المراهقة بين البلوغ والتحديات | نظرة إسلامية

المراهقة هو كيان جديد في الثقافة الاسلامية على عكس البلوغ، حيث تم اشتقاق مصطلح المراهقة منذ القرن 13م، لكن لم يعرف اهتماما كبيرا إلا في القرن 20، وتهم المراهقة كل الجوانب السيكولوجية الناتجة عن النمو الذي يرافقه تحولات جسدية وفيزيولوجية ترتبط بالتطور، فالمراهقة هي نتاج البلوغ أو الحصيلة بعد حصول الاندماج بين النمو الجسدي والسيكولوجي، ولعل ما كان متداولا في التاريخ الاسلامي هو البلوغ وليس المراهقة، والبلوغ هو نمو وتطور ومرحلة انتقالية من الطفولة إلى المراهقة والنضج، أي أن البلوغ هو نمو وتطور الجوانب الفيزيقية والفيزيولوجية والجسدية، وبصيغة أخرى نمو لأعضاء الجسم وتطور وظائفها، على عكس المراهقة التي تعنى بالتطورات السيكولوجية التي تحدث للطفل، إذن فالبلوغ هو تطور عضوي والمراهقة هو تطور وظيفي.
ولعل ما يميز فترة البلوغ هو ظهور عدة سمات ذكورية للذكر كبروز الشعر في الوجه والبطي … وتغير نبرة الصوت لتصبح خشنة وغيرها من التغيرات، في حين أن المراهقة تتميز بتغيرات نفسية يبحث فيها المراهق عن الاستقلالية وابراز الذات، كما تتميز بالانجذاب والتمايز الذي يحدث بين الجنسين أو الشعور بالاختلاف، ففي المراهقة تبدأ بداية جديدة في العلاقات وحدوث انفصالات “الابتعاد عن التبعية المطلقة لأوامر الوالدين” ويبدأ المراهق بمقارنة نفسه بالأخرين واستعراض مفاتنه وأوجه قوته.
ولعل الاكتشافات العلمية جعلت من دراسة مرحلة المراهقة أكثر منطقية خاصة بعد الاسهامات الجليلة في التحليل النفسي مع فرويد والسيكولوجيا التطور مع بياجي وسيكو سوسيولوجيا مع إريكسون، لكن المشكل يكمن في كونية المراهقة رغم اختلاف الثقافات والأيديولوجيات وحتى المجالات وأنماط العيش، فمثلا توافق المراهقة في أوربا وأمريكا الشمالية تمرد المراهق ويبحث عن التحرر من سلطة الأسرة، وأما في أفريقيا فتوافق فترة المراهقة قيام الذكر بالصيد في الغابة في ظروف قاسية، وبخصوص الاناث فتلازمن كوخ بصحبة نساء مسنات قصد تعلم أشياء تتعلق بوضعهن الجديد، وأما العالم الاسلامي فتكون التجربة مؤلمة حيث تزيد العديد من الالتزامات على الطفل وفي نفس الوقت يحرم من الحب والحنان والاهتمام والعاطفية التي كان يتلقاها في فترة الطفولة.
المشاكل التي تواجه المراهق في عالمنا الاسلامي
أول مشكلة قد تواجه المراهق في العالم بشكل عام هو عندما لا يواكب النمو السيكولوجي النمو الفيزيولوجي أو العكس، مما ينتج عنه عدة مشاكل في توافق المراهق مع محيطه الذي اما يراه بعين الشفقة أو الاحتقار، فقد يتعرض المراهق الذي يملك هيكلا طفوليا بعقل مراهق للتنمر من أقرانه وممكن الجيران والعائلة، والعكس قد ينظر للمراهق الذي يملك جسدا كبيرا وعقلا طفوليا إلى التهكم والاحتقار وغيرها.
وأما في عالمنا الاسلامي فالمراهق عبارة عن آلية يبرمجها المجتمع، حيث لا يتوفرون على قدرة المجابهة ولا ردة فعل، فالمراهق ينظر له أنه لا يتحمل المسؤولية، كما أنه يعاني من تباين نظرة المؤسسات ” المدرسة، الاعلام، المجتمع، الاقتصاد والسياسة…” ، كما يوجد مبالغة في قدرة المؤسسات التربوية على تصحيح الاعوجاج داخل المجتمع، وافعال عملية التفاعل بين المؤسسات.
ولا ننسى أن عدم تكافؤ الفرص بين طبقات المجتمع والجنسين والمجالات، ولعل ما يميز الطبقات الهشة هو الانقطاع عن الدراسة وأمية الأبوين والظروف الاقتصادية السيئة، مما تخلق مراهقا يعيش عدة مشاكل نفسية واجتماعية بل إنسانا قابلا للانحراف، والأخطر من ذلك فالمدرسة تعمل على تكريس هذه الفوارق وتعيد انتاج ثقافة الفئة المهيمنة على المشهد الاقتصادي وممكن السياسي، كما يغيب على المراهق القدرة على التمتع والتعبير الحركي ويعيش نوعا من التغريب في مجاله.
بالإضافة إلى كل هذه المشاكل فالمراهق يعامل كالناضج تارة وكالطفل تارة أخرى، مما يجعله يلجأ إلى الشارع لإيجاد علاقات مع أقرانه، لكون جو الأسرة مرتبط بالواجب والأوامر والنواهي، كما أن المخططون للمجال “تخطيط التهيئة” لا يراعون لمسألة توفير المساحات المخصصة للأطفال والمراهقين، والأسر هي الأخرى تعتبر آلية اللعب مضيعة للوقت رغم أنها تعبير عن الميولات، بالإضافة إلى ذلك التأثير السلبي لوسائل التواصل والاعلام الذي تتميز بالعشوائية ولا تحكمها ضوابط عكس المدرسة، مما يخلق لنا أطفالا ومراهقين غير متزنين وغير قادرين على الاندماج.
خطر العنف على الطفل والمراهق | المراهقة
– عندما يضرب الطفل أو المراهق عند ارتكابه خطأ ما، فهو يعتقد أنه قد أدى ثمن خطأه ويكرر الخطأ نفسه.
– عندما يتعرض الطفل والمراهق لعنف مستمر تصبح شخصيته مضطربة، رغم ما سيحققه من مراتب عليا من الناحية المادية والمكانة الاجتماعية
– العنف له تأثير فوري لكنه يجعل الطفل يطور طرق اخفاء الخطأ.
– استعمال العنف ضد الطفل أو المراهق يجعله يؤمن أن الحق للأقوى
– تخويف الأطفال من الطبيب والشرطي والمدرس رغم وظائفهم الانسانية، يجعلهم يكونون تمثلات خاطئة على العالم الذي يعيشون فيه، هذا سيؤدي إلى كرههم للدراسة وللأمن وانعدام ثقافة كشف الأمراض منذ بدايتها …
– تربية الأبناء على الخوف يؤدي إلى ضعف الثقة في النفس وقد يؤدي بهم إلى العزلة والتردد، كما أن اكتشاف المراهق أن تخويف والديه مجرد كذب تهتز صورتهم أمامه.