صلاح الدين الأيوبي البطل الذي حرر القدس | بطل أم خائن

ولد “يوسف بن أيوب” والملقب بصلاح الدين الأيوبي في سنة (1138م- 532هجرية) في تكريت بشمال العراق ، من عائلة كردية الأصل ، حيث ولد صلاح الدين الأيوبي في حقبة ضعف فيها المسلمون ونال منهم الشيطان وهزمهم الغزاة . تزوج والداه بطريقة عجيبة ، حيث كان والده واليا على تكريت فكان يردد دائما ” إني أريد أن أتزوج امرأة تتقي الله يكون لي منها ولد يحرر الله على يديه بيت المقدس ” ، وذات يوم كان الوالي جالسا في قصر الملك فسمع صوت امرأة تقول للملك الذي كان يود تزويجها من أحد الرجال ” إني لا أريده ، إنما أريد رجلا يتقي الله يكون لي منه ولد أحسن تربيته ، ويصبح فارسا مغوارا يفتح به الله بيت المقدس ” ، عندها فوجئ أيوب وطلب من الملك أن يزوجه بهذه المرأة . بعد زواجهم ولد صلاح الدين الأيوبي الذي عمل والده على تربيته تربية صارمة تجعل منه بطلا مغوارا في المستقبل .

تتلمذ صلاح الدين على يد كبار العلماء حيث تعلم اللغة والفقه والفروسية وحمل السلاح والسياسة ، كما تعلم من نور الدين محمود الشهامة والبطولة والدفاع عن المستضعفين ، هذا الرجل الذي واجه الصليبيين القادمين من مشارق ومغارب أوروبا غزاة لأراضي المسلمين . بدأت مظاهر شخصية صلاح الدين بالظهور في دمشق لذلك أعطاه نور الدين محمود منصب رئاسة الشرطة ، فاستطاع صلاح الدين في خلال فترة وجيزة استعادت الاستقرار والتخلص من قطاع الطرق واللصوص ، وعلى اثر شهامته أرسله نور الدين بجيش يقوده هو وأسد الدين شيركوه لمحاربة الصليبيين الذين طمعوا بمصر بعد سماع ضعفها ونزاعاتها ، لكن الصليبيين تنازلوا عن مخططهم بعد سماع قدوم جيش نور الدين محمود إلى المنطقة .

صعود صلاح الدين إلى سلطة

 استطاع صلاح الدين بعد قدومه إلى مصر أن يوحد المسلمين على كلمة الحق ، بعد توليه لمنصب الوزير تضاعفت قوته متجاوزة الخليفة الفاطمي العاضد ، وبذلك عمل على ازاحة المذهب الشيعي فأمر بمنع الأذان الشيعي وقام بإزالة أصول المذهب الشيعي ، كما قام بعزل القضات الشيعة وألغى مجالس الدعوة وأمر بالدعاء على الخلفاء الراشدين في يوم الجمعة ، وبعد موت الخليفة الفاطمي العاضد سنة 1172م الموافق ل 566 هجرية استطاع صلاح الدين التحكم في البلاد وبهذا انتهت الخلافة الفاطمية .

وفي سنة 1174م توفي نور الدين محمود وحزن على اثر ذلك صلاح الدين ، ومن هذه السنة نهضت الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي ، الذي سعى إلى توحيد بلاد الشام التي تمرد أهلها بعد وفاة معلمه نور الدين محمود ، وقد استطاع توحيد الشام بعد معارك طويلة مع المتمردين الذين تحافلوا مع الصليبيين في العديد من المعارك .

صلاح الدين وحربه ضد الصليبيين

كان صلاح الدين يتجنب ما أمكن المواجهة مع الصليبيين عندما بدأ حملته ضد المتمردين في الشام ، كان الغرض من هذا التجنب جمع شمل المسلمين قبل الدخول في حروب ضد الصليبيين ، ففي سنة 1177م  بدأ صلاح الدين حربه على الصليبيين ، فاستطاع استعادة عسقلان بسهولة وتتالت ورائها العديد من الحصون والقلاع والمدن ، إلى أن وصل إلى مشارف القدس ، لكن الصلبيين استشعروا قوة المسلمين فأرادوا دحرها ، وهنا اتجه جيش الفرنجة نحو عسقلان ، عندها سمع صلاح الدين بقدوم الفرنجة الصلبيين فأعد جيشا لمواجهتهم ، لكن صلاح الدين خسر وتوفي ابنه أحمد في هذه المعركة أمام الصلبيين التي دارت في موقع “مونتجسارد” قرب بلدة الرملة ، كانت هذه المعركة في سنة 1179م الموافق ل 573 هجرية ، وبعدها قاد صلاح الدين حروبا طاحنة ضد خصومه الصليبيين .

  فهاجم امارات الفرنجة من الغرب وفاز في معركة “مرج عيون” في سنة 1181م الموافق ل 575 هجرية ، ومعركة خليج يعقوب بعد سنة واحدة من المعركة الأولى ، وهنا اضطر الصليبيين إلى عقد هدنة مع صلاح الدين ، والذي قام ببناء أسطول بحري قوي لحماية تجارة المسلمين من النهب الذي كانت تتعرض له من الصليبيين ، كما استغل الهدنة لكي ينظم صفوف جيوشه وتوحيد كلمة المسلمين ، حيث وطد العلاقة مع سلاجقة الروم كما ضم حلب إلى مملكته ، وفي سنة 1189م الموافق ل 583 هجرية استطاع صلاح الدين السيطرة على جميع الممالك التابعة لمملكة بيت المقدس ، بعدما كسر الصليبيين لمعاهدة الهدنا بقيادة الملك أرناط الذي كان يسلب القوافل والحجاج ممتلكاتهم ،  وبسبب ذلك اندلعت معركة حطين التي قصمت ظهر الصليبيين بعد الخسارة الكبيرة في أكبر جيوشهم حراس المعبد وجيش مالطا .

تحرير القدس

بعد الانتصارات المتتالية التي غنم بها صلاح الدين تتالت هزائم الصليبيين ، حتى خسروا الساحل الغربي بأكمله تقريبا ، حيث سيطر صلاح الدين على عكا وجبيل وبيروت ويافا وصيدا وعسقلان وقيسارية ، بالإضافة إلى قلع وحصون الصليبيين مثل صفد والقصير وحجرشغلا ونوهين وديغراس ، وبهذا انقطع الاتصال بين الأوروبيين وحملتهم الصليبية ضد المسلمين ، وفي 27 من رجب سنة 1189م الموافق ل 583 هجرية استطاع صلاح الدين استعادة القدس من الصليبيين ، الذين استسلموا بسرعة بعد ستة أيام فقط من الحصار والمعارك ، وهنا تعامل صلاح الدين بالرحمة والتسامح كما أمر الله تعالى ، فلم يعاملهم كما عاملوا المسلمين عندما دخلوا غزاة لأرضيهم ، فقد خرجوا منها معززين مكرمين ، عكسهم دخلوها بسيوفهم وقتلوا أهلها شر قتلة ولم يرحموا حتى المستسلمين والأطفال والنساء والشيوخ .

 بعد الخسارة التي مني بها الصليبيين بعث “كونراد من مونفيراتو” أمير صور رسائل استغاثة إلى البابا وملوك أوروبا لمساعدته ، فخرجت حملة عسكرية ضخمة من ألمانيا بقيادة الامبراطور الروماني “فريدريك بارباروسا” ، لكن كان للقدر رأي أخر حيث غرق الامبراطور الروماني في أحد الأنهار أثناء قدومه إلى القدس ، وهنا تفرق جنوده بين العائدين إلى الديار والقادمين إلى الحملة الصليبية الثالثة ، بعد وصول الألمان إلى أرض المسلمين استطاعوا محاصرة عكا سنة (1191م-585هجرية )،  وبسبب ذلك تشجع ملوك أوروبا فقدم “ريتشارد قلب الأسد” ملك انجلترا و “فيليب الثاني” ملك فرنسا  ، الذين استطاعا الفتك بالمسلمين إلى أن وصلوا إلى حدود بيت المقدس ، وفشلت محاولتهم لإعادة بيت المقدس إلى سلطتهم ، وبذلك عادا من حيث أتوا تاركين ورائهم فرسان الهيكل على المدن المتبقية تحت قيادتهم ( أنطاكية ، طرابلس ، وصور ) واستطاعوا السيطرة على ميناء عكا .

 وبعد مضي مئة سنة نظم فرسان الهيكل معسكرهم وحاولوا التوغل من جديد لكن الظاهر بيبرس أبادهم وفتح عكا سنة 1292م .

من هو صلاح الدين الذي لا نعرفه

كل انسان في هذا العالم كان بطلا أم انسانا عاديا إلا وستكون فيه عيوب ، وبطبيعة الحال لكل شخص حرية الانتقاد ما دام له رأي ومراجع يستند عليها ، فهناك من يرى أن صلاح الدين مجرد محتال سيطرة على السلطة واستعمل جميع أنواع القمع لينفرد بها ، وقد ذكر الكاتب صلاح الدين مؤنس عن صلاح الدين أنه فرض ضرائب كبيرة على الفلاحين في مصر ونكل بهم ووصل بقابضي الضرائب إلى ضرب المواطنين الذين لا يستطيعون الدفع ، وقد ذكر المؤرخ ابن الأثير المجزرة التي قام بها صلاح الدين في حلب ليقبض على ابن نور الدين زنكي والذي قام أهل حلب باخفائه خوفا عليه من تسلط صلاح الدين الأيوبي ، وقد قام الأخير باحراق مكتبة دار الحكمة القاهرية والتي كانت تحتوي على حوالي 3 ملايين كتاب ، وذلك استنادا على ما قاله المقريزي وابن كثير والياقوت الحموي والأصفهاني ….. وغيره الكثير من المؤرخين الذين وصفوا هذه الحقبة .

الوفاة

مات صلاح الدين الرجل العظيم سنة 1193م الموافق ل 589 هجرية عن عمر يناهز 56 عاما ، بعد وفاته فتح أهل صلاح الدين خزانته الشخصية فلم يجدوا فيها مالا يكفي لدفنه ، فقد أفنى الرجل حياته خدمة للحق وللمسلمين ، وقد حقق ما لا يستطيع تحقيقه غيره فقد استطاع كسر شوكة الصليبيين الذين كادوا أن يحتلوا الجزيرة العربية وابادة أهلها ، وله الفضل في تكوين الدولة الأيوبية التي سوف تتصدى للمغول الذين كادوا أن يبيدوا الأرض ومن فيها ، بالإضافة إلى استعادة بيت المقدس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى