كتاب مأساة القوى العظمى | جون ميرشايمر

في العلاقات الدولية مدرستين لتفسير سلوك الدول ، المدرسة الواقعية والمدرسة الليبرالية وفهم منطق المدرستين ليس مهما فقط لأساتذة وطلاب العلاقات الدولية في الجامعات ، ولكنه مهم لكل معني بفهم ما يجري في العالم وفهم الصراعات في الماضي والحاضر والمستقبل وكتاب مأساة القوى العظمى هو واحد من أفضل الكتب التي ستقرأها في هذا الصدد .

المدرسة الواقعية  لها منطق واضح وبسيط جدا العالم فوضوي العالم يشبه الغابة ببساطة لأنه لا توجد سلطة مركزية تنظم سلوك الدول فيما بينها ، إذا أرادت الدولة أن تعتدي على دولة أخرى فليس هناك سلطة يمكن أن تمنعها من ذلك ، ولهذا السبب فإن الدول تعيش في حالة خوف دائم من بعضها البعض ولا يثق بعضها في البعض لأنها لا تستطيع أن تقرأ نوايا الأخرين.

 والمعيار الأساسي الذي يتحكم في سلوك الدول فيما بينها أو تجاه بعضها البعض هو توازن القوة ، أن تأمن على نفسك بقدر ما أنت قوي وأنت معرض للخطر طالما أنت ضعيف.

المدرسة الواقعية

 في المدرسة الواقعية طبيعة النظام في دولة ما لا يؤثر كثيرا في سلوك الدولة ديمقراطية كانت أو ديكتاتورية يعني لا يحدث فرق كبير ، الدول الديكتاتورية والدول الديمقراطية محكومة بتوازن القوى ، المدرسة الواقعية هذه مظلة عامة لكن تحت المظلة العامة يوجد منظرين كثيرين لهذه المدرسة ، والمنظرين لهم نظريات كلها تدور في إطار فكرة توازن القوة كمبدأ حاكم في علاقة الدول بعضها ببعض . في الوقت الحالي من أهم المنظرين الموجودين للمدرسة الواقعية هو ” جون ميرشايمر ” و”ستيفن أمول جون مار شيندلر” أستاذ في جامعة شيكاغو ، و”ستيفن هولت” أستاذ في جامعات هارفارد.

 نتحدث اليوم عن جون ميرشايمر ليس فقط لأنه منظر مهم وكبير جدا داخل الولايات المتحدة وخارجها ، ولكن لأن أفكاره أثارت كثيرا من الجدل في الأسابيع الأخيرة وحقيقة في السنوات الأخيرة وتحديدا بداية من 2014 ، لأنه ببساطة يلوم الغرب ويعتبروه السبب الرئيسي لعدوان روسيا على أوكرانيا . جون ميرشايمر لديه نظرية صاغها منذ سنوات طويلة قبل أن تفكر روسيا في أي عدوان على أوكرانيا أو غيرها ، هذه النظرية اسمها عدوانية الدول الكبرى .

عدوانية الدول الكبرى | كتاب مأساة القوى العظمى

الفكرة الأولية

 أن في هذا العالم الفوضوي الهدف الأسمى لأي دولة أن تكون قوة مهيمنة ومسيطرة عالميا على الدول الأخرى ، لكي لا تأمن على نفسك يجب أن تكون قويا ، يجب أن تكون أقوى من الأخرين ، ويقول نصا هذا قانون البقاء في هذا العالم الفوضوي هو القوة ، القوة تضمن السلامة ، والقوة الفائقة هي أعظم ضمان للسلامة.

الفكرة الثانية

 أن أحد سلوك الدول رغبتها الدائمة في إضعاف الدول الأخرى ، لماذا؟ لأنها لا تشعر بالأمان ولكي تشعر بالأمان لا بد أن تقوي نفسها وهي تقوي نفسها بطريقتين . الطريقة الأولى أنها تقوي امكاناتها الذاتية وتسعى لإضعاف الدول الأخرى حتى لا تصل إلى مرحلة تصبح فيها مكافئة أو أقوى منها وبالتالي يشجعها ذلك على الاعتداء عليها.

المبدأ الثالث

 في هذا الكتاب أنه من النادر أن تقنع الدولة دائما بأوضاعها الحالية فدائما ستسعى لتغييرها كلما أتيحت لها الفرصة ، يعني كلما أصبح لديها فائض قوة ستسعى لتغيير أوضاعها أي أن الدولة تعيد النظر في حدودها وتسعى للتوسع ، ممكن ليس بالضرورة تغير حدودها بالقوة ، لكن ممكن أن تسعى أن تمتلك نفوذا في الدول المجاورة بالقوة الناعمة ، يمكن أن تسعى في إعادة النظر في المعاهدات التي تقيد حركتها في محيطها .

 مثال يوضح لنا هذه الفكرة ببساطة روسيا لماذا لم تعترض روسيا على انضمام دول البلطيق الثلاثة في 2004 لحلف الناطو وهي دول ملاصقة أو محاذية للحدود الروسية ، وكانت جزءا من نفوذ روسيا التقليدي وكانت جزءا من الاتحاد السوفييتي ، الإجابة ببساطة لأن روسيا كانت ضعيفة في 2004 ، وخرجت لتوها من تجربة انهيار الاتحاد السوفياتي ، ولماذا بدأت تتحرك ضد خطط الناتو لضم جورجيا في ألفين وثمانية . ثم تحركت أكثر وأكثر في 2014  و 2022 ضد أوكرانيا؟ الإجابة لأنها أصبحت في وضع أقوى يمكنها من إعادة النظر في أوضاعها القائمة وقتها .

 الأمثلة كثيرة ويمكن أن تشرح لنا الكثير من تصرفات تركيا في البحر المتوسط اتجاه اليونان واتجاه دول الشرق الأوسط ورغبتها في إعادة النظر في الاتفاقات والمعاهدات التي تلت الحرب العالمية الأولى والتي أدت لانهيار وتقسيم الإمبراطورية العثمانية . الإجابة ببساطة سلوك تركيا الأن يعكس فائض قوة لتركيا لم يكن موجودا لدى تركيا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

المبدأ الرابع | كتاب مأساة القوى العظمى

 الذي يتكلم عليه جون ميرشايمر هو أن الدول الكبرى سواء كانت دول إقليمية أو دول كبرى عالمية ، دائما تدافع عن مصالحها من خلال مناطق نفوذ خارج حدودها ، يعني أن هذه الدول لا تدافع على نفسها من داخل حدودها ولكن من خارج حدودها ، كل دولة لديها مناطق نفوذ مثل الأسد الذي يدافع عن وجوده ليس في الأمتار القليلة التي حوله في الغابة ولكن في مساحة كبيرة جدا حوله هو وعشيرته . ويكون شعاره هذه منطقتي لا تقترب منها ، ويعتبر أن أي اعتداء على منطقة نفوذه سبب كاف للحرب مع دول أخرى تسعى للاعتداء على هذه المناطق الحيوية بالنسبة له.

الأمثلة على مناطق النفوذ كثيرة جدا ، جون ميرشايمر وغيره المثل المفضل عندهم هو عقيدة مونرو ؛ وما هي عقيدة مونرو؟ هي العقيدة المنسوبة للرئيس الأمريكي جيمس مونرو الذي في سنة ألف 1823 تحدث عن اعتبار الأمريكتين “أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية” هي مناطق نفوذ حيوية للولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح للقوى الأوروبية الاستعمارية وقتها في القرن التاسع عشر بحرية الحركة فيها ، بمعنى لا يمكن أن تسمح للدول الأوروبية أن تحتل ما تشاء من هذه الدول ، أو أن تغير الأنظمة بحيث تكون أنظمة موالية وحريصة على مصالح الدول الأوروبية .

كتاب مأساة القوى العظمى

صحيح أن أميركا لم تستطع أن تنفذ ما جاء في عقيدة مونرو ألف 1823 لأنها كانت قوة ناشئة وقتها ، لكن الفكرة كانت موجودة كعقيدة ، واستعملها كارتر في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات حيث اعتبرت أمريكا أن منطقة الخليج العربي كاملة والتي تبعد آلاف الأميال عن الولايات المتحدة هي منطقة نفوذ حيوية للولايات المتحدة ، وأي تدخل من أي قوة أجنبية فيها يستوجب أن تتدخل الولايات المتحدة ولو بالقوة العسكرية للدفاع عن هذه المنطقة الحيوية من العالم ، ما كان يفكر فيه الرئيس كارتر وقتها لم يكن يخص إيران ولا تركيا ولا ما يحدث الآن . وإنما كان التخوف من الاتحاد السوفييتي الذي ربما كان يفكر في الدخول في هذه المنطقة واحتلال أجزاء منها والسيطرة على منابع النفط التي كانت تعني الكثير جدا للولايات المتحدة وحلفائها في هذه الفترة من التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى