ما معنى البراغماتية ؟ نشأتها وأعظم المنظرين لها | الفكر الغربي
لا يمكننا أن نعتبر البراغماتية أيديولوجيا أو معتقد فهي ليست فلسفة مغلقة أو ثابتة بل هي منهج فكري أو طريقة من طرق التفكير لا يؤمن بحقيقة مطلقة ولا بثبات أي شيء ، فكل شيء يتغير مع مرور الوقت وخاصة الأفكار ، وما تهتم به البرغماتية هي واقعية الأشياء والفائدة منها وليس الاهتمام بمبادئ غير ملموسة على أرض الواقع ، وبشكل مبسط قيمة أي شيء يرتبط بتأثيره ، حيث أن هذه الفلسفة لا تهتم بكون الفكرة صحيحة أو خاطئة بل هل الفكرة مضرة أو نافعة أي لا يهم محتوى الفكرة بل المهم هو نتائجها ولا يهم ما نقوم به بل المهم هي الفائدة التي سنحصل عليها من أفعالنا ، لذلك قد نعتبر هذه الفلسفة مختبرا لجميع الفلسفات لأنها تسعى لحل النقاشات والجدالات اللامتناهية بين كل الفلسفات والبقاء في نهاية المطاف للأصلح .
كما تعتبر الفلسفة البراغماتية أن السعي وراء أخلاق ومبادئ صالحة في كل زمان ومكان هي مضيعة للوقت لأن الظروف تتغير والثقافات تختلف ، ولا يوجد حقيقة مطلقة لأن الحقيقة مجرد وجهات نظر أنشأها أشخاص حسب ظروف معينة ، لأن الانسان في حد ذاته ليس كائنا مطلق فهو يخضع لقيود بيولوجيا وتفكيره محدود ومعرفته مقيدة ماديا ، والكثيرين سيعتبرون أن الفلسفة البرغماتية فلسفة إلحادية حالها كحال العدمية والوجودية والعبثية ، وهذا خاطئ فهي تقرب بين المادة والمثالية فالدين إذا كان له دور في اصلاح المجتمع فوجب الاعتماد عليه ، ولا ننسى أن الدين له الدور الكبير في اخراج المجتمعات القديمة من البربرية والوحشية إلى التحضر والنمو .
نشأة البراغماتية
عندما نتحدث عن البراغماتية فنحن نتحدث عن فلسفة أمريكية خالصة ، فقد وجدت هذه الفلسفة أرضا خصبة داخل المجتمع الأمريكي الذي كان تواقا للثروة والحرية ، خاصة وأن أمريكا في ذلك الوقت كانت في طور التنشئة وكانت تحتوي على تنوع عرقي وفكري وديني لذلك كان من اللازم صناعة فلسفة تساير رغبات الانسان ولا تتصادم مع أي عقيدة أو دين ، كما أن الفلسفة البراغماتية هي فلسفة متوافقة مع الطابع الرأسمالي الذي يقوم عليه الاقتصاد الأمريكي ، ولا ننسى أن هذه الفلسفة وجدت في ذلك الوقت أوضاعا تساعدها على الترسخ في أذهان الأمريكيين الذين كانوا يعيشون في حالة حرب أهلية ، وفي الحرب تظهر المصالح والضرورات وتسقط القيم والأخلاق .
وجدت هذه الفلسفة طريقها إلى النور والعالمية بعد انتقالها للمجتمع الأوربي والذي بدوره كان منغمسا بالفلسفة المثالية أو العقلانية ، كان من الغريب أن تنتقل الفلسفة البرغماتية إلى المجتمع الأوربي ، لكون أوروبا غنية بالفلاسفة والمفكرين ، فهي الأخرى انتقلت لها الفلسفة البراغماتية في خضم الحرب العالمية الأولى بسبب ما عانته المجتمعات الأوربية من ويلات الحرب التي جعلت منها مجتمعات تتقبل الواقع وتركض وراء مصالحها الشخصية ، عوض الاهتمام بالمبادئ والجماليات .
فالفلسفة البرغماتية هي فلسفة العصر الحالي رغم أنها ظهرت في القرن 19م فالعلاقات الدولية يكتسيها طابع المصلحة ، وحتى المجتمعات أصبحت متقبلة لهذه الأفكار وأصبحت مؤمنة بها .
الأمور التي جعلت الفلسفة البرغماتية تظهر كفلسفة عالمية
ما جعل الفلسفة البراغماتية فلسفة تقنع الجميع أنها فلسفة تحاكي مصلحة كل انسان ، ويعود ذلك لكونها هي في حد ذاته تأثرت بالحرب والسياسة ، وأصبحت تستعمل في كل مناحي الحياة ، ولا ننسى أن هذه الفلسفة أمسكت من الطابع العلمي منهجا لها ، بحيث تأثرت بنظرية التطور التي أنشأها تشارلز داروين ، كما لعب التحول الذي شهده العالم في القرن 19م دور كبير في نشأت هذه الفلسفة وتأثرها بالعالم الذي بدأ بالتحول من المجتمعات زراعية بدوية إلى مجتمعات صناعية والحضارية .
رواد الفلسفة البراغماتية
تشارلز بيرس : عاش ما بين سنتي ويعد هو أول من صاغ مصطلح البرغماتية في مقال له سنة 1878م ، وكان يرى أن الفكرة عبارة عن خطة للعمل وجودها مرتبط بنجاحها ، ومصداقية الأفكار مرتبطة بالقيمة الفورية لها ، وقد اعتبر أنه من المستحيل أن نفسر العالم من طبيعة الوجود إلا من خلال الانسان الذي يتفاعل مع الطبيعة .
وليام جيمس : عاش ما بين سنتي بعد هذا الأخير هو الذي قاد هذه الفلسفة للأوساط الأكاديمية والعالمية ، فالبراغماتية بالنسبة ل وليام جيمس هي طريقة التوفيق بين جميع الأفكار العقلانية والتجريبية فالغرض هو النتيجة ، الواقع هو الذي يتبع الفكرة وليس العكس .
جون ديوي : عاش ما بين سنتي قام جون ديوي بادخال الفلسفة البرغماتية إلى الأوساط التعلمية ، حيث مزج بين علوم التربية والبرغماتية ، وكان يرى أن أن الدماغ ليس أداة للابداع بل أداة اللانتاج والاستثمار ، وقد نعتبره هو الرجل الذي قاد مصطلح التنمية البشرية إلى العلن ، واعتبر أن الاستثمار في الرأس المال البشري أهم من أي استثمار أخر ، تطوير الانسان سيؤدي إلى الاستمرار في الانتاج .