التاريخ حسب فريدريك هيغل
قليلون تمكنوا من تغيير التاريخ فريدريك هيغل كان من هؤلاء القلة بشكل مباشر من خلال تأثيره على فكرة الوطنية الألمانية ، وبشكل غير مباشر عن طريق ابتداع نظام اجتماعي جديد من قبل أبرز طلابه كارل ماركس ، وما نعيشه اليوم من ظروف بخيرها وشرها ما هي إلا انعكاس لأفكاره ، حيث أن نظرته الثاقبة ودراسته للتاريخ بطريقة لم تكن مألوفة من قبل ، قد غيرت الهدف من دراسة التاريخ نفسه ، وأصبحت فلسفته لاحقا أداة بيد الكثيرين لكي يصنعوا منها أيديولوجيتهم الخاصة ، هو فيلسوف الفلاسفة إن صح التعبير لأن كل شيء كتبه كان بأسلوب تجريدي وضع لمن بعده المنهاج الذي يحملون عليه.
لا يوجد فكر صالح لكل زمان ومكان | هيغل
اتفق هيغل مع الفكر الرومانسي السائد آنذاك في أن الإنسان لا يستطيع أن يخرج من فكر زمانه ، وكل ما يؤثر بك ما هو إلا نتاج تأثير ثقافة المجتمع والتاريخ ، فأنت لا تستطيع أن تفكر مثل إنسان عاش قبل مئة سنة ولا مثل الذي سيأتي بعدك بمئة سنة ، لكن هيغل أضاف إلى هذه الفكرة قوله أن الزمن له تأثير على العلم والفلسفة كذلك ، لذلك وهذه جملة خطيرة لا تستطيع أن تضع قانونا أو تشريعا أو حتى فكرة تلائم كل الأزمان ، بل يجب أن تنحصر أفكارنا لكي نعالج مشاكل عصرنا ومع تقدم الزمن لا يمكن لأي فكرة مهما كانت صحيحة أن تلائم الأجيال اللاحقة ما لم تعدل أو تستبدل بأخرى .
وبالتالي يستنتج هيغل أنه لا توجد هناك حقيقة مطلقة بما أننا مقيدون بالزمن ، ولكي نفهم أنفسنا ومصدر أفكارنا فعلينا بدراسة التاريخ ، لكن هيغل يطرح سؤالا هل التاريخ أحداث عشوائية ؟ أم أن هناك نمطا فيه ؟ لأن التاريخ إذا كان عشوائيا فلا فائدة لنا من دراسته ، لكن هيغل يعتقد أن هناك نمطا يكرر نفسه عبر الزمن ، فبعد دراسته والتمعن فيه الجيد من الممكن إيجاد ما يسمى بقانون التطور التاريخي ، هيغل عزم على نفسه اكتشاف هذا القانون والإجابة على السؤال ما الذي يتسبب بالتغيير .
نظرة فريدريك هيغل للتاريخ
ربما نحتاج أن نضع في بالنا طريقة نظرة فريدريك للتاريخ ، كل مرحلة تاريخية هي النتاج المنطقي للمرحلة التي سبقتها ، لكن وعلى عكس ما اعتدنا عليه ، التاريخ لا يعيد نفسه حسب الحقيقة وحتى الأحداث التي تكررت فهي لم تكن مركز اهتماماته بل اعتقد أن كل جيل مميزا عن سابقه ، التغيير حسب هيغل يأتي من المفاهيم الجوهرية للمجتمع ، أعطيكم مثالا من التاريخ وهو موضوع بحث هيغل بتمعن السياسة وكيفية تأثيرها على تركيبة المجتمع ، في البداية كان هناك اللاقانون كل يفعل ما تهوى نفسه ، ما يتطلبه الأمر فقط أن تكون قويا أو أن تكون لك قبيلة لكي لا يحاسبك أحد ، في المرحلة الثانية هناك فرض السلطة أو القانون عن طريق التسلسل الهرمي ، حيث وضع مسؤول عن القرية ومسؤول عن المدينة ومسؤول عن مقاطعة وهكذا ، أما المرحلة الثالثة حسب هيغل هي ما سماها سيادة القانون ، معنى أن القوانين هي الكلمة الفصل في المجتمع.
هذه المراحل المتعاقبة الثلاثة اللا قانون الهرمية وسلطة القانون لن تحصل من العبث ، بل هي ترجمة للمفهوم الجوهري للرغبة في الحرية وهذا هو تفسير الجملة السابقة التي لم نفهمها قبل قليل ، لم تصل الفكرة بعد حسنا ، إليكم مفهوم الحرية ما هي الحرية ؟ الإجابة البسيطة هي أن تفعل ما يحلو لك ، أعطيكم هذا المثال لكي أوفر لنفسي طعاما علي أن أزرع الأرض في الربيع والصيف والخريف لكي أؤمن لنفسي وعائلتي الطعام بفترة الشتاء ، فجأة وفي الشتاء تأتي مجموعة من المجرمين يهددوني ويفرضون علي اعطائهم الطعام الذي أجهدت نفسي لتأمينه ، ما هي نتيجة هذا الفعل؟ بالتأكيد لن أزرع في السنة القادمة ، لماذا أزرع لكي يأخذه غيري دون تعب؟ هذه ليست الحرية المنشودة ما دام هناك اغتصاب للحقوق من قبل أي شخص ، هذه حرية فردية على حساب الآخرين .
الحرية هي القانون
بالعكس يذهب هيغل إلى وصف هذه المرحلة باللا حرية أي حرية من الظاهر ، لكنها ليست حقيقية لذلك تكون لدينا الحاجة إلى مرحلة جديدة مضادة للحد من نطاق التناقضات ، فبدلا من اللا قانون السائد في المرحلة السابقة ، هناك التطبيق الصارم للقوانين لأنها حرية من نوع آخر ، لا أحد يمكنه أخذ قوتي بعد الآن لذلك سأستطيع أن أزرع أرضي ، أستطيع أن أشتري منزلا وأنا واثق من أن لا أحد يمكنه سلبه مني ، يشترط بالطبع أن يكون للقانون يدا لتطبيقه مثل الشرطة والقضاء وليس فقط حبرا على ورق ، لكن هناك لا حرية في هذه المرحلة أيضا ، بسبب هرمية السلطة ؛ فإذا أراد مني الحاكم أن أعطيه قسما من محاصيل أرضي علي أن أرضخ له ، هو يقدم للقوم حمايته بينما يستغلهم بطريقة أخرى .
الحاكم الذي منحني الحرية بقوة القانون أصبح يسلبها مني بطرق أخرى ، لذلك الفكر المضاد في هذه المرحلة أصبح أيضا متناقضا في حد ذاته ، والتاريخ سيفرض نفسه مرة أخرى لعلاج هذا التناقض ، بالعودة إلى مثالنا الذي طال شرحه المرحلة الأولى هي أنني أمتلك حق المصيره المرحلة الثانية هي أن القانون يحميني المرحلة الثالثة هي العصر الحديث حيث الحرية المنظمة بالقوانين .
الأحداث الراهنة تفهمه الأجيال القادمة
لكل أمة طموح تسوقها وهي تتمثل في تطلعاتها فإن كانت الأمة تتطلع إلى الحرية ، فإن الأخيرة هي التي تسوق التاريخ أعتقد أن مصطلح الجيش يمثل البعد الميتافيزيقي للهجوم ، للتوضيح أكثر الصراع في زماننا هذا لن نفهمه نحن لكن الأجيال اللاحقة ستفهمه عن طريق دراست ما مررنا به ، إن التاريخ عبارة عن تقدم من جهل إلى معرفة أي أن التوجه العام هو إلى العقلانية ، لم يؤمن هيكل بفكرة الكمال في البشر ، أي أنه مهما حصل من تقدم وتحضر لن نصل إلى مرحلة المدينة الفاضلة ، لاحظ هذا عند عصر الثورة الفرنسية ، حيث وجد أن عقلنة كل شيء أمر مستحيل بل هو جنون ، وهو ما أدى إلى فشل الثورة في عدة جوانب مهما كانت النتيجة.
اعتقد هيغل أنه مهما تمكنا من فهم التاريخ والطبيعة البشرية ، فإن التنبؤ بالمستقبل هو شبه مستحيل تستطيع أن تضع بعض التخمينات ، لكنك لن تتمكن أبدا من تصور ما سيؤول إليه التاريخ بالشكل الدقيق ، ما تكلم عنه هيجل يسمى بالجدلية أو جدلية هيغل ، لكن المثير للاستغراب هو أنه لم يعطي اسما لهذه الفكرة ولا لهذه المنهجية عبر المراحل الثلاثة ، بل هي أسماء جاء بها مفكرون من بعده وهنا تحوم شكوك حول ما أراد هيغل إيصاله من جهة ، وما حاول طلابه فهم كتاباته وطرحه من جهة أخرى ، وكيف أن هناك انقساما في المفكرين اللاحقين حوله ، في هذه المرحلة نجد اختلافا كبيرا في الآراء . هناك الهيكلية اليمينية واليسارية فمن يدرس هيغل لوحده سيدرك أن منهجه كان الغرض مه هو مفهوم الحرية في النظام السائد في بلاده المملكة البروسية اللوثرية ، أي أنه كان فاشيا إلى حد ما.
لكن المعاصرون يتكلمون على أن جدلية هيجل كانت النتيجة المنطقية والحتمية للديمقراطية .