ويكيليكس الرعب المعلوماتي الذي بلل سراويل الحكومات بتسريباته | مصير جوليان أسانج

ولد جوليان أسانج منشئ ويكيليكس عام 1971 في كوينزلاند في أستراليا ، في كنف أسرة يغلب عليها طابع الفن ، لم يشق أسانج طريق والديه الفني بل اتخذ مسارا سيلعب بالقوى العالمية العظمى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ، بدى على جوليان نبوغه في الرياضيات مبكرا ، وبتطور الإنترنت اتجه جوليان إلى البرمجة ، تحديدا برمجة التجسس الإلكتروني ولأن البداية دائما ما تكون صعبة وربما تحول بين ما يدور في الأفق وتحقيقه ، اتهم جوليان بالقرصنة الإلكترونية على مواقع ذات أهمية كبرى في عام 1995 لم تكن قضية عصية فقد خرج منها جوليان بكفالة كبيرة وتعهد بعدم تكرار ذلك.

 جوليان كان سابقا لعصره في ذلك التوقيت حيث بدأ مبكرا بتعلم لغة البرمجة ، استمر جوليان في كسب الخبرة داخل الجانب المظلم للإنترنت وألف كتابا بعنوان العالم السفلي ، يتحدث فيه عن نفس الفكرة التجسس الإلكتروني ، حتى العام 2006 تسلل إلى ذهن جوليان فكرة موقع للتسريبات ، حيث التقى الألماني دانيال ميتشل بيرغ في مؤتمر لعلم الحاسوب ، لاقت الفكرة استحسان دانيال ووضعوا حجر الأساس لذلك الموقع الذي سيغير المعادلة في الحقائق التي طالما أخفيت ، ويكليكس الذي أصبح لاحقا أضخم موقع للتسريبات على الإنترنت ، ظاهريا بدأت ويكيليكس كمنظمة غير ربحية تحت اسم سن شاين تنشر تقارير مجهولة المصادر بغض النظر عن طبيعتها ، كان الهدف المعلن للمنظمة بشكل واضح هو فضح فساد الحكومات والأنظمة ، وكانت تعتمد على ذلك في فتح المجال لاستقبال أية وثيقة من أي شخص حول العالم عن طريق الإنترنت ثم التحقق منها ونشرها.

الشبح يطارد السلطة اللادغة

 ا في فاتح يناير كانون الثاني من العام 2007 ويكيليكس كشفت عن مليون ومئتي ألف من الوثائق على أبواب النشر ، والوثائق عبارة عن أحداث وعناوين وقضايا ملتهبة طالت حكومات ومنظمات على كافة الأصعدة والاتجاهات ، هذه كانت فقط البداية ل ويكليكس لكي تطلق مبادرة علبة الرسائل الميتة والتي تتيح مشاركة أي تسريبات على الموقع دون معرفة المرسل ، حتى أصبحت أشبه بمنصة مفتوحة تختص بالتسريبات فقط.

 جوليان بدوره شفر جميع البيانات المرسلة من وإلى ويكليكس مستخدما أقصى درجات الأمن الإلكتروني وأيضا علم الرياضيات الذي برع فيه خاصة علم الاحتمالات ، حيث أسس نظام حاسوبي يحتوي على تنقية الملفات المسربة والقادر على الحصول على الموثوق منها من بين ألاف الملفات المزيفة ، وزعت ويكيليكس الملفات المسربة في اتجاهات متعددة مع تشفيرها تماما ، لتعقيد مهمة الوصول إلى تلك الملفات والحفاظ عليها أمام المصادر .

اللعب مع الكبار | ويكيليكس

 لم تكتف ويكليكس بهذا القدر ، ولكن مست استقرار أنظمة دول عظمى من ضمنها رأس الهرم الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث سربت مئات الآلاف من الوثائق السرية والتي فضحت خبايا فترة الاحتلال الأمريكي للعراق ، منها إعدام أعداد هائلة من العراقيين المدنيين وتعذيب مدنيين أخرين في السجون ، أيضا الاحتلال الأمريكي لأفغانستان وإعدام مدنيين أفغان .

 في 2008 كانت البداية حيث تم نشر اسطوانة ليدي غاغا ، قد تبدو لك هذه الاسطوانة مجرد ألبوم موسيقي لا تحمل أي شيفرة أو لغز رقمي ، ولكن ما احتوت عليه هذه الأسطوانة كان معلومات ووثائق ومستندات عن حرب العراق وحرب أفغانستان ، من أبرز تلك المعلومات كان فيديو لطائرة أمريكية تطلق نيرانها على المدنيين وما ارتكبته أمريكا من حماقات في حق المدنيين العزل ، كانت ويكليكس تعتمد بشكل كامل في هيكلها التنظيمي على العمل التطوعي وفي تمويل أعمالها على التبرعات.

ويكيليكس يفضه جرائم الحرب على العراق وأفغانستان

 وفي عام 2010 كان ل ويكيليكس منعطف قوي في تاريخ المؤسسة ، فقد انضم ل ويكليكس أحد أبرز متطوعيها ومصادرها المعلوماتية على الإطلاق تشيلسي مانينغ ، وهو مبرمج ومحلل بيانات في مخابرات الجيش الأمريكي ، الذي انضم للجيش سنة 2008 المتواجد في العراق ، ومن هنا بدأ بتسريب تلك المعلومات إلى ويكليكس تحديدا في مايو أيار عام 2010 ، وقد ترددت ويكليكس في نشر المعلومات وبعد جدال ضربت ويكليكس أمريكا في مقتل وسربت المعلومات .

 حكم على تشيلسي 35 سنة سجن بعد معرفة هويته لكن خففت العقوبة وأطلقت أمريكا سراح تشيلسي عام 2017 ، على الجانب الأخر لم يتم معرفة من يقف وراء تسريبات عديدة تتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية ، مثل تسريبات جرائم معتقل غوانتانامو الشهير بل وصل الأمر إلى تسريبات تخص المطابخ السياسية للأحزاب السياسية الحاكمة ، مثل تسريبات رسائل جون بوديستا رئيس حملة هيلاري كلينتون الانتخابية عام 2016 ، التي كشفت أسرار تلك الحملة لتنصيب هيلاري كأول رئيسة لأميركا ، بالإضافة إلى تسريبات من الحزب الديمقراطي الأمريكي حول صلاحية ترشح هيلاري كلينتون من الأصل ، وقد سببت هذه التسريبات الإحراج لأمريكا أمام المجتمع الدولي.

 مستندات أخرى من ويكليكس أثبتت أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تتجسس على زعماء العالم ، ومن بينهم أنجيلا ميركل رئيسة الوزراء الألمانية وكذلك بانكيمون أمين عام الأمم المتحدة سابقا ناهيك عن الحكومة الإيطالية ، والقوس ما زال مفتوحا ، ويكليكس أصدرت تسريبات تفيد أن حزب العدالة والتنمية التركي حاول الاستفادة بشتى الطرق من انقلاب 2016 الفاشل وإحكام قبضته على السلطة ، كان رد فعل تركي سريع بإخفاء ويكليكس في تركيا.

 فساد يتدحرج بين شركات صينية وأخرى غربية لسلب ثروات أفغانستان وقت إعادة الإعمار ، والشركات لم تسلم من ضربات ويكليكس النارية ومن بينهم شركة صوني حيث سرب لها 140 ألف إيميل نتيجة هجوم إلكتروني ، بعد عرض فيلم ذا إنتر فيو الذي يسخر من زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.

أين ذهب ويكيليكس ؟ وما مصير جوليان أسانج مؤسسه ؟

 ما زال ويكليكس ينشط حتى هذه اللحظة ، ولكنه صحراء الجرداء لم ينشر عليه أي تسريبات حديثة لأن جوليان أسانج يقبع خلف جدران السجن بعد القبض عليه في لندن عام 2010 ، ظل تحت الإقامة الجبرية وبحكم جنسيته الإكوادورية لجأ الى سفارته في انجلترا مستعينا بها ، وقد ساعده في ذلك الرئيس الاكوادوري أنداك ، وبقي جوليان لاجئا في السفارة الاكوادورية حتى لا يتم الإمساك به ومحاكمته .

 ذروة اللحظات العصيبة لجوليان أسانج كانت سنة 2017 ، حيث تولى رئاسة الحكومة الاكوادورية رئيس جديد قرر سحب الجنسية من جوليان ورفض اقامته في السفارة ، ثم بعدها تم القبض على جوليان ووضع في سجن شديد المراقبة في لندن بداية من سنة 2019 حتى اللحظة.

والمفاجأة التي لم تكن بحسبان جوليان أن تقدير فترة حكمه قد تصل إلى 170 سنة ، أصبح ويكليكس خاويا تاركا وراءه إرثا خلق حالة واسعة من الجدل ، وحتى الوقت الراهن لم يتم الحسم في أمر هذه المعضلة التي تتمحور حول أحقية ويكليكس بتلك التسريبات ، وتبقى ويكليكس فوق الطاولة جانبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى