مختصر أفكار فيودور دوستويفسكي

من أحد أكثر المواضيع إثارة للانتباه التي ذكرها فيودور في كتابه رسائل من تحت الأرض حديثه عن اليوتوبيا العقلانية وكيف أن انعدام الإرادة الحرة تؤدي إلى اللاعقلانية الفطرية، ولا يؤكد بشكل قطعي أن جميع محاولات التحكم بالبشر بسبب الأهمية الأساسية للإرادة الحرة في البشرية جمعاء ستؤدي إلى الفشل، وأن النظرة العقلانية الحداثية العلمية هي إلى حد كبير مغالطة، في مقال سابق قدمنا نظرة عامة عن هذا الكتاب اضغط هنا لتقرأ المقال لكي لا تتوه، لكن اليوم سنناقش إحدى الجزئيات المهمة في طبيعة الإنسان المتمردة بالاضافة إلى اختصار شامل لأفكار فيودور دوستويفسكي.

 دوستويفسكي أجاد شرح الموضوع ولا أعتقد أن هناك الحاجة إلى الكثير من التأويل، لكن أقدم لكم النص أولا، يستطيع المرء أن يقول أي شيء عن البشر، أي شيء غريب يخطر على باله، لكن ما لا يمكن قوله هو أن الإنسان كائن عقلاني والكلمة نفسها عالقة في فم المرء، وبالفعل هذا هو الذي يحصل باستمرار، فبعد كل شيء يذكر التأريخ لنا عن أناس كانوا أخلاقيين عقلانيين حكماء ومحبي الإنسانية جعلوا هدفهم في الحياة أن يعيشوا بأسلوب أخلاقي وعقلاني قدر الإمكان، أرادوا أن يكونوا منارة لجيرانهم إن جاز التعبير، أخذوا على عاتقهم عبء رسالة أن لا يعيش على سجيته فقط لكي يظهر للأخرين أنه من الممكن حقا العيش بشكل أخلاقي وعقلاني في هذا العالم.

الانسان كائن ثوري

نعلم جميعا أن هؤلاء الأشخاص عاجلا أم أجلا كانوا يخدعون أنفسهم مع أواخر أيام حياتهم، لعب البعض منهم الحيل في كثير من الأحيان لإخفاء الحقيقة، الأن أسألك ما الذي يمكن أن يتوقعه المرء من الإنسان كونه مخلوقا يتمتع بمثل هذه الصفات الغريبة؟ أغدق على الإنسان بكل نعم الأرض وأغرق في النعيم حتى لا تتراقص سوى الفقاعات على سطح نعيمه أفض عليه بنعيم فيض البحر لدرجة أن لا يكون لديه شيء أخر ليعمل له سوى النوم وأكل الكعك والانشغال بضمان استمرار النسل.

 حتى في هذه الحالة فإن الرجل بدافع الجحود المطلق سيلعب عليك بعض الحيل البغيضة حتى أنه قد يخاطر بكعكة أتته ويرغب عن عمد في القمامة الأكثر فتكا قمامة السخافة الغير مجدية لكي يدخل عنصره الرائع في كل هذه العقلانية الإيجابية هي مجرد أحلامه وردية، حماقته المبتذلة التي سيرغب في الاحتفاظ بها ببساط ليثبت لنفسه كما لو كان ذلك أمرا ضروريا ليثبت أن الرجال ما زالوا رجالا وليسوا مفاتيح بيانو، والتي حتى لو تم الضغط عليها من خلال قوانين الطبيعة نفسها ليكون التحكم فيهم بشكل كامل.

أفكار فيودور دوستويفسكي

 بحيث لا يمكن للمرء تقريبا أن يرغب في شيء إلا بموافقة الساعة وبعد كل شيء، حتى لو لم يكن الإنسان حقا سوى مفتاح بيانو، حتى لو ثبت له ذلك من خلال العلوم الطبيعية والرياضيات، حتى حينها لن يصبح منطقيا، سوف يتعمد فعل شيء منحرف عن قصد بدافع الجحود المطلق، فقط لكي تكون له طريقته الخاصة، وإذا انقطعت به السبل سيتذكر الدمار والفوضى، سيجلب المعاناة بجميع أنواعها فقط لتكون له طريقته الخاصة، سيطلق اللعنة على العالم وبما أن الإنسان وحده هو الذي يستطيع أن يلعنه ستكون هذه اللعنة العلامة المميزة بين الإنسان والحيوان، ثم بعد كل شيء، ربما فقط من خلال لعنته سيصل إلى هدفه الذي يقنع نفسه حقا بأنه رجل وليس مفتاح بيانو.

 إذا قلت أن كل هذا أيضا محسوب وأن الفوضى والظلام واللعنات هي مجرد أساليب لضبط الإنسان ليتوقف كل ذلك ويعود العقل ليفرض نفسه، عندها سيصاب الإنسان عن قصد بالجنون من أجل التخلص من العقل، وله بها طريقته الخاصة، أنا أؤمن بذلك وأشدد عليه لأنه بعد كل شيء يبدو أن عمل الإنسان بأكمله لا يتألف من شيء سوى إثباته لنفسه باستمرار أنه رجل وليس جهاز.

الضغط يولد الانفجار | أفكار فيودور دوستويفسكي

 لا تهم طبيعة الضغط سواء كانت تأتي من حسن نية أم بقصد الأذى، إذا كان يصاحبه التغاضي عن جانب مهم من طبيعة الإنسان، سيصاب الإنسان حينها بالجنون عمدا للتخلص من العقل مع الاحتفاظ بالأشياء بطريقته الخاصة، الإنسان كائن متمرد وهذا يجب أن ندركه جيدا وإذا لاحظت الإشارات التي أكد عليها دوستويفسكي حول عدم جدوى المدينة الفاضلة، فإنها تقع توبيخا لأن الإنسان لا يمكن أن يكون عقلانيا مع نظرائه الأخرين، يمكنك القول أن دوستويفسكي تنبأ بالمستقبل غير البعيد للجنون الذي جاءت به الأنظمة الشمولية بعد بضعة عقود من وفاته، من الأهمية بمكان إدراك أن الإنسان لا يمكن أن يظل مفتاح بيانو في يوتوبيا افتراضية.

وان السياسيون يخلقون عدو وهمي لكي يستطيعوا اصال أفكارهم عوض الضغط على المجتمع لتقبل الفكرة في حد ذاتها، البعض من المفكرين المعاصرين اهتموا بتنسيب هذه الفكرة إلى هتلر، الذين ادعوا أنه رجل لديه السمات الجسدية والسلوكية لرجل تحت الأرض كشخص استخدم الاستياء كسياسة أو ما أسماه نيتشه انتقاما وهميا لخلق عالم من الفوضى والدمار، يعترف دوستويفسكي بلا عقلانية الإنسان والأهم من ذلك أن هناك خيطا رفيعا للغاية بمحاولة الإنسان تقييد طبيعته، فإنه قد يخلق ردة فعل كارثية، بذلك فإن الحالة الإنسانية الغريبة التي نحن عليها قد لا تنتج طوباوية تليها عقلانية، ولكن سلطوية بائسة التي تسترشد بالقوة التي ترغب في تحرير إرادة شيطانية مرعبة بداعي الإرادة الحرة من أجل الإرادة الحرة، والتي أوصلتنا لاحقا إلى حقيقة أن الإنسان ليس عقلانيا ولا يمكن تجميع أجزائه مثل أحجية لتشكيل السعادة الكاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى