هرقل الأكبر عظيم الروم ومحب الاسلام | أسلم أم كفر

كم دارت الأساطير حول هرقل وقوته الكبيرة ، وكم كتبت الأقلام أساطيرا في شجاعته ونفوذه حتى أنه اليوم لم تشبع من إنتاج أكثر من عشرة أفلام سينمائية أغلبها من وحي الخيال والتشويق. ، لن نتكلم في هذا المقال عن هرقل الإغريقي الذي ملئت قصته بالخرافات ولا عن هرقل بطل الأفلام الهوليودية ، وإنما سنتكلم عن عظيم الروم الحقيقي وإمبراطور الإمبراطورية البيزنطية.

 في عام 595م كانت الإمبراطورية البيزنطية تحكم أراضي واسعة من العالم ، وكانت القسطنطينية أو ما يعرف اليوم بإسطنبول تحت حكم الروم ، ومن بين قادة الروم وفرسانها كان هرقل الأكبر القائد الروماني الشرقي مشغولا في حربه ضد الفرس الساسانيين عندما وصله خبر ولادة امرأته مولودا ذكرا عام 575م في منطقة كابادوكيا الواقعة في دولة تركيا اليوم ، فأطلق عليه اسم فلافيوس أغسطس ليكتب التاريخ ذلك اليوم ولادة عظيم الروم ، كان هرقل الابن البكر للجنرال هرقل الأكبر وزوجته إيفانكا من عائلة أرمنية الأصل ترجع جذورها لعائلة الأرز التي حكمت أرمينيا في السابق .

 نشأ هرقل في عصر حروب الإمبراطورية البيزنطية مع الفرس وكبر وهو يتعلم من والده فنون القتال والتخطيط الحربي ، وقد كان له للأب دورا بارزا في مساعدة الإمبراطور موريس في حروبه ضد بهرام والدولة الساسانية ، ونتيجة دوره في الحرب عينه الإمبراطور بعد نهايتها نائبا الإمبراطورية على إفريقيا ، وكان مقر ولايته قرطاج تونس .

الأجواء التي سادت في رعين شباب هرقل

 في خريف عام 602م تمرد جند على الإمبراطور موريس في البلقان وساروا نحو العاصمة الخالية من الجند ، حيث حاصروها وسط ترحاب من سكان العاصمة الذين سئموا من سياسة الإقطاعي وتحكم ذوي الأراضي الواسعة بسياسة الدولة ، ففر الإمبراطور من العاصمة إلى رق ميديا وذلك عبر البوسفور مع عائلته ، ودخل المتمردون إلى العاصمة التي ملأت طرقاته بالذهب ونادى شيوخ الشعب وأعيانها في 23 من نونبر لعام 602 نادوا بأحد قادة التمردين وهو فوكاس ليصبح إمبراطورا جديدا للروم.

 وأما الإمبراطور المخلوع موريس فلم تفلح محاولته التحصن بنسق ميديا ، إذ أدركه المتمردون وضربوا عنقه مع عائلته .

سيطرة هرقل الأب على السلطة

 وبعد هذه الثورة ضد الإمبراطور البيزنطية أحس الفرس أن الفرصة أصبحت قريبة لهم للانقضاض على الإمبراطورية البيزنطية والثأر منها ، فقرر كسرى الثاني قيادة حملة عسكرية على بلاد ما بين النهرين وشمال العراق ، وزحف كسرى بنفسه إلى الرها عام 604م ، وانتصر على الروم البيزنطيين في العام ذاته ، وقد زحف الفرس على بلاد الشام ، وبعد هذه النكسة تخلى هرقل الأكبر عن دعمه للإمبراطور فوكاس ، وأرسل ابن عمه الأصغر نيك تاس إلى مصر ، فسيطر على السلطة الموالية للإمبراطور فوكاس .

وفي الوقت نفسه أرسل ابنه الأكبر هرقل مع أسطول صغير إلى العاصمة عن طريق صقلية وقبرص ، وقبل وصوله إلى هناك أجرى هرقل اتصالات مع القادة البارزين في الجيش مخططا للإطاحة بالحكم القائم هناك ، وتوعد هرقل الابن بإعادة أمجاد روما وكسر الفرس ، وفي النهاية قتل فكاس وتوج هرقل إمبراطورا للإمبراطورية البيزنطية.

الأب امبراطور روما

 بعد أن تقلد هرقل منصب الإمبراطور كتب إلى كسرى داعيا إلى السلام ، فرفض كسرى وجرد حملة عسكرية أخرى على سوريا ، فحرك هرقل جيشين الأول بقيادة فيليب القدس نحو كيليكيا ، والثاني بقيادته مع أخيه ثيودوسيوس لاستعادة أنطاكيا عاصمة سوريا الرومانية من الحكم الفارسي ، إلا أن جيش هرقل كسر وهزم في هذه المعركة واكتسح الجيش الفارسي الحاميات البيزنطية بدءا من حمص ثم إلى دمشق التي نهبت وقتل الفرس عشر سكانها عام 613م ، وسار الجيش الفارسي بعدها جنوبا نحو فلسطين فدخل القدس عام 614م بعد حصار دام عشرين يوما هدموا خلالها كنيسة القيامة وسلب الصليب منها.

وبحلول منتصف عام 621م كانت مصر بأكملها قد وقعت في أيديهم ، بدأ هرقل بمفاوضة الفرس على عقد اتفاق سلام مقابل فدية سنوية مقدارها ألف قطعة من الذهب وألفا من الفضة وألف ثوب من الحرير وألف حصان وألف عذراء من أجمل بنات الروم تؤدى سنويا إلى ملك الفرس وقد دفعت الكنيسة من ثروتها معظم الفدية .

للتعمق أكثر في الحرب الفارسية الرومانية اضغط هنا

اصلاحات هرقل الأب وحملاته

 حقق السلام للإمبراطور هرقل الفرصة لإعادة بناء جيشه وإدخال إصلاحات على النظامين العسكري والزراعي ، ومكن الجند من امتلاك الأراضي إذ قاموا بإصلاحها ، وبذلك وسع مساحة الأراضي المزروعة وجعل للجندي مصلحة شخصية في الدفاع عن الأرض ، وفي الخامس من أبريل عام ستمئة واثنين وعشرين من الميلاد كون هرقل جيشا عظيما، وغادر العاصمة تاركا إياها تحت إدارة البطريرك ووصاية ابنه ، وتوجه بالجيش إلى آسيا الصغرى وقد أضفى على الحرب صيغة الحرب المقدسة واتخذ من المسيحية شعارا لجيشه ، ومن أسيا الصغرى سار هرقل نحو أرمينيا وضرب فيها الجيش الفارسي في معركة فاصلة ، ما مكنه من تثبيت ملكه في أرمينيا ليعود بعدها إلى القسطنطينية لتموين الجيوش.

 وفي ربيع العام التالي استأنف هرقل حملته الكبيرة بجيش عظيم تهتز له الأرض ، فدخل أذربيجان وهاجم عاصمة الإمبراطورية الساسانية ، وبعد حصار هرب خلاله كسرى الثاني وحاشيته وقصفوا وأحرق فيها معبد النار المجوسي ، واستغل هرقل الأب سلسلة الانتصارات في تعبئة مزيد من القبائل المعادية للفرس لتكون خطوته التالية إطلاق الجولة الرابعة للحرب من القسطنطينية.

انتصار الروم على الفرس

 في 25 من مارس لعام 624م انطلق هرقل نحو نوميديا وكسب سلسلة معارك ضد جيش كسرى الثاني ، حاول الفرس إيقاف تقدمه عن طريق ضرب حصار على القسطنطينية ، غير أنه فشلوا في الحصار وانسحبوا في العام نفسه ، وفي الجولة الخامسة من الحرب تحالف عظيم الروم مع قبائل الخزر التركية وتمكن من دخول تبريز ومناطق بحر قزوين ، ونتيجة التقدم البيزنطي قام كسرى بإعدام قائد جيوشه أواخر عام 627م ، اتجه هرقل بعدها نحو شمال العراق متحالفا مع القبائل .

 وفي وادي الزاب حصلت معركة نينوى الفاصلة على جبهة بلاد ما بين النهرين في 12 من ديسمبر لعام 628م ، هزم فيها الفرس شر هزيمة فاستعاد هرقل الأسلحة التي سيطر عليها الفرس خلال مرحلة انتصاراتهم ، وبعد هذه الهزائم المتتالية للفرس حصل انقلاب في البلاط الفارسي خلع على إثره كسرى الثاني وقتل على يد ابنه قباد فيروز في 28 من فبراير لعام 628م ثم طلب قباد عقد السلام .

 فقابل عظيم الروم السلام على أن تعود حدود فارس إلى ما قبل الحرب الفارسية الرومانية الأولى ، وإطلاق سراح جميع الأسرى وإرجاع الصليب لعهدة الدولة البيزنطية في القدس ، فقبل قباد شروط السلام وأبرمت اتفاقية السلام في عام 629م .

هرقل ملك الملوك

 بعد انتصاره على الفرس اتخذ عظيم الروم لنفسه لقب ملك الملوك وهو اللقب التقليدي لملوك فارس وسيطرت الإمبراطورية البيزنطية خلال قرون المتلاحقة على نصف أوروبا الشرقية إضافة إلى تركيا والشام بأكملها ومصر وشمال الإفريقي ، الشيء الذي جعل هرقل أعظم إمبراطور في حقبة الإمبراطورية البيزنطية ، أنه استطاع إنقاذ الإمبراطورية من حالة الفوضى والترهل التي كانت تمر بها من ناحية ، وانتصاره على الفرس واستعادة أملاكه في الشرق من ناحية ثانية ، مؤسسا بذلك السلالة العرقية التي استمرت في حكم الإمبراطورية حتى عهد جستنيان الثاني عام 711م ويعتبر هرقل أكثر الأباطرة والشخصيات الغربية التي ذكرت في التراث العربي.

 هل أسلم هرقل ؟

 وقد ذكر أيضا في التاريخ الإسلامي حيث أشارت النصوص الإسلامية إلى معارك الروم والفرس ، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم نبأ خسارة الروم وأخبر أنهم سيغلبون في بضع سنين قادمة ، ولقد بينا لكم سابقا في هذا المقطع عندما هزمت الروم على يد الفرس وملكها كسرى الثاني، وبعد سنين انتصر الروم على الفرس بقيادة الإمبراطور هرقل عام ستمئة وتسعة وعشرين من الميلاد .

بعض المؤرخين المسلمين اللاحقين وجدوا أن عظيم الروم أرسل جوابا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم معترفا بنبوة الرسول الكريم قال فيها لقد استقبلت رسالتك مع المبعوث ، وأعترف أنك رسول الله المذكور لدينا في العهد الجديد فلقد بشرنا بك عيسى بن مريم ، وقد أشار في بعض المصادر أنه أبلغ سكان الإمبراطورية بذلك ، ولكنه خشي ثورتهم فتراجع معلنا أنه كان يختبر إيمانهم بالمسيح ، أثبتت المراجع أن هرقل كان على استعداد لاتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولكن في المقابل كانت هناك ثورة كبيرة في داخل البلاط الملكي ترفض تماما فكرة الإسلام . وأدرك هرقل أنه لكي يعلن رغبته في اتباع الرسول الكريم عليه أن يغامر بملكه وأن يخاطر بسيادته على شعبه.

اسلام كبير الروم

وفي رواية أنه قال دحية بن خليفة الكلبي والله إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل ، وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لتبعته ، وفي رواية ثانية ذكرها ابن كثير رحمه الله أن هرقل استدعى الأسقف الأكبر للرومان ، فعرض عليه هرقل الكتاب فلما قرأ الأسقف الكتاب قال هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر ، فقال هرقل فما تأمرني؟ فقال الأسقف أما أنا فإني مصدقه ومتبع رسالته ، فرد عليه هرقل أعرف أنه كذلك ، ولكنني لا أستطيع أن أفعل وإن فعلت ذهب ملكي وقتل نيرو.  يقول الإمام النووي رحمه الله تعليقا على موقف هرقل لا عذر له في هذا لأنه قد عرف صدق النبي ، وإنما طمع في الملك ورغب في الرئاسة فرفض الإسلام ، ولو أراد الله هدايته ووفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرئاسة .

كان هذا موقف هرقل من الإسلام ، أما موقف الدولة الرومانية فقد تحول لحرب ضروس ضد المسلمين ، وهذا الموقف نراه كثيرا في التاريخ فكثير من زعماء وأمراء ورجال دين في العالم يعرفون صدق الإسلام ويعرفون نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم يرفضون هذه النبوة حفاظا على ملكهم أو جحودا وإنكار لل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى