مهاتما غاندي دافع عن المسلمين أم كرههم | قومي أم عنصري
ولد غاندي الملقب بـ المهاتما “ومعناه باللغة السنسكريتية الروح العظيمة” في الثاني من أكتوبر تشرين الأول عام ألف وثمانمئة وتسعة وستين في “بور بندر” في شبه الجزيرة كسو بمقاطعة “غوجارات” الهندية لعائلة لها باع في السلطة ، وعلى عكس كثير من منظري العالم لم يولد غاندي فقيرا فقد كانت أسرته إقطاعية وغنية ، والده كان يشتغل كاتب في ادارة الدولة وتزوج اربع مرات ، وقد تمكن غاندي من دراسة القانون في لندن قبل توجهه للعمل في جنوب إفريقيا ، حيث كانت تعيش هناك جالية هندية كبيرة غالبيتها من الهندوس ، وكان غاندي قد غادر عائلته ووطنه عام ألف وثمان مئة وثمانية وثمانين بعد أن وعد والدته ونساء العائلة أن يبقى نباتيا مخلصا للطبيعة ولا يشرب الكحول ولا يفعل الفواحش ، فهكذا كانت الثقافة السائدة التي تربى بها غاندي الطفل في عائلة كانت هندوسية محافظة على التعاليم والقيم.
بعد ثلاث سنوات من الدراسة عاد غاندي للهند ، وبعد ذلك بعامين حصل على عقد عمل في جنوب إفريقيا التي كانت هي الأخرى مستعمرة بريطانية في ذلك الوقت ، والعقد كان لشركة كبيرة في مجال المحاماة، ما يعني أن غاندي سيكون قادرا على العيش في نفس المستوى الذي تربى فيه ؛ لكن ما حدث هناك كان العكس فجنوب إفريقيا كانت بلدا يعيش بنظام عنصري صريح حيث تحكم فئة بيضاء بريطانية أغلبية من السود سكان البلد الأصليين ومعهم أقلية جاءت من آسيا ودول كالهند والصين وإندونيسيا ، وبحكم عمل غاندي في المحاكم والقانون شاهد هذا التمييز والاضطهاد عن قرب .
أول ما اصطدم
فكان أول ما اصطدم به قانون أصدرته السلطات هناك يحرم المواطنين من أصل هندي من التصويت في الانتخابات ، فقرر غاندي الشاب أن يغيير هذا القانون على عاتقه ، وأسس حزبا في جنوب إفريقيا باسم المؤتمر مهمته الدفاع عن المواطنين من أصل هندي ، ترافع مع الحكومة الجنوب إفريقية في المحاكم وتمكن من إجبارهم على تعديل القانون فاكتسب شعبية واسعة ، وبدأ يكتسب أفكارا جديدة يمكن صياغتها بسياسة اللاعنف ، حيث تمكن بطرق سلمية من انتزاع حق مواطنيه دون إراقة الدماء.
صعود نجم غاندي
تمكن غاندي من التصدي لعدة إجراءات تعسفية صادرة من حكومة البلد الإفريقي كقانون يمنع هجرة الهنود للبلاد وقانون آخر يفرض على المواطنين من أصل هندي إعادة تسجيل أنفسهم في السجلات الحكومية بعد بلوغهم العاشرة ، كل هذه معارك كسبها غاندي في شبابه ونضاله أيام إقامته في جنوب القارة الإفريقية ، واكتسب معها بلورة كاملة لأفكار سيتبعها بعد عودته إلى الهند وستعرف في العالم باسم قوة اللاعنف أو سياسة اللاعنف ، وهي سياسة قائمة على النضال والكفاح بطرق سلمية ، كما تقوم فكرتها على تحمل أقصى درجات العنف من السلطة أو المحتل في سبيل إجبارها على تغيير مسارها ، ولا يهم متابعي هذه السياسة إذا ما كان سيتعرض للعنف أو الضرب أو الاعتقال أو حتى القتل ، فالمهم أن تعترض وتشعر الطرف الآخر بالإحراج.
عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر عاد غاندي للهند ، وفي ذلك الوقت كانت بلاده تحت قبضة الاستعمار الإنجليزي وكان أول ما وجده في بلاده قرار بريطاني يقضي بدخول الهند في الحرب العالمية الأولى ، أمر رفضه غاندي بداية وبعد مفاوضات عدة مع الإنجليز وافق عليه بعد تنفيذ شروطه والتي كانت بغالبيتها تهدف لتحسين حياة العمال والفلاحين ، سريعا اكتسب غاندي في الهند قاعدة عريضة من أبناء طائفته الهندوس ، وبات زعيما روحيا لهم ، لكن سرعان ما توسعت قاعدته ليكتسب احترام أتباع طوائف أخرى ، خاصة بعد مسيرة الملح والصيام حتى الموت.
ومسيرة الملح هي تظاهرة نظمها غاندي مشيا على للأقدام لمدة أربعة وعشرين يوما عام ألف وتسعمائة وثلاثين احتجاجا على احتكار البريطانيين لصناعة الملح ، ما أجبرهم على إلغاء سياسة الاحتكار هذه ، والصيام حتى الموت هي حركة نفذها غاندي عام ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين اقتضى بموجبها الامتناع عن الطعام حتى الموت احتجاجا على قرار حكومي يقضي باستبعاد جماعة هندية تدعى المنبوذين من الترشح للانتخابات .
حصول الهند على الاستقلال
عام ألف وتسعمائة وسبعة وثلاثين استقال غاندي من حزب المؤتمر الذي. كان قد أسسه ، ليثبت للهنود أنه لا يبحث عن السلطة وأعلن تفرغه لحل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها شعب الهند ، حتى جاء عام ألف وتسعمائة وتسعة وثلاثين واندلعت الحرب العالمية الثانية التي كانت بريطانيا أحد أطرافها ، والتي سعت لإقحام الهند في الحرب بداية رفض غاندي الدخول في الحرب ، لكنه عاد وأعلن موافقته مقابل تعهد بريطانيا بمنح الاستقلال للهند
وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى خرج غاندي يطالب بانسحاب البريطانيين ، وفعلا تقرر الانسحاب البريطاني ليصبح غاندي بالنسبة للهنود الرجل العظيم الذي منح بلاده الاستقلال ، لكن حتى تلك الفترة كانت الهند تستعد للاستقلال وبنفس الوقت تستعد لدخول مرحلة هي الأصعب عليها بعد الاستعمار ، نهاية مسيرة غاندي كعادتها بريطانيا لا تخرج من بلد وتتركه ينعم بالأمن والاستقرار ، فعقب استعمار البريطانيين للهند التي كانت تحت حكم المسلمين جرى تقسيمها لولايات أغلبها طائفية حيث تعيش في الهند مئات الطوائف والأعراق ، ويتزعم التقسيم ثلاث طوائف كبرى هم الهندوس والمسلمون والسيخ.
استقلال الهند وبداية الصراع
ساد شعور الاحتقان لدى بين الهندوس والمسلمين ، ما ان خروج المستعمر جتى اشتعلت نار الحرب بينهم فطالب المسلمون بالانفصال عن الهند ، وجرى ذلك بدعم بريطاني لتصبح باكستان وبنغلادش دولتين منفصلتين يقطن هما غالبية مسلمة ، في حين تحولت الهند لبلد بغالبية هندوسية ، وذلك بعد قرار التقسيم الصادر عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين ، وجرى ترحيل المسلمين من الهند والهندوس من مناطق المسلمين ، في حين ظلت أقلية من المسلمين متشبثة بالبقاء في الهند حيث موطنها وموطن أجدادها.
وكان دور غاندي في تلك المرحلة هو السعي جاهدا للحيلولة دون تقسيم الهند ، لكن مساعيه باءت بالفشل وما زاد الأمر صعوبة هي الأحدث الطائفية التي اندلعت من قبل هندوس متعصبين ضد المسلمين الذين بقوا في الهند ، وهو ما دفع غاندي لمحاولة الدفاع عن المسلمين حتى وصل به الحال الذهاب للتصدي للهجمات على المساجد ومنازل المسلمين بعد فشل تهديداته بالامتناع عن الطعام وعدم استجابة المتعصبين له من الهندوس الذين أعلنوا عداءهم لغانا بشكل علني.
ليأتي يوم الثلاثين من يناير كانون الثاني عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين ، حين أقدم رجل يدعى “أفرام في نايك جودو” من الهندوس المتعصبين بإطلاق ثلاث رصاصات على غاندي أثناء سيره بممر مجمع “بيرلا هاوس” ، حيث كان المهاتما في طريقه لأداء الصلاة وأرداه قتيلا عن عمر ناهز تسعة وسبعين عاما .
لتخليد ذكرى غاندي في الهند والعالم للأبد كرجل خسر حياته دفاعا عن حقوق الآخرين ، واستطاع تحرير بلاده دون إطلاق رصاصة واحدة . وفي ذكرى ميلاده من كل عام يعتبر عيدا وطنيا في الهند ، كما يحتفل فيه العالم بيوم اللاعنف احتراما لذكرى وسيرة هذا الرجل وما قدمه .
طرح نقدي لشخصية غاندي
اعتدنا على أن ننظر إلى الشخصيات البارزة من زاوية واحدة وغالبا ما يحددها الإعلام ، إما جيدون أو سيئون أبيض أو أسود ويفتقر أغلبنا في مثل هكذا أجواء إلى التحليل المنطقي لسلوك الآخرين ، الصورة التي انطبعت في عقولنا عن غاندي اليوم هو أنه قائد ومؤسس الهند الحديثة والذي حارب من أجل السلام في العالم والدفاع عن حقوق الإنسان ، لكن يختلف الكثيرون في هذه الصورة ، غاندي قبل كل شيء هو إنسان وكحال الآخرين له عيوبه وإيجابياته ، ومن غير المنطقي أن يوضع في مقام الأسطورة أو الاله .
عند وصول غاندي إلى جنوب إفريقيا وجد أن التقسيم في ذلك الوقت كان البيض كمواطنين درجة أولى ويليهم الملونين والذي اشتمل على الزنوج السكان الأصليين والهنود الإندونيسيين والعرب ، وهؤلاء توافدوا عبر السنين بأعداد كبيرة من أجل العمل ، لم يستسغ غاندي الزنوج والملونين الذين كانوا يعملون جنبا إلى جنب مع الهنود ولم يتكلم معهم ، ولم يفضل التعامل معهم إلا عند الضرورة القصوى ، طالب باعتبار الهنود مواطنين درجة ثانية بعد البيض وإقصاء البقية إلى درجات دنيا ، حجته التي ابتدعها أن الهنود والأوروبيين لهم نفس الأصول كونهم منحدرين من اللغة الهندو أوروبية ، لذلك كان تقسيمه المقترح هو البيض الهنود الملونين الزنوج.
أحد أسوأ الألفاظ التي كان ينطقها في حق السود كانت كفير وهي كلمة إجرائية أو أسلوب للشتم ، وللعلم هي مشتقة من كلمة كافر العربية ، حاليا لفظ هذه الكلمة في جنوب أفريقيا يعد مخالفا للقانون وقد يعرضك للاعتقال ، عن تجربته في جنوب افريقيا قال غاندي الهنود تعرضوا إلى ظلم عندما تم الحط من قدرهم بمعاملتهم مثل الزنوج وهذا مرفوض بالنسبة لنا ، فالكثير منهم ويقصد الزنوج أقرب إلى الحيوانات قذرون ومجرمون ومحبون للمشاكل ولا توجد فيهم أية علامة للتحضر ، هم متخلفون كثيرا فكريا بلا ثقافة وبلا ذوق ليكون لهم فن ، قضيتنا نحن الهنود هي ضد تعامل الأوروبيين مع قومنا الذين يحاولون التقليل من شأننا لنكون مثل الكفير .
أنانية غاندي
كان همه محاولة إرضاء البيض ليرفع من شأن الهنود على حساب باقي الأطياف لم يرفض فكرة أن البيض متفوقون على الزنوج ، وأراد أن يقنع الآخرين أن الهنود بيض ، وللعلم ساهم كثيرا في تأجيج الرأي العام من أجل سن قوانين عنصرية والتي استمرت لحد عام ألف وتسعمائة واثنين وتسعين ، بعد عودته إلى الهند عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر أصبح من كبار القياديين الذين طالبوا باستقلال الهند عن بريطانيا ، لكن كانت الحرب العالمية الأولى مشتعلة على عكس الاعتقاد السائد فإن استراتيجيته لم تقنع المعارضة السلمية ، اتفق مع البريطانيين على إعطاء مجندين هنود للمساعدة في الحرب كبادرة حسن نية من أجل كسب رضاهم وربما في المستقبل سيوافقون على الاستقلال .
بقدر ما كان عنصريا بعرقه الهندي ، كان كذلك متعصبا لديانة الهندوسية ضد المسلمين الذين رفضوا التعاون مع الإنجليز بسبب هزيمة الدولة العثمانية ، ليبدأ صراعا دام بين الهندوس والمسلمين والذي دام عقودا لحين إعلان الانفصال عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين ، ليس فقط عداءه ضد المسلمين بل كان كذلك من دعاة الحفاظ على الطبقية للديانة الهندوسية ، فعندما أراد الإنجليز إعطاء حقوق المواطنة لجميع طبقات الشعب ، قرر غاندي الإضراب عن الطعام لأن هناك طبقة آل داليتش من الهنود الذين اعتبروا طبقة دونية ولم يكن لهم الحق بطلب أي حق من الحقوق زعمه في ذلك أن هذه العادة امتدت لآلاف السنين .
غاندي ضد حقوق الفلسطينيين
بالنسبة إلى الصراع في الشرق الأوسط والذي كان متأزما مثل بلاده ، فقد نظر إلى فلسطين من وجهة نظر اهتمامات بلاده أكثر مما كانت عن الحقوق ، فبداية كان موقفه منحازا بعض الشيء مع الفلسطينيين حيث طالب بإنشاء دولة موحدة ذات توافق بين المسلمين واليهود ، حسب رأي البعض كان هدفه هو مراعاة المسلمين الهنود من أجل التعاون على الاستقلال ، لكنه وبعد رفض المسلمين التعاون مع المحتل غير لهجته تجاه الشرق الأوسط ، إذ قال إذا كان للصهاينة مزاعم في أرض فلسطين فلليهود تاريخ أقدم على هذه الأرض ولهم الأولوية ، وفيما يخص الدين الإسلامي اتهم غاندي المسلمين على أنهم ميالون إلى العنف حالهم كحال الشيوعيين .
غاندي والشهوة
أحد أغرب ما قام به غاندي في سنوات حياته الأخيرة هي تحريفه للكثير من الأفكار الهندوسية فيما يخص العزوبية ، حيث زعم أن حبس غرائزه يعطيه طاقة روحية وعقلية وطريقته في هذا المجال لم يكن الصيام أو عزل نفسه عن النساء ، بل وضع نفسها بين النساء لقضاء شهوته ، حيث كان يجبر العديد من النساء الهنديات على النوم معه عاريات والاستحمام مع النساء ، وشمل هذا ابنة أخته مالو ، تخلى عنه الكثير من أتباعه بعد معرفتهم بهذه التصرفات الغير مقبولة اجتماعيا ودينيا ، في النهاية إن كلمة المهاتما والتي تعني القديس لم تطلق عليه في حياته بل حصل على هذا اللقب بعد مماته ، فهو لم يكن قديسا ولم يدعي يوما ذلك ، لكن رأى القادة الجدد أنه من الضروري إيجاد شخصية وطنية تكون في مقام الأب الروحي للأمة.
ومن هذا المنطلق تم تزيين صورة غاندي بشكل كبير وحاد ، فكل ما هو سيء في شخصيته تم ازاحته وتم تأليف قصص وأساطير بطولية عنه ، بحيث أصبح رمزا وقدوة في نظر العالم اليوم ، غاندي كما قلت هو إنسان له عيوبه وإيجابياته ، وأصبح اليوم جزءا من التاريخ يراه الهنود بطلا ولهم الحق في ذلك ، لكن بالنسبة لنا من الضروري أن ندرسه بشفافية أكثر لكي نتعلم من تجاربه وتجارب الآخرين للحصول على فهم أفضل للإنسانية .