كتاب روح الاجتماع | غوستاف لوبون
يعد كتاب روح الاجتماع واحد من أهم الكتب التي درست علم الاجتماع أو علم النفس الجماعي ، وكيف تؤثر المجموعة في سلوك الفرد مما يجعل حريته تحت سلطة الجماعة ،
ملخص كتاب روح الاجتماع
كثيرون منا يعتقدون بأن التحولات الكبرى التي حدثت في هذا الكون من أفكار عظيمة واختراعات مبهرة وتقدم وتطور المدنية في مجموعة من الحضارات والثقافات والأمم ناشئة فقط عن تطور سياسي في بعض الأنظمة ، أو هي نتيجة طبيعية لحروب قامت بها هذه الأمة أو تلك ، لكن حينما يمعن الإنسان نظره ويتأمل في هذه التحولات الكبرى يتبين أن وراءها سببا حقيقيا هو التغير الكلي في أفكار تلك الأمم ، وهذا ما يسعى إلى توضيحه كتاب روح الاجتماع للفيلسوف والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون ، إذ يؤكد على أن التقلبات السياسية الحقيقية الكبرى ليست هي التي تدهش الباحثين بعظمتها وعنفها ، وإنما الانقلاب الصحيح الجدير بالاعتبار الذي يؤدي إلى تغيير حال الأمم المدنية يحصل في الأفكار والتصورات والمعتقدات .
الجماعات لها روح جماعية
يؤكد لوبون بأن الجماعات لها روح جماعية وتتميز بكثير من الصفات التي تميزها عن الصفات الخاصة ، ولعل أهم هذه الخصائص تتميز بها هذه الجماعات هو قابليتها للاندفاع والتقلب والغضب ، فالجماعة أو الجمهور يندفع بفعل المؤثرات الطبيعية التي تؤثر عليه ، فتكون الجماعة رحيمة أو قاسية . لكنها تكون على الدوام شديدة ، فلا تثنيها المنافع الذاتية حتى منفعة حفظ الذات نفسها ، كما تكون الجماعة متقلبة كذلك وهذا هو السبب في أنها تنتقل فجأة من أفظع الأعمال إلى أكبرها رحمة وكرما ، فلا يوجد شيء سهل قدر أن الجماعة جلادة . ولكن ما أيسر أن تكون ضحية أيضا ؟ كما تتميز الجماعة بسرعة تصديق الأشياء والأخبار التي تعرض عليها ، وهذا ما يفسر اختراع الأقاصيص والإشاعات التي تنتشر بسرعة بين الناس ، لأن الجماعة تفكر بواسطة التخيلات ، وكل تخيل يجر إلى تخيلات ليس بينها وبينه أدنى علاقة معقولة .
وكيف ما كانت مشاعر الجماعة سواء طيبة أو رديئة ، فإن لها صفتين أساسيتين ، بسيطة للغاية وغلو للنهاية ، وهنا يفقد الفرد داخل الجماعة ملكة التمييز الدقيق ويرى الأشياء في جملتها ، ولا يعرف ضرورة الانتقال من طور إلى آخر ، ومما يزيد في غلو مشاعر الجماعة أن كل إحساس ينتشر .
أفكار الجماعات لا رابط بينها
لا بد من التأكيد هنا أن الأفكار التي تلقى في نفوس الجماعات كيفما كانت طبيعتها لا يمكنها أن تسود إلا إذا وضعت في الشكل قواعد مطلقة وبسيطة لتبدو لها في أبهى صورة ، وهو الشرط اللازم لأن تحل من نفوسها محلا كبيرا . وليس بين هذه الأفكار المصورة روابط عقلية من التشابه أو التزام ، فيجوز أن يحل بعضها محل بعض ، ذلك هو السبب في قيام الأفكار المتناقضة بجانب بعضها عند الجماعات وعلى حسب الأحوال ، تكون الجماعة تحت تأثير أحد هذه الأفكار التي اجتمعت في مخيلتها ، فتأتي بأشد الأعمال تناقضا وتقاربا.
وقد يظن البعض بأن الجماعة يمكنها أن تخضع لروابط عقلية ، وهذا ما نفاه لوبون لأن تعقل الجماعات عبارة عن الجمع بين أشياء متناقضة لا رابطة بينها إلا في الظاهر والأدلة التي يقدمها إليها ، أولئك الذين عرفوا كيف يقودونها كلها من هذا النوع لأنها هي الأدلة التي تؤثر فيها بخلاف الأدلة المنطقية والعقلية ، ولعل جانب عدم التعقل داخل الجماعات هو ما يجعل التخيل إحدى سماتها الأساسية ، فالجماعات بالذات هي التي لا تعقل في حدة التخيل والفعل الدائم ، وفي قابليتها للتأثر الشديد في الصورة التي تحضرها من إنسان أو واقعة تؤثر فيها كما لو كانت الحقيقة بعينها .
صفات قادة الجماعات | كتاب روح الاجتماع
غالبا ما لا يكون قادة الجماعات من أهل العلم والرأي ، بل هم من أهل العمل والإقدام وخاصيتهم الأساسية هي أنهم قليلو التبصر والتفكر والتريث ، لأن التأمل والتفكر غالبا ما يؤدي إلى الشك ثم إلى الركون والجمود والكسل ، كما يتميزون بأنهم كما تحكي مجموعة من الدراسات مصابون بأمراض الأعصاب وتداعياتها أو مصابون باضطرابات على مستوى قواهم العقلية ، فيكونون قريبين من الجنون منه إلى التعقل والتبصر ، والدليل على ذلك هو أنهم إذا اعتقدوا في شيء كيفما كان معتقدهم باطلا ، فإنهم لا تنفعهم حجة ولا دليل عن الاستمرار في معتقدهم مهما كانت العواقب ، كما لا يؤثر فيهم الاحتقار ولا الاضطهاد ولا التنقيص من مكانتهم الاجتماعية والفكرية والنفسية ، بل ذلك يزيدهم هوسا وعنادا ، ومن أجل أن يحققوا أهدافهم يلتمس قادة الجماعات مجموعة من الطرق لإقناع جمهورهم بالتوكيد ، وهو أهم العوامل لبث الفكر في نفوس الجماعات متى كان بسيطا خاليا من التعقل والدليل.
الجماعات نوعان جماعات مختلفة العناصر وجماعات مؤتلفة العناصر
كلما كان التوكيد موجزا مجردا عن كل ما له مساحة للحجة والتقرير كان عظيم التأثير ، كما أن للنفوذ قوة لا تقف أمامها قوة أخرى ، وكل سلطة سادت في الوجود سواء كانت سلطة الأفكار أو الرجال فهو سبب في قيامها وسيادتها ، والنفوذ عبارة عن سلطة رجل أو عمل أو فكر يستولي بها على العقول ، وتلك السلطة تعطل ملكة النقد فتملأ النفس اندهاش واحترام الفكرة يكون من قبل قادة الجماعات وهم الرأس المدبر فيها . لهذا يستعملون طرقا متعددة من أجل إقناع جمهورهم ، يقسم لوبون أنواع الجماعات إلى قسمين أساسيين ، جماعات مختلفة العناصر وجماعات مؤتلفة العناصر ، ولكي نفهم كل واحدة على حدة يمكننا القول بأن هناك عوامل أصلية يسهل معها تمييز الجماعات مختلفة العناصر تمييزا تاما.
فالجماعة المؤلفة من أفراد أيا كانوا وهم إنجليز تختلف كثيرا مع الجماعة التي تتألف من أفراد أيا كانوا وهم خليط من الروس والفرنسيين الإسبانيين مثلا ، وهذا الاختلاف غالبا ما ينشأ عن الوراثة العقلية في كيفية الشعور والنظر في الأمور . أما الجماعات المؤتلفة العناصر فتفرقوا إلى أحزاب وطوائف وطبقات ، وهي تتألف من أفراد مختلفين في التربية والحرفة والبيئة أحيانا ، ولا جامعة تجمعهم إلا وحدة الاعتقاد ومن هذا النوع الأحزاب السياسية والأحزاب الدينية والطوائف ، وهي تتألف من أفراد متحدين في الحرفة ، فهم متشابهون في التربية والبيئة كجماعة الجند وجماعة الرؤساء الروحانيين والطبقات التي هي أفرادها من مناشئ مختلفة . وما يجمع بينهم هو المنافع والشبه في الحالة المعيشة والتربية كالطبقة المتوسطة في الأمة وطبقة الفلاحين وهكذا…