أفكار ابن سينا | كافر أم مؤمن

إذا تكلمنا عن مجال الفكر فهناك مرحلتان تاريخيتين ما قبل ابن سينا وما بعد ابن سينا ، ذلك أن إسهاماته في مجال الفلسفة والميتافيزيقا تفوق ما سبقه ، وكانت مصدر إعجاب وانبهار لمن جاء بعده وعندما أقول من قبله فهذا يشمل الجميع ، من فلاسفة اليونان القديمة إلى فلاسفة العصر الإسلامي ؛ نحن نتكلم عن الحضارة الإسلامية في أوج عظمتها حيث كانت الفلسفة تبحث وتدرس ولم تكن تعتبر محرمة أو تكفيرية مثلما هي النظرة اليوم .

عرف عن ابن سينا كثرة كتاباته التي تجاوزت الأربعمائة ، لكن للأسف لم تصلنا منها سوى مئتان وخمسون ، ولد ابن سينا بعد وفاة الفارابي بثلاثين سنة ، لكنه تعلم من كتاباته الكثير وخاصة في مجال الفلسفة اليونانية ، حيث وجد ابن سينا صعوبة بالغة في فهم منشورات أرسطو وأفلاطون ، ولولا أنه وجد بعضا من ترجمات وتعليقات الفارابي في المكتبة السمانية لا ترك هذا المجال نهائيا ، فاليوم يدين العالم إلى الفارابي الكثير لأنه كان أهم من ترجم مخطوطات القدماء ، ولولاه لكان كل الفكر اليوناني طي النسيان ، وسنأتي بعد قليل إلى بعض الاختلافات في فلسفة كل منهما.

وإذا تكلمنا عن الطب فإن كتاب ابن سينا القانون في الطب والذي صدر في خمسة أجزاء كان المصدر المعتمد في المدارس الشرقية والغربية لحين القرن الثامن عشر ، لأنه كان يراكم العلوم الطبية على مر العصور ولحد يومنا ، لكن على الرغم من اجتهاده في مجال الطب ، إلا أنه لم يجد فيه الكثير من التحدي العقلي ، فالفلسفة بالنسبة له كانت التجربة الأصعب وهي التي استغرقت منه أغلب وقته.

الأدلة على وجود الله حسب أفكار ابن سينا

جميع الباحثين اتفقوا سواء أكانوا فلاسفة أم أئمة عند علماء دين على وجوب أن لا تتناقض النظريات مع صفات الله تعالى ، ولأجل ذلك جاء كل منهم بوصف يحاول مصالحة ما يلاحظون في الكون والوجود مع ما جاء في القرآن والسيرة النبوية ، محاولة ابن سينا لإثبات وجود الخالق هي تتمة لأفكار عدد كبير من المفكرين الإسلاميين وغير الإسلاميين ، فهو لم يكن الأول ولا الأخير في هذا الصدد ، وقد حاول استخدام المنطق في استدراج القارئ واستخدام مبرهنة عقلية وكانت هذه المبرهنة حول جوهر الأشياء ، فقسم الجوهر إلى ثلاثة أمو تستحيل الحصول مثل مربع دائري مشروط بعامل آخر ، لا يوجد واجد لله أي لا حاجة لمن يصنعه لكونه هو الأول .

 النقطة الثانية الجوهر المشروع ، فعلى سبيل المثال فكر في نفسك للحظة من أين جئت بالطبع من زواج والديك ، لكن من أين جاء والداك؟ الجواب البديهي من زواج أجدادك وهكذا تتعاقب الأجيال لحين الوصول إلى الإنسان الأول الذي جاءت من صلبه كل البشرية ، الآن لدينا آدم من أين جاء؟ لابد من وجود خالق له ، وسؤال آخر أنظر إلى هاتفك وفكر في من صناعه ربما يكون إنسان أو روبوت ، لكن من صنع هذا الروبوت بالتأكيد هو إنسان .

 من أين جاء هذا الإنسان؟ نعم من زواج أبوي ، وهكذا لو أخذنا كل شيء على الأرض وفي هذا الكون ، فلا بد أن هناك سلسلة من المسببات والتي ستتوقف في نقطة معينة لا بد أن يكون هناك من هو خارج هذه المنظومة والذي صنع كل هذه السلسلة اللانهائية ، ويسترسل كثيرا في شرح فكرة وجوب الوجود في عامل خارجي ، وهذا يشمل كل المخلوقات والوجود بحد ذاته ، وهذه الصفة تنسب للخالق لكون كل شيء منسوب إليه ، ومن هنا يفسر لنا صفات الله تعالى من القوة والعلم والقدرة كانت هذه فكرته عن المادة.

محاولة اثبات وجود الروح

لمحاولة إثبات أن الروح معزول عن الجسد في سعيه لدحض نظرية أرسطو ، ابتكر ابن سينا هذه التجربة الفكرية إذ افترض أن الله خلق الإنسان ناضجا تاما من العدم في لمح البصر ، هذا الإنسان لم يمر بمرحلة الطفولة بل هو بالغ منذ اللحظة الأولى ، لنفترض أن أطرافه ممددة دون أن تلامس أحدها الأخرى لكي لا يكون هناك أية عازل حسي ، لنفترض عدم وجود ضوء يدخل عينيه وكذلك عدم وجود صوت من حوله يؤثر فيه بمعنى آخر جميع حواسه الخمسة لا تعمل ، وبالطبع لا يتذكر شيئا لأن عمره لا يتجاوز الثواني في هذه المرحلة ، في هذه المرحلة التي سيتمكن هذا الإنسان من إدراكه حسب رأي ابن سينا فإنه سيدرك نفسه لأن الوعي هو عنصر أساسي في التركيبة البشرية وهي ليست مادية ، هذه التجربة الفريدة لابن سينا هي لمحاولة دحض فكرة أرسطو والفلاسفة اليونانيين حول كون الوعي مادي وعدم وجود شيء روحي حول جوهر الإنسان.

 وعلى الرغم من أن هذه التجربة الفكرية لا تثبت الكثير، إلا أنها محاولة لوضع فرضيات حول معزل الجسد عن الروح ، لأن الإحساس بوجود الذات يأتي قبل الإحساس بوجود المادة ، في العصر الحديث فكرة ابن سينا هذه تعتبر أداة تفكير بضرورة عدم الاقتصار على الجانب المادي للأشياء بل توسيع أفق التفكير ، أعتقد شخصيا أن ابن سينا استوحى الكثير من نظرية الفارابي وسلفه أفلاطون ، وبالتأكيد قد تخطر على البال مقولة رينيه ديكارت أنا أفكر إذن أنا ، كان ابن سينا يريد أن يثبت وجود فصل بين ما هو مادي وما هو غير مادي ، أما ديكارت كان يحاول إزالة الشك من أصل الوجود ، وباختصار فإن ابن سينا أراد أن يثبت ثنائية الروح والمادة ، أما ديكارت فأراد أن يثبت ثنائية العقل .

الانتقادات

أما بالنسبة لعصرنا الحالي فإن الملحدين انتقدوا فكرة ابن سينا في وصف الكون بما يسمى مغالطة التركيب ، والذي يقول أن الصفات الجزئيات ليست بالضرورة أن تتشارك في صفات الكل ، فربما أن قطع السيارة جيدة لكن السيارة قد تخرج محجوبة وهكذا المادة والكواكب هي جزء من الكون ، لكن لا يشترط للكون أن تكون له نفس صفات أجزائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى