كتاب حي بن يقظان | ابن طفيل
يعد كتاب حي بن يقظان واحدا من الكتب العظيمة في العالم الاسلامي ، ربما تغيب عن الكثيرين قصة حي بن يقظان والتي هي من أوائل الروايات الفلسفية والتي كتبها الأندلسي أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي المعروف بابن طفيل ، وهذه القصة تعرف بأنها أهم قصة لم تقرأ عنها ، إنها قصة فلسفية خيالية مبنية على مبدأ أن الإنسان يولد طيبا ومن ثم تفسده الحياة .
طبعا القصة فيها تفاصيل كثيرة لا مجال لذكرها هنا ، لكنني أنصح القارئ بقراءة القصة بنفسه فهي ممتعة وفي أسلوب السرد درجة عالية من البلاغة وفي نفس الوقت هي ليست طويلة.
ملخص كتاب حي بن يقظان
القصة تتمحور حول طفل ربته الحيوانات في البرية بعيدا عن الحضارة أو معرفة سابقة عن الوحي الإلهي ، لكن مع ذلك ومن خلال المراقبة واستخدام العقل والجوارح تمكن من الوصول إلى الحقائق الميتافيزيقية للوجود ، وبذلك الصعود إلى المرحلة المتنورة للعقل والروح ، وبالمختصر ما تحاول القصة أن تشير إليه هي شرح تصرف الإنسان عندما يجبر على العيش في بيئة منعزلة ، وأن الإنسان يستطيع التوصل إلى إدراك الله حتى لو لم تكن هناك معرفة مسبقة أو تلقين من إنسان آخر ، أي أن الطفل عندما يولد يكون عقله فارغا من أية معلومات ، لكنه في النهاية يستطيع التوصل إلى إدراك الوجود الذي هو ما بعد العالم الفيزيائي .
ولد حي لأميرة في إحدى ممالك الجزر الهندية ، والتي تزوجت من قريبها يقظان سرا لكون أخيها الملك كان يرفض زواجها ، لكنها حملت ووضعت ابنها حي ، ولكونها قد خافت على طفلها وعلى نفسها من غضب أخيها وضعت ابنها في تابوت ودفعته إلى البحر وتركته في رعاية الله ، ومما لا شك فيه أن الفكرة مستوحاة من قصة موسى عليه السلام ، دفعت أمواج البحر التابوت إلى جزيرة صغيرة غير مأهولة بالسكان فقط بالحيوانات ، سمع ظبية بكاء الطفل على الشاطئ أشفقت عليه وتكفلت برعايته هذه هي بداية حي بن يقظان .
كل ما كان يعرفه حي في البداية هو أنه غزال مثل أمه وأخوته ، ولكن مع مرور السنوات بدأ يدرك أنه مختلف عن البقية ، فلا شيء يغطي جلده ولا يمتلك أنياب أو مخالب مثل أي حيوان آخر ،أدرك أنه بهذا الجسد لن يستطيع الاستمرار ، لكنه أدرك أيضا أن لديه منطقا وتفكيرا أفضل من أي حيوان آخر ، استخدم هذا المنطق في نتف ريش الطيور الميتة ليصنع منها ملابس تغطي جلده العاري ، كما استخدم المنطق ليحمي نفسه من الحيوانات المفترسة ، علم حي حينها أن ما يميزه ليست القوة الجسدية ، بل قدرته على التفكير .
المرحلة الثانية
حي بن يقظان ومنذ نعومة أظافره كان يلاحظ أن هناك بعدا أكبر من مجرد الهيئة المادية ، ولذلك بدأت المرحلة التالية بمحاولة إدراك ما هو جوهر الأشياء ؟ وما هو مصدر كل شيء؟ ، الأمر الذي جعله يتفكر بالبعد الآخر ، عندما بلغ السابعة مرت عليه أولى تجارب الحياة الصعبة حيث ماتت أمه الظبية ، و استغرق الوقت ليستوعب ما يحصل ، أحس أن هناك شيء مفقود فيها وكأن جوهرها قد اختفى ، فهي لا تتحرك ولم تعد هي أمه التي عرفها ، أدرك أن ما جعلها أمه لم يكن الجسد ، بل شيء آخر لم يعد موجودا الآن ولأنه من النوع الفضولي قام بتشريحها وتسرد القصة تفاصيل معقدة عن عملية التشريح .
عندما وصل حي إلى قلبها وجد أن إحدى الحجرات فارغة ، استنتج أن ما جعلها تتحرك أو على قيد الحياة كان هناك ولم يعد موجودا ، كانت هذه نقطة التحول بالنسبة له ، حيث انتقل من مرحلة الاعتماد على الآخرين إلى مرحلة استخدام العقل والمنطق وإدراك الذات من أجل البقاء ، استنتج أن هناك مسبب أول لخلق الحياة فيها وفي كل كائن حي ، وهو الذي يعطي المعنى والهدف من وجود كل شيء.
الجزء الثاني
ومنذ ذلك الوقت لم تقع عينه على شيء إلا وأحس فيه نتاج الصنعة محترفة ، حيث تحول تفكيره من الصنعة إلى الصانع ، معمقا بذلك حب الصانع الأول وعزلة تفكيره من العالم الحسي إلى العالم الروحاني ، بدأ بالتحري عن الحياة في الجزيرة كلها ، وقام بتصنيف الحيوانات عندما لاحظ أن بعضها متشابه والبعض الآخر مختلف وتطور لاحقا إلى الفهم تحت المبادئ الأرسطية ، وهي الإله المعرفية أو انقسام الأشياء إلى جزئين وهي المادة والصورة ، وبدأ بعدها بالنظر إلى السماء وراقب النجوم وبدأ بتقسيمها إلى أبراج حسبما تظهر في المواسم ، ولاحظ أيضا الكواكب. وبدأ يتساءل فيما إذا كان الوجود محدودا أو لانهائي ، لكنه استنتج في الأخير أن هذا لا يهم ، فمهما كانت النتيجة فإنها تؤدي به إلى الحقيقة المطلقة وهي أن هناك واجد كل شيء .
وقد ذكره ابن طفيل على أنه واجب الوجود ، والتي هي أن كل شيء جاء من خالق واحد.
المرحلة الثالثة | حي بن يقظان
تعلم حي من صميم نفسه أن الوجود منقسم إلى ثلاثة المادة وهو ما كان يراه مما حوله من حيوانات ، وهناك النجوم والأفلاك الموجودة في السماء ، والثالث الوجود الغير مادي الأسمى من كل شيء ، ما أن علم حي بوجود الله كان متشوقا للوصول إليه وهنا نلاحظ أن القصة بدأت تتخذ منحى صوفيا أكثر ، فكل شيء يراه حي يظن أن فيه هدف الحياة والجماد ، كل شيء له غرض معين والتفاعل معه يعيق الهدف الذي أوجده الله من أجله ، لذلك لم يؤذي حيوانا أو حتى نباتا وفضل عدم التدخل في مجرى حياتها ، لذلك قرر أن لا يأكل أي شيء لكنه سرعان ما أدرك أن هذا مضر به وقد يبطل الهدف من وجوده هو ، لذلك قرر أن يأكل أنواعا معينة من النباتات وبأقل كمية ممكنة تضمن له البقاء .
ولأنه كان يرغب في الوصول إلى المرحلة الأسمى من الوجود ، بدأ بتقليد حركة الأجرام السماوية ، فبدأ المشي في محيط الجزيرة فيما يشبه الحركة الدائرية .
ولكي يتمكن من إدراك واجب الوجود ، كان يجلس في كهفه ويطيل التأمل ، اكتشف أنه من السهل النظر إلى العالم المادي وعدم إدراك الجانب الروحي فيه ، حتى أن البعض ينفون الروح . وهناك على الجانب الآخر من يدعي أن كل شيء من الكائنات حية أو الجماد له بعد ميتافيزيقي ، فأن تتأمل في شيء مسلم به كـأمواج البحر قد تراه أمرا لا أهمية له وقد تراه أمرا ساحرا ويبعث على الدهشة ، سيتساءل حي مع نفسه إذا كان كل شيء لا يقتصر على المادة .
المرحلة الرابعة
عندما وصل سن الثانية والأربعين بدأت تظهر له رؤية غريبة ، وكما وصفها ابن طفيل سبعون ألف وجه كل وجه فيه سبعون ألفا فم وكل فم فيه سبعون ألف لسان كلها تتأهل إلى الله ، لكن ابن طفيل حذر من وضع تصور المادي لوصفه ، فالقارئ بذلك يبطل الطبيعة الغير مادية للفكرة . وبذلك وبعد كل هذه السنوات من التحدي والتأمل وصل حي إلى مرحلة التنوير ، وحاول قضاء كل لحظة يقظ في معزل عن العالم المادي وفي التأمل في واجب الوجود ، عندما بلغ الخمسين من العمر صدف أن جاء للجزيرة إنسان آخر اسمه أوبسالا ، والذي أراد أن يعتزل حياة البشر ويتفرغ للتأمل بعدما التقيا ، وبعد زوال الخوف من هذا اللقاء الغريب لاحظ أوبسالا أن حي لا يتكلم أية لغة ، لذلك كرس الوقت والجهد لتعليمه لغته ، وكذلك اطلاعه على تعاليم الإسلام ، علما أن القصة لا تشير إلى دين معين ، إلا أن في الوصف ما يكفي للقارئ استنتاج أن الدين المعني هو الإسلام .
ومع الوقت وبعدما أتقن حي اللغة ، لاحظ أبسالا أن حي يعرف جيدا الحقيقة المطلقة ، لكنه استخدم إشارات ورموزا مختلفة ، فاندهش عن مدى معرفة هذا الشخص المتوحش والمعزول بكل هذه الأمور . بعدها قرر أبسالا أن يأخذ حي إلى مدينته وتقديمه إلى أقرانه من البشر ، حيث بدأ حي ملاحظة طريقة عمل المجتمع ودور الدين فيه ، وكان يحكم المدينة الملك سالمان والذي كان يأخذ الجانب السطحي من الدين حيث التقليد للعادات ، حيث بدأت تساؤلات تطرح في عقل حي لماذا هذا التعقيد في النصوص والشعائر والطقوس؟ عندما بدأ يناقش فكرته البسيطة مع الآخرين رفضه الجميع واتهموه بالهرطقة .
استنتج حي وأعتقد أن هذا هو رأي الكاتب هنا أن هناك الكثير من البشر الذين لا يستطيعون إدراك الحقيقة بهيئتها النقية ، لذلك هم بحاجة إلى هذه التعقيدات في حياتهم ولم يرفضوا الفكرة ، لكنها بالنسبة للبعض أمر لا مفر منه.
الجزء الخامس
بعدها قرر كل من حي وأمثاله العودة إلى الجزيرة للانعزال عن البشر وتكريس ما بقي من حياتهم في التأمل .
كاتب كتاب حي بن يقظان
ساهم في كتابة القصة أربعة من كبار المفكرين ابتداء ببني سيناء ، ومن ثم شهاب الدين السهروردي ابن طفيل وابن النفيس ، كل ساهم بالتعديل في القصة ، لكن أكثر من نسبت إليه هو ابن طفيل ، قصة حي بن يقظان خيالية ، إذ لا نستطيع أن نأخذ كل القصة بمعناها الحرفي ، فلا نستطيع أن نضمن نجاة طفل رضيع في البرية ، ولا أن يتمكن شخص بمفرده أن يتعلم جميع العلوم المعروفة ، لكن لا إنكار على أن الإنسان بمجرد التفكير يستطيع أن يكتشف أمورا جديدة.