كتاب الإخوة كارامازوف أخر أعمال دوستويفسكي
نشر كتاب الإخوة كارامازوف قبل عام من وفاة دوستويفسكي سنة 1881، وهي الرواية الأطول والأعمق حيث أن طولها يقارب ضعف طول أعماله الأخرى، والقصة تدور حول جريمة قتل تبحث في قضايا مهمة وعميقة مثل الأخلاق والإيمان بالله والإرادة الحرة والبراءة والمكر وعلم النفس، تألق دوستويفسكي لا مثيل له في الكتابة حيث مزج بين موضوعات غير متوافقة في سرد جميل وأنيق، وهو بلا شك أعظم إبداعاته.
ملخص كتاب الإخوة كارامازوف
قبل مناقشة الأفكار الرئيسية لرواية الإخوة كارامازوف دعوني أقدم لكم أولا ملخصا للقصة
عائلة كارامازوف عائلة مضطربة من طبقة الأثرياء في روسيا في القرن 19م الأب هو فيودور كارامازوف، ولديه ثلاثة أولاد من زوجتين، لديه أيضا ابن رابع غير شرعي سيكون مهما لاحقا، فيودور كارامازوف ليس أفضل أب ، حيث يفضل الاستمتاع بالحياة بدلا من رعاية أبنائه فلسفته هي أن الحياة قصيرة وعليه الاستمتاع بها إلى أقصى حد، ونتيجة لوجود أب غير مكترث وافتقار الأم في حياتهم، الأبناء الثلاثة أصبحوا مختلفين للغاية مع وجهات نظر بعضهم.
الابن الأكبر هو ديميتري وهو أكثر شبها بوالده فهو يحب الخمر والنساء، لذلك عندما يكبر يطلب من والده نصيبا من الثروة حتى يتمكن من الزواج، يحصل صراع بين الأب والابن الأكبر ودراما الرواية تتمحور حول هذه العلاقة.
ابنه الثاني إيفان مفكر يتساءل عن سبب وجود الكثير من المعاناة في هذا العالم، لذلك يستنتج أن القدر لا وجود له وإلا فإنه لم يكن ليسمح بالكثير من المعاناة أو أن القدر غير كفوء وغير رحيم لكي يسمح لأطفال أبرياء بالموت.
ابنه الثالث الأصغر اليوت هو بطل الرواية، فتى متدين طيب القلب يقضي الكثير من الوقت في الكنيسة مع كاهن عجوز .
رب الأسرة فيودور كارامازوف لديه أيضا ابن رابع اسمه بافيل ياكوف، الذي يعمل كخادم في الأسرة ليس نبيها وذو قدرات محدودة يتأثر بسهولة.
هناك العديد من الشخصيات في رواية الإخوة كارامازوف لكن الأب وأبنائه الأربعة هم الشخصيات الرئيسية في القصة، هناك أيضا امرأتان في القصة “رشا” و”كاتيا” مرتبطتان بشكل رومانسي مع ديمتري، تدور الحبكة الرئيسية للرواية حول المال على وجه التحديد ووراثة الثروة.
أحداث الرواية الرئيسية
حيث يطالب الابن الأكبر ديمتري بنصيب من أموال والده حتى يتمكن من الزواج من خطيبته، لكن والده فيودور يرفض ذلك لأنه لاحقا يتضح أن الأب وابنه لهما علاقة بنفس المرأة وهي من جانبها تحرض أحدهما ضد الأخر وتستمتع بمشاهدتهما وهما يمزقون بعضهما البعض يتضح أنها خدعت هي الأخرى من قبل من رجال أخرين وهذا هو انتقامها من الرجال، لكنها تشعر بالغيرة أيضا عندما يتعامل ديمتري مع كاتيا الفتاة الأخرى في الرواية، ثم لدينا بعض التحولات الطويلة جدا في الرواية التي يخبرنا فيها دوستويفسكي بقصص منفصلة، في الواقع كتب دوستويفسكي هذه القصص في فترات مختلفة من حياته، ثم جمعها معا هنا لأنه كان يعلم أنها ستكون روايته الأخيرة.
سئم ديمتري من التعامل مع والده ويقرر الهرب مع روشا، لكنها اختفت هنا يشعر ديمتري بالذعر معتقدا أنها ربما اختارت والده بدلا منه، الأب كان لديه المال بينما كان ديمتري مفلسا يذهب إلى منزل والده بمطرقة كسلاح لمهاجمته، يلعب دوستويفسكي هنا خدعة حيث تتوقف القصة فجأة، لذلك في المرة التالية التي نرى فيها ديمتري يهاجم خادما يحاول منعه من الفرار من المنزل، كما يتهم الخادم بقتل والده فيودور كارامازوف، سرعان ما اعتقلت الشرطة ديمتري واتهمته بالقتل بناء على شاهد عيان رأوه يفر من المنزل ومطرقة في يده، لكن الدليل القاطع هو أن الكثير من المال مفقود وأن ديمتري فجأة لديه كومة ضخمة من النقود يحاول أن يشرح أن هذه الأموال تخص خطيبته التي اختفت فجأة ، لكن الشرطة لم تكن مقتنعة.
انتحار
من ناحية أخرى لدينا الملحد إيفان الذي يصور على أن له تأثير سلبي على من حوله وعلى وجه الخصوص أخوه اللقيط “بافيل ياكوف” الذي اعترف ل إيفان أنه قتل والده بالفعل وسرق المال، لذلك تبين أن ديمتري بريء. إيفان يسأل بافيل لماذا قتل والده؟ يقول لأنه أخبره في وقت سابق إذا لم يكن الله موجودا فإن كل شيء سيكون مباحا، لذلك فإن إيفان متورط أيضا في قتل والده هنا نرى إيفان يتحول إلى “راس نيكوس” بطل رواية الجريمة والعقاب، ويصبح مرعوبا وهذا لأنه يعلم في أعماقه أن يداه تلطخت بدماء أبيه أيضا من خلال التأثير على ” ياكوف” على أنه لا يوجد إله وأن كل شيء مسموح.
في النهاية ينتحر بافيل الأمر الذي أراح إيفان لعدم وجود دليل يربطه بجريمة القتل، لكنه لم ينج من تأنيب الضمير، تمت محاكمة ديمتري وزوجته المحاكمة برمتها تصف سوء واستياء المتورطين، يوضح دوستويفسكي كيف أن البشر غير عقلانيين عندما يتعلق الأمر بنظام العدالة، الأمر لا يتعلق بالعدالة بل بالانتقام، نظام العدالة فاسد أيضا لأنه يرسل رجلا بريئا إلى السجن، حكم على ديمتري بالسجن عشرين عاما مع الأشغال الشاقة في سيبيريا كانت لديه خطة للهرب إلى أميركا، ثم يعود بعد سنوات إلى روسيا تحت اسم مستعار، لكن يبدو أن هذه الخطط لم تسر على ما يرام.
إليوت
استمر إليوت الابن الثالث بنشر المحبة باسم الدين، إيفان الملحد يصاب بالجنون ونهايته أصبحت في المصحة العقلية كخلاصة سريعة للقصة، قتل الأب فيودور كارامازوف الثري الباحث عن المتعة، أدين ابنه الأكبر ديمتري أيضا طالب المتعة على الرغم من حقيقة أنه بريء، يظهر دوستويفسكي هنا أننا نعاني بغض النظر عما إذا كنا مذنبين أم لا، لأن الحياة يعيش فيها الفقراء في جميع أنحاء العالم في ظروف مروعة ليس بسبب ذنبهم.
ابنه الثاني إيفان الملحد العقلاني يصاب بالجنون، المفارقة هنا ابنه اللقيط بافيل القاتل الحقيقي ينتحر، بالنسبة ل دوستويفسكي فإن المذنب الحقيقي هو إيفان الملحد، لأنه أثر على بافيل بأن أي شيء مسموح به بما في ذلك القتل، ابنه الصغير ليوت بطل الرواية نشر رسالته الدينية عن المحبة أراد دوستويفسكي أن يظهره كقارئ مثالي لأنه شاب بريء نشأ على الفطرة حيث يشاهد تصادم الأيديولوجيات والنظريات المختلفة حتى يتمكن من تعلم كيف يعيش حياته، واستنتج أن تحب الجميع بغض النظر عما إذا كنت مذنبا أو بريئا فقيرا أو غنيا سيئا أم جيدا.
ثلاثة قصص جانبية
هناك ثلاثة قصص جانبية تستحق أن أذكرها في هذا المقطع وهي الصبي الصغير ووفاة الأب ‘ زو سمة ‘ وقصة كبير المفتشين، تدور
الصبي الصغير
الحبكة الفرعية الأولى حول صبي صغير تعرض للتنمر من قبل أقرانه، ثم لاحقا مات بسبب الإذلال الذي تسبب فيه ديمتري كارامازوف بمهاجمة والده، في نهاية الرواية يحضر الأطفال الصغار الذين مارسوا التنمر عليه جنازته الصغيرة للتعبير عن الندم، يوضح هذا أنه بغض النظر عن مدى صغر فعل التنمر أو حتى الكلمات المهينة يمكن أن تكون له عواقب وخيمة في حياة شخص ما، يجب على المرء أن يتحمل المسؤولية عن أفعاله مهما بدت بسيطة.
الأب “زو سمة”
الحبكة الثانية هي قصة الأب “زو سمة” الذي كان شابا متمردا، ولكن لاحقا يقرر اتخاذ منحى ديني في الفصول الأخيرة من الرواية، عندما يموت يتوقع أتباعه أن لا يتحلل جسده، ولكن سرعان ما تبدأ تنبعث رائحة مروعة للغاية من جثته وهذا هز ليس إيمانهم وقداسته فقط، ولكن الإيمان الديني ككل، لا أحد صدم بهذه الحقيقة الدنيوية مثل تلميذه “إيليوت كارامازوف”.
قصة المفتش الكبير
أما قصة المفتش الكبير فهي إحدى أهم القصص على الإطلاق، وهي تطغى أحيانا على الحبكة الأساسية وهي قصة نزول نبي الله عيسى عليه السلام في أخر الزمان، كبير المفتشين هي قصيدة ألقاها إيفان على يليوت التي تصف عودة السيد المسيح الموعودة إلى الأرض، ويحصل أنه نزل في إسبانيا في القرن 16م عندما كانت الكنيسة الكاثوليكية في أوج قوتها، ما يحصل أن المسيح يظهر معجزاته التي عرف بها، فقد أعاد لرجل عجوز بصره وأحيا فتاة صغيرة بعد موتها، وكما هو المعتاد فإن عوام الناس في السوق تجمعوا حوله يقبلوه تبركا به.
حضر كاردينال المدينة ومعه عددا من الحراس، لكن على عكس المتوقع بدلا من أن يقدم احترامه لزعيم ومؤسس دينه، يأمر حراسه بإلقاء القبض عليه وزجه في السجن، وعندما حل الليل دخل عليه الكاردينال في زنزانته، ليسأله أهذا أنت؟ أنت بنفسك؟ وعندما لا يتلقى جوابا يسكت، وما عساك أن تقوله على أية حال فأنا أعلم جيدا ما تريد قوله ولا يحق لك إضافة أي شيء إلى ما سبق أن قلته في الماضي، فلماذا تأتي إذن اليوم لعرقلة؟ وأنت تعلم ذلك، ولكن أتعلم ما الذي سيحصل؟ فإني لست متأكدا فيما إذا كنت هو حقا أو مجرد طيفه غير أني أحكم عليك غدا بالإعدام وكساحر وستحق على الخشبة مثلما حرقوا الهراطقة ويقصد المسلمين في الأندلس.
سيعرف غدا الناس الذين كانوا يقبلون قدميك اليوم بشر بسيط، يطلق المفتش توبيخا شديدا على المسيح قائلا أنه كان مخطئا في حق البشرية، وأنه هناك الكثير من الأخطاء التي ارتكبها وأن الإنسانية ليست مستعدة له على أية حال، يعتقد كلاهما أنهما إنسانيين ولديهما مصالح الإنسانية الفضلى على الرغم من أن أحدهما يمارس شكلا صامتا من الحب للبشرية بينما الثاني يأخذ منهج منطقي لخدمة البشرية.
عيوب المسيح
فكرة كبير المفتشين أن للمسيح العديد من العيوب وتظهر بشكل خاص من خلال قصة الإغراءات الثلاثة التي وردت في العهد الجديد لكيفية تقديم الشيطان للمسيح ثلاثة إغراءات من الخبز والقوة والسلطة، وهذه الاختبارات التي نجح المسيح في تخطيها لكونه قوي العزيمة قال عنها المفتش الكبير أنها عيوب كان يجب عليه قبولها، ولكنه برفضها فقد ضمن أن يبتلى البشر بالإرادة الحرة على عكس الفوائد التي كانت ستوفرها هذه الإغراءات، فإن الإرادة الحرة حسب زعمه ليست شيئا نرغب فيه، وفي الواقع ينص على أنه لا يوجد شيء أكثر صعوبة من أي وقت مضى للإنسان من الحرية، ولذا فإن اختيار المسيح لرفض هذه الإغراءات كان خطئا.
التجربة الأولى
تجربة الجوع حيث كان المسيح صائما لمدة أربعين يوما في ترحاله في الصحراء بين القدس وأريحا، يغريه الشيطان بإخباره أنه إذا كان صاحب معجزات فل يحول الحجارة لتصبح أرغفة خبز يرفض المسيح ويرد قائلا أن الإنسان لا يحيا بالخبز بل بكلمة الله، يقول المفتش أن المسيح كان يجب أن يأخذ الخبز وبالتالي يضمن حرية الإنسان من الجوع بدل من حرية الاختيار، يشرح أن المسيح حرر الأقوياء فقط القلة المختارة الذين هم أقوياء بما يكفي بازدراء الملذات الأرضية، وترك بقية البشر في صراع معذب ليس لديهم القوة للتغلب عليه، لأن غالبية البشر لا يملكون القوة للحفاظ على إيمانهم في خضم الجوع المدقع والفقر، ويخلص إلى أن هذه كانت فرصة رائعة لتطهير العالم من المعاناة التي لا داعي لها للمزارع الجائع وعائلته، ولأنواع الجفاف وللأطفال المشردين الذين يعيشون في الشوارع لأولئك الذين شردتهم الحرب وليس لديهم مكان للعيش فيه ولا طعام يأكلونه وما إلى ذلك.
التجربة الثانية
يأخذ الشيطان يسوع إلى مكان مرتفع إلى قمة هيكل ويخبره أنه إذا كان مؤمنا بالله فاليقفز من الأعلى لكي يأمر الله الملائكة أن تنقذه، ولكن المسيح رفض أداء معجزة تظهره ككائن خارق للطبيعة، وكان هذا بحسب المفتش الكبير خطأ فادح لأن الناس بحاجة لرؤية معجزة ليكونوا راضين عن عقيدتهم الدينية، بل وحتى قال أن الناس يعبدون المعجزة أكثر من عبادتهم لله، لأن البشر لا يفضلون ما هو بشري أو أرضي وقد رفض المسيح إظهار أي قدرة خارقة في هذه اللحظة، يقول كبير المفتشين أنه كان يجب على المسيح أن يفهم هذا الخلل المتأصل في الجنس البشري وأن يصنع المعجزات.
التجربة الثالثة
كانت التجربة الأخيرة هي أن الشيطان يأخذ اليسوع إلى مكان مرتفع، حيث يتمكن من رؤية جميع ممالك العالم ويقدم للمسيح السيادة عليها جميعا على الرغم من أن رسالة المسيح كانت أن يجمع كل الأمم في ملكوت الله، يرفض هذا العرض الذي قدمه الشيطان؛ يقول المفتش أن المسيح لم يفضل مجتمعا مستقرا ولكن بدلا من ذلك قرر ارباك الفكر الحر لأن الذين يؤمنون به يتبعونه من أجل الصراع لإسقاط سلطة الشر، يقول المفتش أن المسيح كان يجب أن يقبل هذا العرض من الشيطان من أجل خلق وحدة آمنة بين البشر، مملكة موحدة تعبد الله بشكل كامل ومطلق باختصار، زعم المفتش أن خطأ المسيح كان في اختيار الحرية على الأمن وتوفر الموارد، فقد أجبر رفضه لإغراءات البشرية على تحمل عبء الحرية الروحية وترك الخلاص للقلة المختارة فقط الذين كانوا أقوياء بما يكفي لتحمل هذه الحرية والاحتفاظ بالإيمان بالله، ولكننا أكملنا عملنا أخيرا باسمك.
فقد استمرت الحرية التي أعطيتنا إياها ل 15 قرنا ولكن الأمر انتهى الآن انتهى وإلى الأبد، أنت تنظر إلي الآن بوداعة ولكن دعني أخبرك أن الناس الآن وفي هذا اليوم أشد اقتناعا بحريتهم الكاملة بشكل غير مسبوق ومع ذلك جاؤوا بحريتهم إلينا نحن الذين قبلنا بالتجارب الثلاثة ووضعوها بكل تواضع تحت أقدامك غير أن الفضل في ذلك يعود إلى عملنا أعتقد أن هذا من صنعك، أكانت هذه الحرية حريتك التي ناديت أنت بها؟ يزعم كبير المفتشين أن المسيح لم يفهم الضعف المتأصل في الإنسان الذي هو حاجتهم للأمن الذي يجب أن يتمتع به أغلب البشر الذين هم أضعف من أن يستخدموا إرادتهم الحرة للعثور على الخلاص، فإن الجماهير بحاجة إلى الأمان الذي يقدمه الشيطان، ولكن بسبب المسيح فإنهم محكومون إلى الأبد بالحرية الروحية التي اختارها لهم.
الشيطان
فإن وظيفة الكنيسة وفقا لكبير المفتشين هي تصحيح أخطاء المسيح التي يقول أن الكنيسة تؤدي بالفعل عمل الشيطان، ليس لأنه الشر، ولكن لأنه يبحث عن الأفضل للبشرية، فلماذا جئت الآن لعرقلتنا؟ ولماذا تنظر إلي بهدوء وإمعان بعينيك الوديتين؟ فالأحرى بك أن تغضب فأنا لا أريد محبتك لأني أنا نفسي لا أحبك، ثم ماذا تفعل إذا أخفيت أي شيء عنك؟ فكل ما يمكنني قوله معروف عنك سلفا فأنا أقرأ ذلك في عينيك فلماذا المواربة وإخفاء سرنا عنك؟
ألا فليكن في علمك أننا لسنا معك بل مع الشيطان وذلك هو سرنا، لقد مضى وقت طويل ثمانية قرون منذ أن وقفنا إلى جانبه هو وليس إلى جانبك أنت، فمنذ ثمانية قرون بالضبط أخذنا منه ما سبق أن رفضته أنت بالازدراء، أخذنا منه روما وسيف قيصر وأعلنا أنفسنا ملوك الأرض الوحيدين رغم أننا لم نتمكن إلى الأن من إتمام عملنا، ولا أحد غيرك ألومه على هذا عروض الشيطان للمسيح توفر الأدوات اللازمة لإنهاء المعاناة البشرية، يوضح المحقق أن الكنيسة هي التي تطعم الفقراء من أجل تخفيف المعاناة.
الكنيسة
الكنيسة هي التي تقدم الاستقرار والأمن لأنها توضح ما يجب أن تؤمن به وما هي الإجراءات التي يجب اختيارها بدلا من الحرية الروحية الغامضة المعذبة التي قدمها المسيح، أخيرا تتمتع الكنيسة بالقوة حيث نشرت رسالتها على نطاق واسع وهو أمر رفض المسيح القيام به برفض عرض الشيطان، أوضح لنا المفتش كيف تؤدي الكنيسة فعلا عمل الشيطان وليس عمل المسيح.
كل هذا والمسيح لم يفتح فمه في النهاية يسير إلى المفتش ويقبله برفق ربما تكون هذه الاستجابة المتناقضة رمزا لانتصار الحب والإيمان على الشك العقلاني لدى المفتش الكبير، فإن الرد ليس بحجة منطقية متماسكة بل هو بالأحرى رد يتخطى حدود اللغة والمادة، رسالة لا يمكن التعبير عنها إلا بالصمت، رسالة حب غير مشروط والتسامح يظهر الرد أيضا كيف يركز المسيح جميع جهوده نحو المحبة محبة غير مشروطة والإيثار للجميع بغض النظر عن هويتهم أو كيف يتعدون عليه، يصدم كبير المفتشين بردة الفعل هذه، وبعد هذا فتح له باب الزنزانة للخروج من السجن وقال له ارحل من هنا ولا تعد أبدا.
فلسفات كتاب الإخوة كارامازوف
وكما يرى المحللون أنه توجد ثلاثة فلسفات رئيسية في رواية الإخوة كارامازوف
العقلانية
أولا على اليسار لدينا إيفان الملحد ويمثل فلسفة التنوير الغربي للعقلانية، يعتقد أنه يجب إثبات كل شيء علميا قبل التصديق به، سؤاله الرئيسي هو لماذا هناك الكثير من المعاناة في العالم؟ وخاصة الأطفال الأبرياء الذين يموتون، إما أن الله غير موجود أو أنه إله ضعيف ليسمح بالكثير من الألم، صور دوستويفسكي الفلسفة العقلانية بكونها طريق العدمية من خلال شخصية إيفان وهو مجنون في نهاية الرواية، أي أن العقلانية تؤدي في النهاية إلى العدمية، في نفس الوقت تقريبا توصل نيتشة إلى نفس النتيجة لكن نيتشة قدم الفن كإجابة لمشكلة العدمية.
مذهب المتعة
الفلسفة الثانية هي مذهب المتعة، متجسدة في شخصية الأب فيودور والابن الأكبر دميتري يمثلان فلسفة المتعة للحياة حيث يكون أكثر تركيزا على الملذات وطرق الاستمتاع بها، لكن هذا أيضا يجلب العنف لأن الشخصيتان أقل حرصا وأقل مسؤولية، نمت الرومانسية في أوروبا استجابة للثورة الصناعية وفلسفة التنوير العقلانية، لقد ركزوا على المشاعر والعواطف التي هي إبداعية ولكن يمكن أيضا أن تكون متقلبة بل ومدمرة.
الدين
وأخيرا الفلسفة الثالثة هي الإيمان الديني، حيث لدينا اليوت والكاهن العجوز اللذين يؤمنان بالدين كوسيلة للخلاص، حيث هناك بعض التشدد ولكن يؤمنان أيضا بالحب باعتباره الطريقة الوحيدة لمعاملة الأخرين، من هذه الرواية نجد أن دوستويفسكي يميل للدين على الرغم من أن قصة كبير المفتشين يضع علامة استفهام حول نظرته إلى المؤسسات الدينية، بحيث أن دوستويفسكي يشكك أيضا في الاستبداد الديني، لذلك هناك العديد من المشاهد حيث يتم التشكيك بشدة في الإيمان الديني كعقيدة أو كمؤسسة.
المشهد الأكثر شهرة هو جسد الأب وسيم الذي تعفن مما أثار استياء أتباعه، لذلك دوستويفسكي يعتقد أن كل إنسان قادر على المزج بين العقلانية والدين ويجب على المرء أن يناضل باستمرار للحفاظ على التوازن، المثالية الإنسانية على اليسار واليمين هي الموضوع الرئيسي الإلحاد والعقيدة الدينية هي وجهات نظر إنسانية مثالية، وبالتالي هي أقل عملية، في المنتصف هناك الناس الأكثر حيوانية يبحثون على المتعة ولا يقاومون رغباتهم الجسدية، بالنسبة ل دوستويفسكي المثالية ليست هي الحل، ولكن لكونك مسؤولا تجاه الأخرين هو الأمر الأكثر أهمية مسؤولية التصرف بشكل جيد.
فوضوية أفكار كتاب الإخوة كارامازوف
كتاب الإخوة كارامازوف عبارة عن سلسة من المحادثات المرتجلة ولكنها أيضا فوضوية، ربما يخبرنا أن دوستويفسكي كان لديه عقل فوضوي مع العديد من الفلسفات والأفكار في معركة في رأسه، يظهر دوستويفسكي حبه للناس العاديين، مثل ديمتري على الرغم من كونه الطماع إلا أن المال والكحول يتمتعان بالصدق الذي يعجب به، يعرض المثقف إيفان بأنه خبيث وجبان، اليوم نرى تلك الصفات السلبية في السياسيين الأذكياء الذين يعرفون جيدا كيفية التلاعب بالنظام بحيث لا يتم القبض عليهم أبدا، وعادة الأشخاص الاعتياديين هم الذين يدفعون الثمن.
يتم إرسال ديمتري إلى السجن وليس إيفان الذي هو سبب المصيبة التي حلت بالعائلة، لذلك عادة ما يدفع الأبرياء الثمن، يعتقد دوستويفسكي أن التفكير العقلاني لا يجعل حياتك أسهل من الناحية النفسية، بالطبع من الناحية المادية، تجعل العقلانية الحياة أسهل من خلال اختراع أدوات وتقنيات لحياة أسهل، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسعادة النفسية يفضل دوستويفسكي عقلانية أقل وسذاجة أكثر، لأن الشعور بالذنب لا يأتي إلا عندما تفعل شيئا عن قصد، الذكاء يجعل حياتك أكثر تعقيدا والأذكياء أقل سعادة .
يعتقد دوستويفسكي أن معرفة الكثير يجعل حياتك أكثر صعوبة، هذا يسري أيضا في رواياته الأخرى والجميلة الأبله ، لذلك وفق دوستويفسكي علينا أحيانا أن ننبذ العقل والمنطق، وأن نسعى في طريق الإيمان والثقة في الناس والعالم من حولنا، لا يمكنك التشكيك في كل شيء ، حرية التعبير قد لا يكون لها الكثير من المعنى،
العبر المستفادة من رواية الإخوة كارامازوف
يعتبر الكثيرون رواية الإخوة كارامازوف أفضل عمل أدبي كتب على الإطلاق، حيث يدرس عدم قدرة البشر على استخدام العقل لقيادة حياتهم، ويقترح أنه بدون تواضع وإيمان سنسقط في نزوة دوافعنا، وهي فكرة استفزازية في عالم يعتقد فيه كل شخص نرجسي أنه مسؤول عن حياته الخاصة، وأنه يمكنه فعل أي شيء يريده، هذه هي رسالة النهائية للإخوة كارامازوف، من الأفضل أن تكون طيبا بسيطا على أن تكون ذكيا سيئا، بطريقة ما لم يعجب دوستويفسكي كيف أن تركيز الرأسمالية على القسوة والنجاح المادي كان يدمر البراءة التي تغلغلت في حياة المجتمع في زمانه.
في هذه الرواية الأخيرة كان دوستويفسكي ينظر إلى طفولته بكونها بريئة عن عالم البلوغ الفوضوي والأفكار الغربية والتجربة السيبيرية، عرف دوستويفسكي أنه سيموت قريبا لذلك أراد أن يخبر الأخرين أن الحياة أقصر من أن ترتكب أعمالا ثورية غبية يمزق الناس بعضهم البعض من أجل مكاسب دنيوية كل ما تحتاجه هو حياة بسيطة، لقد أراد أن يذكر الجميع ما عاشوه في تلك الأيام الخوالي من البساطة والطيبة، وبالتأكيد نتلمس في صفحات الأخوة كارامازوف جانبا من تجربته الثورية في مقتبل عمره، والتي فشلت فشلا ذريعا وكادت أن تودي بحياته، والتي تركت جرحا عميقا في قلبه لم ينساه حتى وفاته.
لذلك فإن الإخوة كارامازوف هي رواية طفولية للتذكير بالبراءة التي نخسرها عندما نكبر ونعيش عالم البلوغ المشؤوم ونقضي بقية حياتنا لاستعادة أيام البراءة الجميلة، لذلك يخبرنا دوستويفسكي أن لا نسعى إلى العقلانية في كل شيء لأننا لن ننجح أبدا في أن نكون عقلانيين.
نقد رواية الإخوة كارامازوف
أرى أن رواية الإخوة كارامازوف طويلة جدا، وهناك الكثير من الحبكات الفرعية التي قد تفقدك التركيز، تمت كتابة هذه الحبكات الفرعية قبل سنوات وقام بالتوقيع ها هنا لأنه كان يعلم أنها ستكون روايته الأخيرة. لذلك نرى أن هناك بعض السطور مطولة وغير المتناسقة، الشيء الأخر الذي يفتقده معظم الناس هو أن دوستويفسكي كتب هذه كرواية طفولية لم يتم تفصيلها بوضوح حتى النهاية، لذلك يمكن أن تجعلك قراءة الأقسام الأولى تشعر بالملل بعض الشيء، نقطة ضعف أخرى قد تكون لهجتها الدينية مزعجة لمن ليسوا متدينين، بالنسبة للقارئ المسيحي قد يستمتع لكونهم مقتنعين، أما بالنسبة للأديان الأخرى أو غير المتدينين قد يجدون قسم كبير المفتشين غير ذا صلة، مع ذلك، فإن الرواية عميقة للغاية ودقيقة وحبكتها مثيرة للاهتمام والعبرة المستخلصة تتجاوز أي دين وأي مذهب.
I will immediately snatch your rss as I can not to find your e-mail subscription link or e-newsletter service.
Do you have any? Please let me understand in order that I may subscribe.
Thanks.