الاختلافات التي طالت المفكرين المسلمين في العصور الوسطى
العرب قالوا قديما من وراء كل رجل عظيم أم ، نشأ الزبير بن العوام يتيما فكان من ورائه صفية فصنعت لنا منه بطلا ، نشأ البخاري يتيما ، نشأ الشافعي يتيما ، نشأ سفيان الثوري يتيما فكان من ورائهم أمهات صنعنا لنا منهم أئمة وعظماء ، وقد نشأت عدة اختلافات فكرية بين المفكرين المسلمين .
الاختلاف بين ابن سينا والفرابي | المفكرين المسلمين
فأساس التفكير الفارابي كان عن الفلسفة الأخلاقية ، أما ابن سينا فكان يبحث بشكل رئيسي عن الميتافيزيقيا ؛ الفارابي كان يعتقد أن أصل المعرفة العملية تأتي من العقل ، أما ابن سينا فكان يعتقد أن الأصلح في الدين ، كلاهما استمد فكرة تصنيف العلوم من المعلم الأول أرسطو ، والذي صنف العلوم إلى نظرية عملية ونفسية والعملية قسمها إلى أخلاقية سياسية منزلية ، كان لكل من الفارابي وابن سينا تصنيفاتهم الخاصة والتي تأتي من نظرتهم المختلفة للواقع ، فقد قسم الفارابي المعرفة إلى (الأخلاق-السياسة-الفقه-علم الكلام) أما بالنسبة لابن سينا فكان تصنيفه كالتالي : (تدبير النفس-التدبير-المنزل-تدبير المدن) والأخيرة بالأخص قسمها إلى قسمين ما يتعلق بالملك والحكم وما يتعلق بالنبوة والشريعة ، تجنب الفارابي المزج بين الفقه وعلم الكلام مع الفلسفة والسياسة ، وكذلك عرف الأخلاق على أنها فرع مستقل من الدين ، أما ابن سينا فكان يعتقد أن الدين هو أصل الفلسفة والأخلاق ، وهنا يبدأ الصراع بين المفكرين المسلمين .
الفلسفة لدى الفارابي تأتي من العقل التخيلي والنقاش أو الجدلية الدينية ، أما بالنسبة لابن سينا فمصدر الفلسفة وكذلك السياسة هو خلق تنزيل مدني ، وبينما كان الفارابي يعتقد أن الغايات من جميع العلوم يجب أن تكون واحدة وهي تحصيل السعادة ، كانت لابن سينا غايات مختلفة ، فكان يرى أن الغايات من الفلسفة النظرية هو الوصول إلى الحقيقة ، بينما الغاية من الفلسفة العملية هو الوصول إلى الخير ، على الرغم من كونهما من أتباع المدرسة فكرية متشابهة لكنهما يختلفان في القضايا المتعلقة بالعقل والروح .
الاختلاف بين ابن سينا وابن رشد | المفكرين المسلمين
فقد اعتقد بن رشد أن العقول متشابهة لكونها من الله والتي أرسلها إلينا عن طريق الروح ، وبهذا يرى ابن رشد أن المعرفة تصل إلينا من الله والروح شيء ليس ملكا شخصيا للإنسان على عكس جسده ، فعند موت الإنسان يتلاشى جسده والذي هو جانبه الشخصي ولكن روحه تبقى لأنها ليست له ، بالنسبة لابن سينا في هذا الصدد وكما هو موضح فإن المعرفة تأتي من الفطرة السليمة والتي تتطلب مستوى من الإدراك لفهم هذه الفطرة والأخيرة تختزلها الغريزة والتي تدفع به إلى تجنب الألم ، والغريزة هي التي تدفع بالإنسان إلى تجنب الألم والانجذاب إلى الجوانب الممتعة في الحياة ، وهذه الغريزة موجودة في الإنسان والحيوان ، وفوق هذه الغريزة نجد المخيلة الإنسانية والتي لا تتواجد في الحيوان .
هذه المخيلة تدمج الحواس مع الغريزة لكي تستنتج المستوى التالي من مراحل العقل ألا وهي التقريب حيث يقوم الإنسان بتقريب الأشياء وتقديرها وإيجاد الأفكار التجريدية منها ، وكل هذه المستويات تخزن في الذاكرة وهي المستوى الأعلى ، أما بالنسبة له فإن الذاكرة هي روحية وليست عقلية وهي كذلك تأتي من الله ، وهنا تجدر الإشارة إلى فكرة أننا نستمد المعلومات من البعد الآخر ، كانت ضمن أهم نظريات أفلاطون وأعتقد أن ابن رشد قد استند في نظريته عن الروح والذاكرة من أفلاطون.
المرحلة المعرفية لدى ابن سينا هي التمكن من استخدام كل هذه المستويات العقلية وتطبيقها للوصول إلى فهم الله تعالى وفهم الوجود والكون ، بالنسبة لابن سينا فإن الإنسان الذي لا يستخدم عقله فهو بعيد عن الله والتعبد والصلوات وحدها ليست كافية لبلوغ الإيمان الحقيقي ، فالعلاقة الحقيقية هي عقلية ، أما بالنسبة لابن رشد فهو كما وضح يعتقد أن العلاقة بين البشر والله روحية وهو الذي يرسل إلينا المعلومات والمعرفة وبالتالي يرسلوا إلينا الإيمان به.
اختلافات بين العلماء والغزالي
إن ابن سينا كان أكثر العلماء اتزانا ، أما الفارابي فكان لفكر أفلاطون التأثير الكبير عليه بالنسبة لابن رشد نظرته العملية لكل شيء تضعه ضمن الفكر الأسطوي ، ونظريته حول نشأة الكون والوجود أثارت عدة علامات تعجب حول مطابقة وصفه مع ما ورد في القرآن الكريم ، حاله كحال باقي الفلاسفة أكد على أزلية الكون أي ليست له بداية ولا نهاية ، أحد أشد منتقديه كان الإمام الغزالي والذي نشر كتاب تهافت الفلاسفة على أن ندرك أمرا مهما هنا ، وهو أنه انتقد ابن سينا في بعض النقاط ولم يرفض الفلسفة جملة وتفصيلا ، فهو كان من مؤيدي دراسة المنطق ولم يعارض شيئا مما ذكره ابن سينا.
اعتراضات الغزالي كانت في ثلاثة نقاط أولا سرمدية الكون فيما مضى تكلمت عن مشكلة ابن سينا في وصف إرادة الله في الخلق ، فقال الغزالي أن لابأس به أن تكون هناك نقطة معينة في الخلق لأن الله حر الإرادة ، فكر في شخص مخير بين امرأتين سيختار إحداهما على الأخرى إن كانت للإنسان حرية إرادة ، فلا بد أن لله حرية أعظم ، وقد كفر الغزالي ابن سينا على هذا الزعم (في يوم القيامة عند البعث سيشمل الروح فقط ولا يوجد إحياء الجسد) ، وقد تعددت اختلافات المفكرين المسلمين وهذا ما يعكس حجم الصراع الفكري في زمن أقل ما سيوصف به بعصر الأنوار لدى المسلمين .