كيف نقرأ لغة الطقس ونفهم أسرار المناخ؟ | رحلة في أعماق الغلاف الجوي

الكثير منا لا يستطيع التفريق بين الطقس والمناخ ، بل إن الكثيرين يربطون الأمرين للتعبير عن الحالة الجوية الآنية أو الممتدة لأيام أو شهور أو سنوات، فالفرق بين الطقس والمناخ يكمن كون الأول يدرس حالة الغلاف الجوي لمدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أيام على سبيل الدقة في التوقعات، وأما المناخ فهو حالة الغلاف الجوي لمددة طويلة قد تصل إلى 30 سنة أو أكثر، لكن ما يجمعهم هو دراسة خصائص الغلاف الجوي وتفاعلاتها المتمثلة في الضغط الجوي ودرجة الحرارة والرياح والتكاثف والرطوبة … وتأثرها بالارتفاع وتوزيع اليابس والمحيط وكذا التيارات البحرية …

وعملية التغيرات بين الطقس والمناخ تختلف، حيث أن الطقس من الممكن أن يتغير بين الفينة والأخرة وبشكل سريع، في حين أن المناخ يتغاير بشكل بطئ وبعيد المدى ، ولا ريب أن حالة الطقس تؤثر في المناخ على المدى البعيد خاصة إذا استمر طقس محدد لزمن طويل، فمثلا ارتفاع دراجات الحرارة لمدد طويلة في مكان وزمان معينين سيؤثر على الحياة في تلك المنطقة، فحدوث عملية تبخر طويلة المدى على بحيرة سيؤدي إلى جفافها وبالتالي سيؤثر على الحياة البيولوجية للمنطقة وعلى طقسها أيضا.

وتعد الحرارة هي الأكثر تعبيرا عن حالة المناخ في منطقة معينة لكونه له آثار شاملة وكبيرة على جل الأغلفة ( الغلاف الحيوي ( الحياة ) – الغلاف السخري ( الأرض والتضاريس ) – الغلاف المائي ( الأنهار والبحيرات ) – الغلاف الجوي (تأثر التساقطات والحرارة والرطوبة ) ) .وبهذا فالأمر يحيلنا مباشرة إلى كون المناخ هو حالة تفاعلية بين الغلاف الجوي والأغلفة الأخرى.

كيفية رصد التغيرات المناخية وأهميته ؟

فعملية رصد التغيرات المناخية بين فترتين زمنيتين مختلفتين ومنطقتين مختلفتين، يتم الاعتماد على ثلاثة عناصر، وهي الحالة العادية للغلاف الجوي ، والحالة المتطرفة التي تحدث فيها ظواهر غير معهودة في تلك المنطقة ، وكذا الترددات أو التكرارات لحدوث ظواهر معينة ، وتتم عملية الرصد عبر المقارنة بين الحالة المناخية في زمنين مختلفين يمتد كل واحد منهم إلى 30 سنة مثلا المقارنة بين حالة المناخ ما بين سنتي 1870 – 1900 و 1994 و 2024 ، وفي هذه المقارنة نستكشف التغايرية المناخية التي حدثت ، والظواهر التي ظهرت بشكل أشد أو أقل كالأعاصير والحرائق وغيرها ، وحجم تكرار هذه الظواهر .

ففي الكثير من الأحيان يكون متوسط الظروف المناخية لمنطقة ما مطابقة لمنطقة أخرى لكن الاختلاف بينهم يكمن في المدد التي تستمر فيها تلك الظروف ، ويتم الاعتماد في دراسة الاختلافات المناخية للمناطق على مقاييس لرصد حالة الغلاف الجوي في مناطق جغرافية محددة للرصد، كالمقياس المجهري الذي يستهدف قطاع مكاني لا يتجاوز 0.5 كلم ، ومقياس محلي يستهدف البلدات تمتد من 0.5 إلى 5 كلم ، ومقياس متوسط يمتد فوق 5 إلى 100 كلم ، ومقياس شامل من 100 إلى 10000 كلم ، ثم مقياس كوكبي يصل إلى مداه إلى دراسة حالة الغلاف الجوي لنصف الكرة الأرضية أو بكاملها يبلغ مداه من 10000 إلى 40000 كلم .

إن رصد التغيرات المناخية له أهمية كبيرة من الناحية الحياتية والاقتصادية ، فمثلا تغير مناخ متوسطي إلى مناخ شبه صحراوي سيؤثر على الحياة النباتية والغابية وسيؤدي إلى تراجع مهول في حجم الغابات ، إذا لم يتم التصدي لذلك التراجع عبر استبدال نباتات أكثر قابلية للمناخ الجديد، ولا ننسى أن التغيرات المناخية تدفع بسياسات الدول الاقتصادي إلى التغيير ، فبدل الاعتماد على القطاع الفلاحي يجب الاعتماد على الصناعة، كما أن قطاع السكن سيتغير ليستوعب أكثر، الظروف المناخية الجديدة ….

الفرق بين علم المناخ والأرصاد الجوية ( الطقس )

إن علم المناخ هو علم يهتم بدراسة حالة الغلاف الجوي في زمان ومكان معينين، بل إن هذا العلم يتجاوز دراسة الغلاف الجوي إلى دراسة عملية التفاعل بين الغلاف الجوي والأغلفة الأخرى، فمثلا انفجار بركان قد يؤدي إلى انبعاث غازات إلى الغلاف الجوي ( من الممكن أن تكون الغازات سامة وقاتلة )، ورغم أنه ليس للغلاف الجوي أي دور في هذه الانبعاثات التي سببها هو الغلاف السخري ، إلا أنه يوجد عملية تأثير وتأثر بين الاثنين ، كما أن انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون التي تكون نتيجة للمصانع وحتى الكائنات الموجودة على الأرض، تؤثر على حالة الغلاف الجوي، وفي حالة المناخ على المدى المتوسط والبعيد على حسب كمية الانبعاثات، وبالتالي هناك عملية تفاعل بين الغلاف السخري والجوي، والمائي والجوي، والحيوي والجوي…

وهناك عدة فروع لعلم المناخ، حيث يوجد علم المناخ الدينمي الذي يهتم بالعمليات التي تؤثر على حركة الغلاف الجوي، وعلم المناخ التطبيقي الذي يبحدث عن الآثار لتغايرية المناخية عوض البحث عن الأسباب، و كذا علم المناخ المائي الذي يهتم بالعملية التفاعلية بين الغلاف المائي والجوي ، وعلم المناخ القديم الذي يدرس حالة الغلاف الجوي خلال الأزمنة القديمة التي غابت عنها عملية الرصد الآلي، متعمد في هذه الدراسات على الأوصاف التي وصفها الكتاب والفنانين في تلك الحقبة بالاعتماد على الكتب والروايات الشفهية والمخطوطات …. وكذلك الحفريات والمستحثات … وهناك علم المناخ الحيوي الذي يدرس عملية التفاعل بين الغلاف الجوي والغلاف الحيوي .

الأرصاد الجوية ( الطقس )

إن علماء الأرصاد الجوية يرصدون حالة الغلاف الجوي لمدد لا تتجاوز ثلاثة أيام، يتم تحديد فيها اتجاه الرياح والتساقطات والرطوبة والحرارة … ويتم الاعتماد على دراسة الغلاف الجوي في المستقبل أي وضع توقعات لحالة الغلاف الجوي للأيام المقبلة ، ورغم أن علماء الأرصاد الجوية لا يقحمون في علمية رصد التغايرية المناخية ، إلا أن الأرصاد الجوية تعتبر بياناتها مهمة لدراسة حالة المناخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى