أغسطس قيصر صانع العصر الذهبي لروما | ولآخذ ثأر قيصر

ولد أغسطس المسمى عند ولادته “غايوس أوكتافيوس ثورينوس” في 23 من شتنبر العام 63 قبل الميلاد في مدينة روما، كان نحيف الجسم سقيم البنية يشكو من الأمراض العديدة ويتعثر في مشيته بسبب داء في ساقيه، ومع ذلك لم يثنيه بؤسه عن السير في منحى القدر ، فقد ولد وفي فمه ملعقة ذهب، حيث كان والده أكتوبر بيوس عضوا في عشيرة أوكتافيا الرومانية من فئة الفروسية، أما والدته أوكتافيان فهي أخت يوليوس قيصر، لم يكن والده أكتوبر جزءا من الطبقة الأرستقراطية في مجلس الشيوخ، لكنه صعد إلى مكانة ذات أهمية كبيرة في روما، وبعد وفاة أبيه سنة 59 قبل الميلاد انتهى به الأمر بأن يتربى في بيت جدته جوليا.

 وهذا قربه من عمه يوليوس قيصر رغم أن هذا الأخير لم ينبهر بالصبي إلا قليلا، إذ لم يكن أغسطس صاحب القوة الكبيرة كهيئة القادة العسكريين في تلك المرحلة، وكان مريضا لدرجة أن ظهوره بين الناس كان محرجا لعمه الأكبر لضعف هيئته ، فسافر أوكتافيوس إلى يوليان للتعلم فيها وحظي بالتدريب العسكري، ولكن لا أحد كان يعلم أنه سيكون القيصر في الزمن المستقبلي القريب.

أغسطس قنصل روما

 لاحظ يوليوس قيصر شغف أغسطس وإقدامه، فدفعه ذلك لتغيير وصيته بجعل أغسطس وريثه الأوحد، فعندما اغتيل قيصر في العام 44 قبل الميلاد، لعب أكتوبر دوره كخليفة سياسي ، في حين أن زمرة من أعضاء مجلس الشيوخ الروماني الذين اغتالوا القيصر كانوا يعتزمون استعادة الحكم الجمهوري، فسرعان ما أصيبوا بالإحباط في جهودهم وأجبرت عدة شخصيات مثل بروتوس على الفرار من روما بعد البيان الملتهب الذي قدمه مارك أنطوني في جنازة القيصر الذي شجب فيه المتعاملين وتم إدانتهم كخونة، من بين المرشحين المحتملين كان مارك أنتوني الذي كان يشغل منصب القنصل في ذاك الوقت، والذي كان في موقع قوة.

خصص أوكتافيوس مبلغ كبير من أمواله وسرق الجزية الهائلة التي وصلت من الدول العميلة لروما في الشرق البحر الأبيض المتوسط، فاستخدم هذه الأموال لرشوة اثنين من جحافل مارك أنتوني لمتابعته، وكذلك تجنيد الآلاف من أنصار القيصر السابقين في جميع أنحاء إيطاليا، وفي عام 43 قبل الميلاد طالب أغسطس بأن يكون القنصل بساعدة عدة جحافل، لتعويض من مات من القناصل الذين تم تعيينهم في ذاك العام، والذين ماتوا في الحملات العسكرية.

بهذا لم يواجه أي معارضة ونتيجة لذلك أصبح القنصل الوحيد الذي يتولى أهم منصب سياسي في الجمهورية في عمر 19 سنة ، فبرز على قدم المساواة مع “مارك أنتوني” و”ليبي ديوس”.

تقسيم السلطة

 أقر مجلس الشيوخ الروماني قانون ليكس، وهو قانون يقسم السلطة رسميا داخل الجمهورية الرومانية بين أغسطس ومارك أنتوني وليبي ديوس، فشكل الثلاثي الثاني كما أصبح معروفا ( الثلاثي الأول الذي كان اتفاقا غير رسمي بين يوليوس قيصر و’كراسوس’ و’مومباي’ للتعاون مع بعضهم البعض)، في حين أن الثلاثي الثاني اتفاق رسمي يحظى بدعم مجلس الشيوخ الروماني، وقسمت جمهورية فعليا إلى ثلاث مناطق نفوذ، أعطي ل أغسطس السيطرة على المنطقة المقابلة لتونس وليبيا في شمال أفريقيا وكذلك سردينيا وكرواتيا، وتم منح إسبانيا وجنوب بلاد الغال للقنصل ديوس، بينما سيطر مارك أنطوني على منطقة جبال الألب ومعظم بلاد الغال، وسيطر مجلس الشيوخ على روما نفسها وإيطاليا، في حين أن الكثير من الأراضي في الجمهورية في الشرق البحر الأبيض المتوسط قد سقطت في أيدي الأخرين مثل بروتوس وايس كاسيوس الذين اغتالوا يوليوس قيصر.

ونظرا لأن هذه الأراضي في الشرق كانت تشكل الأجزاء الأكثر ثراء من الإمبراطورية، شهدت السنوات الأولى من الحكم الثلاثي الثاني تصرف أغسطس ومارك أنتوني وليبي ديوس بشكل ودي مع بعضهم البعض، وبدأوا في تعزيز مواقفهم من خلال نبذ المعارضين السابقين للقيصر، وتم تجريمهم بموجبها القانون وبذلك حظر المواطنين الرومان الذين كانوا متعاطفين مع من اغتالوا قيصر وصودرت ممتلكاتهم ونبذ المئات من الأثرياء واستحوذ الثلاثة على ممتلكاتهم الضخمة والثروات التي سيستخدمونها لمكافأة أتباعهم وتقوية فصائلهم الخاصة.

اعلان الحرب على مغتالي قيصر

 بدأ الثلاثي عملية سحق أولئك الذين اغتالوا قيصر والذين سيطروا على الكثير من الأراضي في الامبراطورية خاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط، تولى أغسطس ومارك أنطوني زمام المبادرة وجلبوا ثمانية وعشرون فيلق عبر البحر الأدرياتيكي إلى اليونان، من هناك سار شمالا والتقوا بالقوات التي اغتالت قيصر بقيادة بروتوس وكاسياس بالقرب من فيليبي في مقدونيا، في الواقع كانت الخسائر في الاشتباك محدودة ولم يكن أي طرف هو المنتصر من الناحية العسكرية.

 لكن عندما تقلى كاسيوس معلومات كاذبة عن هزيمة قوات بروتوس، انتحر وفعل بروتوس نفس الشيء عندما علم بمصير كاسيوس الفعلي، بعد ذلك ظهرت الخلافات بين الثلاثي المتحالف لما تغير شكل القوة في الثلاثي الثاني بشكل كبير في أعقاب انتصار فيليبي.

تغير الخارطة السياسة بعد القضاء على الأعداء

 تم تهميش ليبي ديوس بسرعة على خلفية كاذبة زائفة اخترعها أغسطس ومارك أنتوني بأنه كان يقدم مساعدات سرا إلى ابنه بومبي الذي استولى على صقلية في أعقاب اغتيال يوليوس قيصر، بعد نبذ ليبي بهذه الطريقة اتفق أغسطس ومارك أنتوني على التقسيم الجديد للسلطة، حيث سيسيطر أغسطس بشكل فعال على الأجزاء الغربية من الجمهورية، ولا سيما إيطاليا والبرتغال وإسبانيا ومقاطعة شمال إفريقيا، في حين أن مارك أنتوني سيسيطر على منطقة الشرقية ومقاطعات مثل اليونان وسوريا، بالإضافة إلى ممارسة التأثير على العديد من الممالك العميلة في هذه المنطقة مثل مصر البطينية التي كانت تابعة فعليا لروما.

ولتعزيز هذا الاتفاق السياسي بين الاثنين تم التوصل إلى اتفاق تزوج أنطوني من أخت أغسطس في عام أربعين قبل الميلاد، وقد استمر هذا التحالف رغم عدم ارتياحهم لبعضهم لما يقارب عقدا من الزمان.

روما تواجه المجاعة

 وواحدة من أكثر مشاكل أغسطس بعد التقسيم الفعال للجمهورية بينه وبين أنطوني، كان وجود حفيد ليبي ديوس ابن بومباي في صقلية بعد استقراره بالقوة في الجزيرة التي كانت توجد مباشرة على طرق الشحن بين غرب وشرق البحر الأبيض المتوسط ، بعد أن بنى بحرية هائلة من خلال مهاجمة السفن المارة عبر الجزر من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى روما والاستيلاء عليها، تمكن ابن بومباي من التدخل في إمدادات الحبوب والمواد الغذائية الأخرى في روما.

كانت مدينة روما تعتمد بشكل كبير على مثل هذه الشحنات من مصر والدول الأخرى لإطعام سكانها المتضخمة وتقديم إعانات الخبز الشهيرة لمواطنيها، وبالتالي كان لا بد من القيام بشيء ما لإزالة ابن بومباي ساكس من صقلية، فبدأت الحرب بين أغسطس وابن بومباي ساكس فكانت الغلبة ل أغسطس فهرب ابن بومباي إلى الشرق، حيث تم القبض عليه في جزيرة ميليتو اليونانية وتم إعدامه في العام التالي، كما أدى انتهاء الحرب ضد ابن بومباي إلى مزيد من التفكك الثلاثي الثاني، كانت المواجهة بين أوكتافيوس ومارك أنطوني قد اقتربت من أي وقت مضى، بينما كان أكتوبر يتمتع بهذه النجاحات في الغرب، كان أنطوني يعاني من بعض المشاكل في الشرق في أواخر الأربعينيات قبل الميلاد.

غلط العمر لدى مارك أنتوني

 أقام أنطوني علاقة مع كليوباترا ملكة مصر البطينية التي كانت سابقا محبوبة يوليوس قيصر، بل وأنجبت له ابنا اسمه قيصر جوان جاء إلى قاعدته في مصر في أوائل الثلاثينيات قبل الميلاد، وكان حريصا على تجديد خطط قيصر السابقة لشن الحرب على الإمبراطورية الفارسية في بلاد ما بين النهرين، وهكذا في العام 36 قبل الميلاد بدأ غزوه بقوة هائلة لهذه المناطق، ومع ذلك سرعان ما تحول الغزو إلى كارثة دمرت الكثير من هذا الأخير، فاضطر الجنرال الروماني مارك أنطوني إلى التراجع نحو الأراضي الرومانية في سوريا، وتجاوز إحراجه جزئيا بغزو مملكة أرمينيا في 34 قبل الميلاد وتنصيب ابنه ألكسندر هيليوس ملكا لها.

 كان هذا هو السياق الذي استولى فيه أوكتافيوس على السلطة الكاملة للجمهورية، إن غياب أنطوني عن المدينة الخالدة وعلاقته بكليوباترا، وتفضيله الواضح للعاصمة المصرية الإسكندرية على روما والمحسوبية التي أظهرها تجاه أتباعه في الشرق، هذا ساعد أوكتافيوس وأغرقه بالادعاءات بأن أنطوني يرغب في الاستيلاء على السلطة في الجمهورية والبدء في بناء عالم جديد تكون مصر ومدينة الإسكندرية هي قلبته، كان أوكتافيوس متفائلا بشكل خاص في ادعاء ذلك لأنه كان غاضبا من إحراج أنطوني لأخته أكثر خاصة وأن أنطوني كان لا يزال متزوجا منها ، ورغم ذلك ربطته علاقة علنية مع كليوباترا في أواخر عام 32 قبل الميلاد.

أكبر حرب أهلية شهدتها روما

بعد الحملات التي قادها أوكتافيوس لتقويض أنتوني وافق مجلس الشيوخ في روما أخيرا على إلغاء سلطة أنطوني وإعلان الحرب على مصر ، فبدأت الحرب الأهلية الجديدة وفي الأشهر التي تلت ذلك حدث أكبر حشد عسكري رافق أي حرب أهلية رومانية، تم تجميع الأساطيل الضخمة ،  حيث أن هذه الحرب ستلعب دورا مهما في البحر الأبيض المتوسط كما على الأرض، وبحلول الصيف وجه كلا الجانبين جيوشهم نحو اليونان حيث سيكون هذا بمثابة المسرح الذي يوجد فيه الصراع.

 اشتبكت قوات أوكتافيوس ومارك أنطوني في البحر بالقرب من أكتون في اليونان في سنة 31 قبل الميلاد، في أعقاب أكتوبر تمكن أنطوني من الهروب إلى مصر فلحق به أوكتافيوس وبعد هزيمة الأخرى في الإسكندرية، سقط أنطوني على سيفه وانتحر أدى هذا إلى إنهاء الحرب الأهلية الأخيرة للجمهورية الرومانية، وقد تبعت كليوباترا عشيقها بعد تسعة أيام وقتلت نفسها بشرب السم، لم يكن أوكتافيوس يميل إلى إظهار الرحمة لمن نجا حيث تم إعدام كل من “قيصر روان” ابن كليوباترا وماركوس “أنطونيوس مارك” إبن مارك أنتوني، وأما مصر التي كانت الدولة العميلة لروما تم ضمها رسميا لتصبح أحدث مقاطعة في الجمهورية الرومانية.

غايوس أوكتافيوس ثورينوس ( أغسطس ) قائد روما في الخفاء

 لم يتحرك أوكتافيوس ليثبت نفسه على الفور كإمبراطور لروما على الرغم من أنه في نفس السلطة والنفوذ الذي كان بهما يوليوس قيصر بين 48 قبل الميلاد و 44 قبل الميلاد، غير أنه لم يرغب في ارتكاب الخطأ الذي ارتكبه عمه الأكبر المتمثل في المطالبة بالسلطة الديكتاتورية وعدم التنازل، بل وبدلا من ذلك شدد أوكتافيوس قبضته على الجيش وبدأ أيضا في تحويل ثروة الجمهورية إلى خزائنه الخاصة.

 تم التوصل إلى اتفاق مع مجلس الشيوخ يقضي بتقسيم السيطرة على المقاطعات الجمهورية بينهما، وبهذه الطريقة جاءته فكرة أنه يمكن أن يحكم الامبراطورية بموافقة مجلس الشيوخ بدلا من إغراقها بالطاعة كما حاول يوليوس قيصر.

انجازات أغسطس قيصر

 أخذ أوكتافيوس لقب عمه الأكبر كإسم جديد له وسيعرف باسم أغسطس قيصر، وأطلق على نفسه لقب الإمبراطور فسرعان ما شرع أغسطس في توسيع حدود الإمبراطورية في السنوات الأولى من الحكم، جاء هذا بسهولة تامة حيث تم ضم مصر بعد نهاية الحرب الأهلية، وتم تحويل مملكة الغلطة في وسط تركيا أيضا إلى مقاطعة الرومانية، كما نجح أغسطس في سحق القبائل المستقلة في شمال إسبانيا والتي قاومت الحكم الروماني لمدة قرنين من الزمن، كان الغزو النهائي لشبه الجزيرة الإيبيرية بحلول عام 29 قبل الميلاد مفيدا بشكل خاص، حيث تم اكتشاف رواسب الذهب الضخمة هناك مما أدى إلى المكاسب المالية غير المتوقعة لكل من أغسطس قيصر و الأرستقراطيين الرومان ، فشدد أغسطس قيصر على بسط السيطرة الرومانية على الممالك العميلة في الشرق الأدنى مثل مملكة يهودا اليهودية في العام 20 قبل الميلاد.

 تم التوصل إلى اتفاق مع الإمبراطورية الفارسية لإعادة العلاقة بين الامبراطوريتين التي فقدت في معركة كاري في 53 قبل الميلاد ، ومن أجل تحسين الإدارة العامة للإمبراطورية بدأ أغسطس مشروعا ضخما لبناء الطرق ونظاما من المحطات لتنقل بالخيول ولتقديم المعلومات بأقصى سرعة من وإلى المناطق الرومانية، لم يكن الملك لويس الرابع عشر بعد ما يقارب ألفين عام قادرا على إرسال رسول من باريس إلى روما أسرع مما يمكن أن يفعل أغسطس قيصر، وهذه الاصلاحات ساعدت في تضخم عدد سكان روما إلى ما يزيد عن مليون شخص، حيث أنشأ أول قوة شرطة متخصصة وخدمة الإطفاء، وقد امتد العصر الذهبي لأغسطس إلى ما بعد موته.

المعمار في عهد أغسطس

 كان مسؤولا عن تشييد العديد من المباني الأثرية الكبرى في وسط المدينة ولا سيما منتدى أغسطس الكامل وقوس أغسطس المنتصر، وينظر إلى عهد أغسطس عموما على أنه العصر الذهبي في الثقافة الرومانية وخاصة الأدب اللاتيني، فقد نشر شاعره “روس” قصائده ما بين 23 قبل الميلاد و 3 قبل الميلاد، بينما ألف أوفيد العديد من الأعمال الشهيرة مثل التحولات وهي قصة تجمع بين الأساطير الهيلينية والرومانية والتي تعنى بالحب وله مجلد في التقويم الروماني، كل ذلك في أواخر عهد أغسطس.

 وفاة أغسطس قيصر

 توفي القيصر أغسطس في العام 14 قبل الميلاد في 19 من أغسطس، وهو الشهر الذي سمي باسمه بعد شهر يوليو الذي سمي على اسم عمه الأكبر يوليوس قيصر، كانت كلماته الأخيرة “لقد وجدت روما مدينة من الطين، ولكنني تركتها مدينة من الرخام”.

ففي نهاية المطاف كان أوكتافيوس مظفرا منصورا حول روما من صخرة صماء إلى قطعة من المرمر الوضاء وخط اسمه بالأحمر القاني في معظم كتب التاريخ، أغسطس قيصر الإمبراطور الروماني الذي يعتبر رجل دولة وزعيما عسكريا حكم البلاد بقبضة من حديد، اعتبره التاريخ أحسن مستبد عادل، حيث جلب السلام والازدهار للجمهورية الذابلة التي كانت تحتضر لوقت طويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى