ما سبب قسوة ووحشية الرومان ؟

 كانت هناك دلائل كثيرة على وحشية الرومان قديما ، سواء من عمليات التعذيب والقتل الممنهجة للمواطنين ، أو حتى من التبريرات الدينية لما يقومون به ، حتى أن أساطير الآلهة الرومانية كانت تصور بمنتهى القسوة وتشهد تقلبا حاد في المشاعر والمزاج ، ومن خلال ما نعرفه عن الآلهة الرومانية يبدو أنهم كانوا متشابهين في وحشيتهم التي تميزت بالطابع الحيواني والسادية المفرطة ، وقد تغير كل ذلك تدريجيا مع اعتماد المسيحية كدين رسمي للإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي ، حيث تم فرض قيود على ألعاب المصارعة والإعدام والتعذيب ، كما تم التخلص التدريجي من إلقاء الوحوش وإلغاء الصلب كشكل من أشكال العقاب.

 لكن كانت الممارسات الوحشية للثقافة الرومانية راسخة بحيث كان من الصعب محوها وظلت قائمة حتى سقوط الإمبراطورية في الغرب ، يفسر البعض أن هذه الوحشية الرومانية تفسير اجتماعي وسياسي يظهر في سيطرة الإمبراطورية الرومانية على معظم دول البحر المتوسط ، وبذلك أصبحت أكثر قسوة في تعاملاتها مع منافسيها القدامى الذين بمقارنته مع الحكام الرومان سيكونون أكثر هدوءا ورحمة.

الفساد سبب في وحشية الرومان

يؤكد الكثير من علماء الاثار أن الأفعال والانتهاكات التي كان يقوم بها الرومان تعزو إلى الفساد المتزايد للجمهورية والانهيار الأخلاقي الذي شهدته الإمبراطورية قبل أعوام من تفككها ، والسبب في ذلك الانحلال يرجع إلى الديكتاتورية العسكرية التي تفشت لقرون طويلة وأصبحت مسيطرة على الإمبراطورية بأكملها ، حيث بدأت كل أطياف المجتمع في انتهاك القوانين والأعراف الاجتماعية ، إلى أن أدى ذلك في النهاية إلى تأكل الأسس التي تقوم عليها الإمبراطورية الرومانية وأعرافها .

هل الرصاص كان سببا في وحشية الرومان

 ومن بين كل هذه التفسيرات التي أدت إلى انهيار الإمبراطورية ، هناك ظاهرة كيميائية غريبة واحدة زادت المشكلة سوءا ، كان المجتمع الروماني مجتمعا متقدما من الناحية التكنولوجية ، فقد نجح الرومان في حفر أول قناة لجلب المياه إلى قلب روما ، في عام 312 قبل الميلاد جاء نظام السباكة الذي جلب المياه إلى المنازل والمباني السكنية متعددة الطوابق ، وتم اعتماد تنفيذ هذا النظام في كل مدينة رئيسية في الإمبراطورية كنظام سباكة ناجح قادر على ضخ المياه في جميع جوانب المدن الكبرى ، ومن أجل تنفيذ هذه المشاريع المتقدمة كان يتم ربط هذه القنوات بأنابيب مصنوعة من الرصاص ، ونحن نعلم اليوم أن الرصاص مادة سامة جدا وخطيرة عند تناولها لأنها تسبب أضرارا بالجسم والعقل.

 حتى علماء روما القدماء كان لديهم فكرة أن تناول الرصاص أثناء تناول الماء أثر سلبا على صحة المرء ، ولكنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى حل لهذه المشكلة ، وسرعان ما استنتجوا أن استهلاك المياه من الأواني الفخارية والأنابيب الترابية كان أكثر صحة من الأوعية المصنوعة من الرصاص ، ولكن يبدو أن صعوبة التواصل بين المدن الكبرى قديما قد أثر على انتشار المعلومة بين الناس واستبدال الأنابيب المعدنية التي تحفظ المياه بأخرى مصنوعة من الأواني الفخارية ، كان يمكن أن تشكل هذه الأنابيب تدريجيا في بعض الأحيان طبقة صلبة من كربونات الكالسيوم ، وهي المادة التي زادت من عزل المياه عن تلوث الرصاص.

كل هذا كان يعني أن استهلاك المياه اليومي من هذه الأنابيب كان يعني التعرض المستمر وبدرجات محددة للتسمم من الرصاص ، إذا كان الفرد يشرب ويغسل طعامه ويطبخ من المياه التي تحملها الأنابيب لفترات طويلة ، ولم ينسى علماء الرومان أن يسجلوا ملاحظاتهم حول هذه الظاهرة ، بالإضافة إلى الدراسات التي أكدت في عام 2014 أن نسبة تلوث المياه في المدن الرومانية كانت أعلى مئة مرة من تلوث المياه في المدن المجاورة ، وهذه النسب كانت كافية لتكون قاتلة ويمكنها إنهاء حياة كثيرين أو التسبب في أمراض مزمنة لهم .

استعمال الرصاص في الأدوية

 وليست المياه هي المسؤولة عن شيوع التسمم بالرصاص في الإمبراطورية الرومانية فقط ، فقد شاع استخدام الرصاص في الأدوية ، وكانوا يضيفون ملعقة صغيرة واحدة لتحلية النبيذ الذي كان يحتوي بدوره على ما يكفي من نسبة الرصاص للإصابة بتلف الكلى والكبد ، وربما يكون بعض الأرستقراطيين الرومان قد تناولوا نصف لتر إلى لترين من النبيذ الحلو كل يوم .

 استخدم الرومان أيضا الدم في مستحضرات التجميل جنبا إلى جنب مع مجموعة من المواد الكيميائية الضارة ، بما في ذلك الزرنيخ الذي كان يمكن امتصاصه من خلال الجلد ، إضافة إلى كل هذا التعرض الطفيف للرصاص من خلال استهلاك المياه ، وبما ان النبيذ كان عاملا قويا اضافيا للإصابة بتسمم الرصاص ، فإن ذلك يعني أن النخبة الرومانية الغنية وسكان المدن الرومانية الأغنياء والفقراء كان لديهم احتمال أكبر بكثير للتسمم بالرصاص من مواطنيهم من الطبقة الدنيا في الريف الذين تفتقر مدنهم إلى السباكة الداخلية ، وإغراءات النبيذ الحلو واستخدام المكياج.

كيف يمكن الاصابة بتسمم الرصاص

 يمكن للرصاص أن يدخل الجسم من خلال ملامسة العينين أو عن طريق الامتصاص من خلال الجلد ، وبالتالي تناول الطعام المغسول وشرب المياه الملوثة أو حتى غسل أنفسنا في الماء الملوث ، سيكون هذا من أكبر أسباب التسمم الدم في روما القديمة ، عندما يتم امتصاص الرصاص أجسامنا لا تعرف حقا ما يجب القيام به ، ولذلك تقوم بتخزينها في عظامنا ، ومن بعدها ينقلها الدم إلى الدماغ والكلى والكبد والرئتين ، كما يتداخل الرصاص في الجهاز التنفسي

أعراض الاصابة بالرصاص

 يمكن للجسم الذي يتعرض لكمية كبيرة من الرصاص المخزنة أن يعاني من الصداع ، وزيادة ضربات القلب والقيء والإسهال والإمساك وفقدان الوزن السريع إلى أن يصبح ضعيفا جدا جسديا ، ثم يبدأ تليف الكبد والكلى تدريجيا وتمول الدم ، ويحدث في النهاية صدمة عصبية تؤدي إلى الموت ، كما كان من المحتمل أن يحدث أعراض أخرى مثل حساسية المفاصل والأطراف التي أخطأ الرومان في فهمها ، كذلك صعوبة الهضم وعدم وضوح الرؤية وتورم الدماغ . ومن الأثار العصبية الشائعة أيضا التهيج والهذيان والاكتئاب واللامبالاة وزيادة خطر الغيبوبة .

أعراض الرصاص في أباطرة روما وأبناء الطبقة الأرستقراطية

 من الغريب في الأمر هو وجود دلائل حول 25 إمبراطور روماني وعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ الأرستقراطيين الذين ظهرت عليهم أعراض جسدية أو سمات سلوكية متسقة مع التسمم بالرصاص ، وتشمل هذه القائمة يوليوس قيصر مع سلوكه الوحشي ، وكذلك كاليجولا الذي تغيرت شخصيته بشكل مفاجئ بسبب إصابته بالصرع ، وكذلك الإمبراطور كلوديوس الذي أصيب بالعديد من الأمراض الجسدية والعقلية بسبب تعرضه بشكل مستمر للرصاص.

 يعتقد أن تعرض الجسم لعقود من الزمن في مرحلة البلوغ لهذه الكمية من الرصاص تتسبب تدريجيا في بعض السلوكيات العدوانية نقص الانتباه وانخفاض معدل الذكاء ، ولكن يمكن أن تتطور إلى السلوكيات المتهورة والعنيفة المعادية للناس والقسوة على الحيوانات ونقص التعاطف مع الأخرين والتفكير السادي المتطرف ، وهو ما كان يميز الكثير من الأباطرة الرومان ، والذي ظهر بوضوح في سلوكياتهم وتعاملهم مع أعدائهم وقسوتهم وتصرفاتهم في أعقاب كل من يخالفهم الرأي.

 ومن هنا يؤكد بعض علماء التاريخ أنه ربما كانت القوة التي تتسم به الإمبراطورية الرومانية والتي تسببت في شهرتها وتماسكها لقرون طويلة هي في الحقيقة إمبراطورية يقودها مجموعة من المعقدين والمطربين نفسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى