي تمركز جدار من عشرين ألف من الفرسان من مختلف أنحاء الإمبراطورية ، وفي الخلف تمركزت المشاة وهم عشرة آلاف من المرتزقة اليونانيين ، كان هؤلاء الرجال يقاتلون من أجل الذهب الفارسي كانوا مسلحين بالدروع والرماح القصيرة ، تم وضع هؤلاء المرتزقة في الخلف بعيدا لعدم ثقة الفرس مما إذا كانوا حقا سيقاتلون ضد مواطنيهم الإغريق .
الجيش المقدوني
أما في الجهة المقابلة من النهر تمركز جيش الإسكندر على يسار الجيش ، عين الإسكندر كتيبة في “سخالين” المتكونة من الفرسان ومن ورائهم المشاة تحت قيادة “بأرمينيا” ، وفي قلب الجيش كالعادة كانت كتائب “الفانوس” تشكل جدارا بالرماح الطويلة ، وكانت مقسمة إلى ستة فرق بقيادة “بير ديكس وكوينز” و”أمين تاس” و”فيليب وميل جير” و”كرات روس” أما على يمين الجيش فكان الإسكندر نفسه مع فرسان “الكمب تانيا” تحت قيادته ، وكذلك نخبة المشاة “باس”، وكان يقدر جيش الإسكندر بحوالي سبعة وثلاثين ألف مقاتل .
المعركة الثانية
لقد كان الإسكندر يريد أن يغزو الإمبراطورية الفارسية بالكامل ، ويخلد اسمه في التاريخ ، مع اقتراب الاسكندر من “برديس” عاصمة مقاطعة ليديا استسلم قائدها من دون أي مقاومة ، ولكن قبل ان يستمر الاسكندر في التقدم كان بحاجة إلى إضعاف القوة البحرية الفارسية ، ظل الإسكندر الذي لم يمتلك حينها أي أسطول بحري تحت تهديد سلاح البحرية الفارسي ، حيث كان لدى فارس أسطول قوي له عدة قواعد بحرية حول شرق البحر المتوسط ، والتي كانت تهدد خطوط الاتصال الخاصة به مع اليونان .
بدلا من تحدي الفرس في البحر ، قرر الإسكندر مهاجمة أقرب قواعدهم في المدن الساحلية اليونانية “ميليتو” و”هل كرناز” و “ميليت” لكن هذه المدينة كانت محصنة بشكل كبير مع ميناء ضخم ، وكانت حامية هذه المدن تتكون من القوات المحلية إلى جانب عدة آلاف من المرتزقة ، بعد حصار طويل ومقاومة شديدة تمكن الإسكندر في النهاية من اختراق أسوار هذه المدن الساحلية والسيطرة عليها بحلول فصل الشتاء ، وفي ربيع عام ثلاثمئة وثلاثة وثلاثين قبل الميلاد ، واصل الاسكندر تقدمه إلى “ليبيا” وفي “ريجا” وفي مدينة “جوردي” سمع الإسكندر لأول مرة عن العقدة الكردية ، وهي أسطورة تتنبأ بأن من سيحل عقدتها سيحكم كل آسيا .
بكل بساطة أخذ الإسكندر سيفه وقطعها إلى نصفين ، مر ثمانية عشر شهرا منذ أن عبر الاسكندر الدردنيل وغزا الإمبراطورية الفارسية .
المعركة الثالثة
قاد الإسكندر جيشه إلى “قيل غنية” وبينما كان يستعد لعبور جبال الأمان إلى سوريا ، ظهر فجأة الجيش الفارسي الرئيسي وراء الجيش المقدوني في الشمال بقيادة الملك الفارسي داريوس ، وكانت خطة داريوس منع الإمدادات وحصر الإسكندر وتدمير جيشه بإغلاق طريق الهروب الوحيد الذي يمتلكه الإسكندر ، ولكي يجبر داريوس الجيش المقدوني على القتال قرر نقل جيشه إلى السهل الساحلي بالقرب من مدينة “السوس” ، وكان ميدان المعركة محصورا بين الجبال والبحر ، وقد أجبر ضيق ميدان المعركة الإسكندر إلى القتال ، لكنه منع داريوس من استغلال تفوقه العددي .
تقابل الجيشان عند نهر “روس” في الجهة المقابلة نشر داريوس جيشه حسب تقديرات بعض المصادر الحديثة أنه كانت أعداد الجيش الفارسي يصل إلى مئة ألف جندي .
كان يوم المعركة يوما ممطرا وكان ضفاف النهر منزلقة ، وهذا ما سيعطي أفضلية للمشاة في الجيش الفارسي للصمود أمام تقدم الكتائب المقدونية ، بدأت المعركة بعبور فرسان الفرس نهر الفنار والهجوم على قوات أرمينيا ومحاولة سحقهم ، أما كتائب “الفانوس” المقدونية فبدأت بالتقدم نحو قلب الجيش الفارسي للاشتباك ، وفور اقترابها من النهر تعرضت لوابل مستمر من الأسهم ، رغم ذلك صمدت الكتائب واستمرت في التقدم حتى عبرت النهر واشتبكت مع العدو ، بينما كانت كتائب المقدونية مشغولة بالتوغل في صفوف قلب الجيش الفارسي ، اندفع الاسكندر مع قوات الفرسان نحو جناح الجيش الفارسي الأيسر بغية اختراقه .
اشتد الصراع في أرض المعركة مع خسائر بشرية في كلا الجانبين ، في قلب المعركة قام المرتزقة اليونانيون بدفع كتائب “الفنانة المقدونية” مستغلين عدم انتظامهم أما على الجهة اليسرى لم تكن الأمور تسير بشكل جيد أيضا ، واجه “بأرمينيا” صعوبة في صد هجوم الفرسان الفارسين بسبب تفوقهم العددي ، إلا أن الاسكندر مع قوات فرسان “كامبانيا” استطاعوا اختراق المشاة الفارسي ، وسرعان ما بدأ جناح الجيش الفارسي الأيسر في الانهيار .
الأمل الأخير ل الإسكندر
كان هجوم الاسكندر أمله الوحيد للفوز بالمعركة ، حيث كان يفوقه الجيش الفارسي عددا بمرتين ، وبسبب هذه الأفضلية عانت كتائب الفنانين والفرسان التاليين في التصدي لهجوم الفرس ، قرر الاسكندر بعدها أن يهاجم الجناح الأيسر للمرتزقة اليونانيين لمساندة كتائب “الفانوس” التي كانت تعاني آنذاك ، كان تأثير هجوم الاسكندر مع فرسانه مدمرا ، فالخسائر التي ألحقها فرسان “الكوم بانيا” بوحدات الجيش الفارسي سمحت لكتائب “الفنانة” المقدونية بالتقدم ودفع العدو إلى الأمام وتدمير قلب الجيش الفارسي .
الخسارة المدوية للجيش الفارسي
وفي وسط الصراع المحتدم بين الجيشين ، رأى الاسكندر داريوس واندفع نحوه بشراسة مع أفضل فرسانه ، أما داريوس فقرر الانسحاب والهروب من ساحة المعركة ، رغم أن الفرسان الفرس كانوا على وشك القضاء على ميسرة الجيش المقدوني ، إلا أنهم قرروا الانسحاب أيضا بعد أن علم بانسحاب ملكهم داريوس ، انتظمت صفوف القوات المقدونية مجددا وسارعت في مطاردة العدو المنسحب ، استطاعت أن تقضي على المئات منهم لكن لحسن حظ الفرس ، توقفت القوات المقدونية عن المطاردة بسبب غروب الشمس .
لقد كانت مجزرة بعد أن قتل قرابة عشرين ألف جندي فارسي مقابل سبعة آلاف جندي مقدونيا وفرار الملك داريوس بنفسه ، كانت هذه أول هزيمة يتعرض لها داريوس ، لكن الحرب لم تنته بعد ؛ كانت معركة أسوس انتصارا ساحقا لـ الاسكندر ، ومن بين الغنائم التي تركها داريوس خلفه زوجته وأمه وثلاثة من أطفاله وقد عاملهم الاسكندر باحترام وتقدير .
تشكيلات الجيوش
احتوى الجيش الفارسي على أمهر الجنود في الإمبراطورية ، بما في ذلك عشرة آلاف من القوات الخاصة المعروفة باسم الخالدون ، وعلى يمين الجيش في اتجاه البحر حيث كانت الأرضية مناسبة للخيول ، حشد داريوس أفضل فرسانه وفي القلب تمركز المشاة وهم المرتزقة اليونانيين كانوا مسلحين بالدروع والرماح الطويلة .
أما على يسار الجيش فتم مركز المشاة “الفوركس” وفي الجهة الأخرى من النهر نشر الاسكندر جيشه للمعركة والذي كانت أعداده يصل إلى أربعين ألف جندي على جهة البحر . تولى “بأرمينيا” قيادة الجناح الأيسر للجيش والذي كان يحتوي على الفرسان والمشاة اليونانيين ، وفي القلب كما العادة تمركزت كتائب “الفلك المقدونية” ، أما الإسكندر فكان يقود فرسان “الكمب بانيا” في الجناح الأيمن للجيش بالإضافة إلى رماة الأسهم والرماح ، وفي مؤخرة الجيش تمركزت نخبة المشاة “الهيكل” ومعهم وحدات من المشاة الاخفاء .
حرب الإسكندر ضد الفينيقيين
مع تراجع الجيش الفارسي شرقا تحولت أنظار الاسكندر الآن إلى الأراضي الغربية الفارسية ، وفي عام ثلاثمئة واثنين وثلاثين قبل الميلاد ، استسلمت مدن فينيقيا الساحلية إلى الاسكندر أرواد وجبيل وصيدا ، مما قضى على القوة البحرية الفارسية في البحر الأبيض المتوسط ، لكن مدينة صور قررت المقاومة ، كانت صور آخر القواعد البحرية الفارسية ، ولن يتقدم الاسكندر نحو مصر حتى يقوم بـ إخضاعها تحت حكمه .
كان في البداية يبدو وكأن مدينة صور ترحب بـ الاسكندر ، لكن جميع طلبات الاسكندر قوبلت بالرفض ، ومن ضمنها السماح لـ الإسكندر بتقديم تضحية لـ هرقل في معبد صور ، غضب الاسكندر من تعنت الفينيقيين في مدينة صور فقرر حصارها وتدمير المدينة قاتل المدافعون عن صور بشجاعة وبسالة ، لكن بعد سبعة أشهر تم اختراق جدران المدينة وسقطت صور في يد الاسكندر ؛ تم استعباد معظم مواطنيها والبقية تعرضوا للقتل والصلب ، قررت مدينة غزة المقاومة أيضا فتم الاستيلاء عليها عبر الحصار ، والنتيجة كانت مشابهة لمدينة صور ، قتل الرجال واستعباد البقية.
حروب الإسكندر في مصر
استمر الإسكندر في التقدم حتى وصل إلى مدينة “الفاشر” على دلتا النيل ، حيث سلم حاكم مصر الفارسية المحافظة بأكملها إلى الإسكندر ، رحب الكهنة بالإسكندر كمحرر لهم من الحكم الفارسي وتوج فرعونا ، وعند مصب النيل أسس الإسكندر مدينة جديدة سميت ب الإسكندرية ، وهي إلى الآن لا تزال قائمة ثم سافر إلى صحراء سواه حيث رحب به الكهنة كإبن آمون ملك الآلهة ، عاد الإسكندر إلى مدينة صور وهدفه التقدم نحو آخر معاقل الفرس ومواجهة داريوس للمرة الأخيرة .
المعركة الرابعة مع بلاد فارس
تلقى الاسكندر رسالة من الملك الفارسي داريوس حيث يعرض فيها عليه ثروة كبيرة من الذهب ونصف الإمبراطورية مقابل السلام ، لكن بعد كل هذه الانتصارات صار الإسكندر واثقا من أن مصيره هو حكم العالم بأكمله ، رفض الإسكندر عرض داريوس لم يكن يريد نصف الإمبراطورية بل العالم بأكمله بعد أن أخضع الأراضي الفارسية غرب نهر الفرات ، يوجه إلى معاقل الإمبراطورية الفارسية ساعيا إلى مواجهة النهائية ضد داريوس ، بعد تلقيه أخبارا تفيد بتجمع جيش فارسي ضخم بقيادة داريوس في جو جميل قام بالاتجاه إليه ، كانت هذه هي فرصة داريوس الأخير للقضاء على الإسكندر وفرصة الإسكندر لوضع نهاية للقوة الفارسية .
بدأت المعركة فور قيام الإسكندر بتمديد جيشه إلى اليمين ، حيث أمر داريوس جيشه بفعل نفس الشيء لمنع جيش الإسكندر من مغادرة أرض المعركة التي كانت سهلا واسعا ومناسبا للعربات الحربية ، قاد الإسكندر الجناح الأيمن إلى اليمين ، وكانت ردة فعل داريوس أنه أمر بعض قواته في الوسط وجناحه الأيسر بقيادة بيسان بمهاجمة الإسكندر لمنعه من مغادرة السهل ، لكن مناورة الإسكندر هذه كانت فخا لإضعاف القلب الفارسي ، وكانت خطة منه لمعرفة وتحديد مكان داريوس بالتحديد ، قامت قوات الفرسان الفارسي بالهجوم على الجناح الأيمن ل الإسكندر لمنعه من الاستمرار في التقدم يمينا .
بداية المعركة
اشتعلت معركة عنيفة بين الاسكندر والفرسان الفارسين ، مع المدة كان واضحا تفوق فرسان مقدونية بقيادة الاسكندر على الفرسان الفارسين حين انسحبت بعض الوحدات الفارسية ، أما الوحدات الباقية فكانت تعاني أمام شراسة الاسكندر و فرسانه ، بعد أن رأى داريوس جناحه الأيسر في ورطة أمر عرباته الحربية بالهجوم على القلب المقدوني. كان الهجوم بلا جدوى ، وتأخر مئات الأسهم والرماح واستضمت بالخيول وسائقي العربات الحربية.
أما المشاة المقدونية واليونانية ، ففتحت الممرات وسمحت للعربات الحربية بالمرور بدون أي أضرار وفي نفس الوقت كان جناح الجيش الفارسي الأيمان بقيادة “مار زيوس” يهاجم “بأرمينيا” وفرسانها، كان عدد الفرسان الفرس ضخما وعلى وشك تطويقه، لكن بأرمينيا كعادته استمر في المقاومة بشجاعة مع فرسانه رغم تفوق الفرس الساحق ، بعد تقدم الاسكندر إلى أقصى اليمين وانشغال بأرمينيا على اليسار في مقاومة الفرسان ، أحدث هذا ثغرة في قلب الجيش المقدوني ، وقرر داريوس بتهور أن يرسل المرتزقة اليونانيين وفرقة الخالدون إلى الوسط اليوناني .
ابتلع داريوس طعمة الاسكندر وجعل وسط جيشه بدوره مكشوفا ، وكان الاسكندر ينتظر هذه اللحظة منذ البداية ، قام بسرعة مع فرسان “الكم بانيا” بمهاجمة الوسط الفارسي مستهدفا داريوس ، كسرت قوة وصدمة هجوم الاسكندر حماس الفرس وأدخلت الرعب في قلوبهم ، انكسر وسط الجيش الفارسي وفر معظمهم من المعركة ، سارع الاسكندر في مطاردتهم لكنه استلم أخبارا تطلعه على الورطة الكبيرة التي كان فيها جناحه الأيسر بقيادة “ماريان” ، توقف الاسكندر عن المطاردة واندفع بسرعة مع قواته لنجدة ماريان ، بعد قتال عنيف وقاسي وانتشار خبر هروب ملكهم داريوس تراجعت الخيالة الفارسية وانسحبت من المعركة .
وفقا لبعض المراجع التاريخية القديمة ، لم يخسر الإسكندر سوى بعض المئات من جنوده ، في حين خسر داريوس أكثر من أربعين ألف جندي ، كانت هذه المعركة انتصارا عظيما لـ الإسكندر.
التشكيلات العسكرية
بعد معركة أسوس تعلم داريوس من أخطائه السابقة ، فاختار هذه المرة القتال على أرض مفتوحة قرب قرية “غاو” جميلة ، حيث سيكون تفوقه العددي هذه المرة أكثر إفادة ، التقى الجيشان حسب بعض التقديرات الحديثة كان الجيش الفارسي يتراوح بين خمسين ألف إلى مئة ألف جندي مقابل سبعة وأربعين ألف جندي للجيش المقدوني ، شكل المرتزقة اليونانيون وفرقة الخالدون قلب الجيش الفارسي ، أما قوة الجيش الفارسي الحقيقية فكانت على الأجنحة حيث تمركز هناك الفرسان الفارسي يون .
تولى “زيوس” قيادة الجناح الأيمن و”بيسان” تولى قيادة الجناح الأيسر ، وفي مؤخرة الجيش تشكلت هناك عدة وحدات من المشاة ، وفي المقدمة وضع داريوس حوالي مئتي عربة حربية وزعها لثلاث وحدات .
أما تشكيل الجيش المقدوني فلم يتغير كعادته في الوسط ، تمركزت الكتائب المقدونية في مكانها ، و تولى الاسكندر قيادة الجناح الأيمن الذي كان يحتوي على فرسان “الكمب هانيا” ، والجنرال ‘بار ماريان’ تولى قيادة الجناح الأيسر المكون من الفرسان ‘في سخالين’ ، أما الخط الثاني للجيش المقدوني فكان مكونا من المشاة اليونانيين الذين شكلوا كتائب ، وكان دورهم دعم الأجنحة وكتائب الفلاحين ؛ أخذ الجيش المقدوني شكلا مشابها للقوس حيث كانت جميع الخطوط مائلة ، ولتجنب أي محاولة لتطويقه من الفرس قامت الأجنحة بالانحناء خمسة وأربعين درجة إلى الخلف.
نهاية بلاد فارس
توجه الاسكندر إلى بابل عاصمة الإمبراطورية الفارسية ووجدها مفتوح على مصراعيها ، دخل الملك المقدوني المدينة بكل فخر واعترف به المسؤولين الفرس كملك عليهم ، وفي سوسة اعتلى العرش الملكي لبلاد فارس ، مرت ثلاثة أشهر منذ انتصار الاسكندر في معركة جو جميلة ، وهو الآن يتقدم نحو قلب الإمبراطورية الفارسية ، ولكن يجب عليه أولا أن يعبر جبال زاغروس التي تحمي معبرا الدخول إلى بقية فارس ، قاد الاسكندر جيشه مباشرة عبر الممرات الضيقة والوعرة في جبال زاغروس ، وسرعان ما دخل على أراضي قبيلة أوكسي وهي قبيلة جبلية ، لم ينجح خط الفرس في إخضاعها تحت حكمهم ، وكانوا سابقا يجبرون القوات الفارسية على دفع الجزية مقابل السماح لهم بالعبور.
طالب القوات المقدونية بنفس الشيء ، لكن هذا لم يكن مقبولا مع الاسكندر ، نجح في تمويه وتطويق قريتهم وقام بقتل بعض من رجالهم أما الباقي فأرغمهم على دفع الجزية سنويا ، انتشرت أخبار مصير هذه القبيلة ولم يجرؤ من بعدها أي أحد على التعرض إلى المقدونيين ، مرت عدة أيام والإسكندر تحرك شرقا مع قواته بسلام ، لكنه أهمل إرسال جاسوس للاستطلاع ؛ وصل الجيش المقدوني إلى سهل واسع ولم يتوقف من أجل الراحة هناك، و باشروا مباشرة في عبور ما يسمى البوابات الفارسية ، وهي معابر ضيقة في جبال زاغروس ، بينما كان الجيش المقدوني يتقدم داخل هذه المعابر ، انتبه الجيش لوجود عدة أشخاص فوق التلال ، وأعتقد أنهم مجرد مدنيين فاستمر في التقدم ، لكن عندما وصلوا إلى منعطف وجدوا هناك جدارا من الصخر والتراب.
أدرك الإسكندر الخطأ الذي اقترفه أصبح من المستحيل التراجع الآن من دون أي خسائر ، كان هذا الكمين من صنع “آر يو بارزاني” وهو جنرال لا يزال مخلصا لـ داريوس ، وكان يقود المقاومة الأخيرة للقوات الفارسية .
المعركة النهائية
بدأ الآلاف من جنود الفرس في رمي الأسهم والقذائف الأخرى كالصخرور والهجوم على الإسكندر من فوق التلال ، أربك هذا الهجوم قوات الإسكندر ، أما ردة فعل المقدونيين فكانت بتنظيم دفاعاتهم ، كانت الخسائر البشرية كبيرة وأصبح الإسكندر بين خيارين إما تراجع إلى السهل أو البقاء هناك والمقاومة حتى الموت ، أمر الإسكندر قواته بالانسحاب لتجنب المزيد من الخسائر في الجيش ، تراجع الجيش المقدوني إلى السهل ، وكانت المرة الأولى التي يتفوق فيها جنرال فارسي في الدهاء والحيلة على الإسكندر .
عسكر المقدونيين في السهل وعالجوا الجرحى ، أما الإسكندر فكانت وضعية جيشه صعبة للغاية كانوا عالقين في أعالي الجبال في وسط موسم الشتاء على أراض العدو ، كانت البوابة الفارسية المعبر الوحيد الذي كان معروفا آنذاك ومناسبا لعبور الجيوش ، مرت أيام عدة والقيادة في الجيش المقدوني تحاول أن تجد حلا للحصار الفارسي في البوابة الفارسية ، في النهاية وجد المقدونيين طريقة لهزيمة هذا الحصار ، أخذ الإسكندر في الليل نخبة قواته في الظلام الحالك عبر المعابر في الشمال الشرقي ، بينما بقية الجيش المقدوني عملت على إشعال النيران في المخيم لمنع الفرس من اكتشاف أي نقص في أعدادهم .
عودة الروح المعنوية
قبل الفجر تحركت بقية الجيش واتجهوا نحو البوابة الفارسية متظاهرين بالهجوم ، بينما كانت قوات “آر يو بارزان” تستعد للانقضاض مجددا على المقدونيين ، ظهرت قوات الإسكندر من الخلف وشنت غارة على مخيم الفرس ، في حين قامت وحدة أخرى من الجيش المقدوني بقيادة فيلق بوتاس بشن هجوم على الفور في التلال ، اشتدت المعركة وكان واضحا الفرق الكبير بين المقدونيين والفرس في القوة والشراسة ، حاولت وحدة عسكرية فارسية بقيادة آر يو بارزاني للانسحاب ، لكنهم كانوا محاطين من كل الجوانب.
رفضوا الاستسلام وحاربوا بشجاعة لآخر رمق ، تم دحر المقاومة وقتل آر يو بارزان إس واصل الإسكندر تقدمه شرقا حتى وصل إلى مدينة “بيرسيبوليس” العاصمة الرسمية للإمبراطورية الفارسية ، لطالما كان الإسكندر يريد الظهور كمحرر للفرس وخليفة شرعي للملك داريوس ، لكن هذه المرة أمر قواته بنهب وحرق المدينة بالكامل ، كان هذا انتقاما من الغزو الفارسي لليونان وحرق معابد أثينا المقدسة ، في سنة أربعمئة وثمانين قبل الميلاد .
نهاية داريوس امبراطور الفرس
تجه الإسكندر الآن إلى ميديا وهدفه داريوس الذي لجأ إلى المدينة الملكية ، كان الإسكندر مصمما على القبض على داريوس ، لكن الملك الهارب فر شرقا على أمل إنشاء جيش جديد في ولاية “بردية” “بخت ريا” و”سوق ديانة” ، اقترب الإسكندر من مكان داريوس ، لكن الملك قتل على يد أحد حكامه باسوس الذي أعلن نفسه حاكما الإمبراطورية الجديدة ، أمر الإسكندر بدفن داريوس في المقابر الملكية في مدينة “بيرسيبوليس” إلى جانب أسلافه .
معارك الإسكندر ضد الثورات
توقف الإسكندر لتنظيم إمبراطوريته الجديدة الواسعة وعين نوابا لحكم المقاطعات نيابة عنه ، مع الإبقاء على العديد من الفرس الذين أقسموا الولاء لـ الإسكندر في مناصبهم ، استمر الإسكندر في التقدم شرقا وهدفه الآن إخضاع المقاطعات الشرقية للإمبراطورية وقاتل باسوس قاتل داريوس الذي أعلن نفسه ملكا جديدة لفارس ، توجه الإسكندر إلى آريا أولا حيث استهل الحاكم الفارسي “ساتيا بارزان” تمردا بعد أن تظاهر في البداية بالولاء لـ الإسكندر ثم دحر التمرد وقتل “ساتيا بارزان إس” على يد أحد ضباط سلاح الفرسان اليوناني ؛ أسس الإسكندر هناك مدينة الإسكندرية أريانة وتعرف اليوم بهارات في أفغانستان ، وهي واحدة من الكثير من المدن التي أسسها الإسكندر وكلها تحمل اسمه .
سار الإسكندر إلى مدينة فرادة وهي تعرف الآن بفرح في أفغانستان ، هناك أبلغ الإسكندر بأن في لوتز قائد فرقة الفرسان قد اكتشف مؤامرة لاغتياله وأبقاها سرا ، من قبل “لوكاس” ووالده بأرمينيا وهم من بين أكثر قادة الإسكندر احتراما ، وقد لعب أدوارا حاسمة في جميع انتصاراته العظيمة ، اعترف لوكاس في لوتز تحت التعذيب وأعدم ، ومن بعدها أرسل الاسكندر قتلة إلى مدينة باتنة لقتل بأرمينيا ، وفي عام ثلاثمئة وتسعة وعشرين قبل الميلاد ، استأنف الإسكندر ملاحقة بأرمينيا ، إذ قاتل داريوس في الطريق .
وأسس مدينة الإسكندرية آنذاك “روسيا” وهي قندهار الحديثة في جنوب أفغانستان ، عند وصوله إلى “والولي” وهي قندوز حاليا في أفغانستان ، تعرض بسوس للخيانة من قبل رجاله ، وتم تسليمه إلى الإسكندر بالسلاسل ، أرسله الإسكندر إلى فارس لإعدامه بتهمة قتل الملك داريوس .
غزوات الإسكندر الأكبر في وسط آسيا
استمر الإسكندر في التقدم نحو “السوق ديانة” في دغغستان الحديثة ، وهناك ثار سكان “السوق ديانة” ضده وقاموا بهجمات من طرف القبائل المحلية وسيطروا على عدة بلدات بالقوة على ضفاف نهر “جاك سارتر” ، أسس مدينة الإسكندرية إسكاني وتعني بالعربية الإسكندرية الأبعد ، وصل أخيرا إلى الحد الأقصى للإمبراطورية الفارسية ، بعد عدة أشهر مرهقة من قمع وسحق التمردات في باغت ريا وسوق ديانا والكشف عن مؤامرة أخرى وسط جيشه لاغتياله وإعدام المسؤولين عنها. وجه للإسكندرية عينيه نحو الشرق وبدأ بغزو آخر للمقاطعات الشرقية للإمبراطورية الفارسية التي لم تعترف بعد بملكيته .
ضم الهند
ولكن كان عليه أن يعبر جبال الهند كوش والوصول إلى نهر السند عند تقدمه ، فاز جيشه في سلسلة من المناوشات ضد القبائل والسكان ، وبعد حصار عنيف استولى الإسكندر على العاصمة “الآسر كينية مصاغة” بالقرب من إسلام أباد الحديثة ، قام حاكم “تكساس إيلا” بتشكيل تحالف مع الإسكندر ، حيث قرروا أنهم سيواجهون “بوروس” ملك “باراباس” في معركة “الهيدوس” تم سحق بوروس وجيشه وحسمت المعركة لصالح الإسكندر ، رغم شجاعة بوروس ورفضه الاستسلام وقتاله حتى الرمق الأخير .
والآن أصبحت البنجاب تحت سيطرة الإسكندر ، أراد الإسكندر الاستمرار في التوغل في الهند للوصول إلى النهر العظيم الذي قال عنه علماء الجغرافيا القدماء من الإغريق أنه يشكل حافة العالم ، نهرها المعروف اليوم باسم “بائس” .
تمرد الجيش المقدوني
تمرد الجيش المقدوني على الإسكندر وسار رجاله للآلاف من الأميال ، وخاضوا معارك لا تعد ولا تحصى ولم يروا عائلاتهم منذ ثماني سنوات ، رفضوا الاستمرار في التقدم أبعد من ذلك غضب الإسكندر من تمرد جيشه ، ولكنه كان مجبرا على الرجوع بالجيش إلى الوراء ، تابع الإسكندر المسير على طول أنهار البنجاب إلى البحر في رحلة استغرقت عشرة أشهر قاتل فيها الإسكندر قبائل المالي عند الوصول إلى الساحل ، استقل جزءا من جيش “سفنا” بقيادة يانغ خوص وعاد إلى بلاد فارس عبر الإبحار في مضيق هرمز ثم الدخول إلى الخليج الفارسي ، كانت واحدة من أعظم الرحلات الاستكشافية القديمة ، فهذه المياه لم تكن معروفة عند الإغريق .
أما بقية الجيش بقيادة الإسكندر فعبر عبر الصحراء “الجد روسية” في جنوب باكستان الحديثة ، أدت الحرارة الشديدة ونقص المياه والغذاء إلى معاناة فظيعة ، وإلى وفيات كثيرة في صفوف الجيش عند عودته إلى بلاد فارس ، أعدم الإسكندر العديد من النواب والحكام بتهم سرقة المعابد والمقابر والحكم الجائر خلال غيابه الطويل في الشرق وفي سوسة .
رتب الإسكندر لزواج جميع ضباطه المقدونيين بثمانين امرأة فارسية من عائلات النبلاء لتعزيز الروابط بين مملكتين ، تزوج الإسكندر بنفسه من أميرة “عين فرنسيتين” وفي أوبس تمردت قواته المقدونية بسبب شعورهم بالإهانة من تفضيل الإسكندر الواضح للمستشارين الفرس والثقافة الفارسية ، أعدم الإسكندر المسؤولين عن هذا التمرد وألقى خطابه الشهير لرجاله ، مذكرا إياهم بالأمجاد التي حققوها جميعا وفضله وفضل والده فيليب عليهم ،وأدى هذا الخطاب في النهاية إلى مصالحات عاطفية مع الجيش .
وفاة الإسكندر الأكبر
صدم الاسكندر بوفاة “باستيان” صديق الطفولة والرجل الأكثر ثقة به بسبب الحمى ، عانى الإسكندر من الحزن الشديد ورفض الأكل والشرب لأيام عدة ، كما أمر بفترة حداد عام في جميع أنحاء الإمبراطورية ، عاد الإسكندر إلى بابل وبدأ التخطيط لحملته العسكرية المقبلة في الجزيرة العربية وخارجها ، لكنه أصيب بحمى مفاجئة وتوفي بعد ذلك بأيام وعمره ثلاثة وثلاثين عاما ، سبب وفاة الإسكندر بقي غامضا لحد الآن .
توفي الإسكندر ولم يهزم في أي معركة في تاريخه ، وترك بعد وفاته أحد أكبر الإمبراطوريات على الإطلاق ، امتدت من اليونان إلى باكستان وحملته العسكرية التي بدأت من مملكة مقدونيا إلى أقصى الإمبراطورية الفارسيةستبقى خالدة في كتب التاريخ .