جون جاك روسو الرجل الذي وضع أبنائه في الميتم | ووضع لنا القوانين الوضعية

ولد جون جاك روسو في 28 يونيو 1712 في مدينة جنيف بسويسرا ، داخل أحضان عائلة بروتستانتية متوسطة الحال ذات أصول فرنسية ، غادر أجداد روسو سنة 1549م من فرنسا هربا من الاضطهاد الديني الذي قادته الكنيسة الكاثوليكية أنداك ، توفية والدة روسو بعد ولادته ب 9 أيام متأثرة بالحمى ، ومن هنا بدأت معاناة الطفل روسو الذي سيصبح أيقونة في المستقبل ، كان والد جون عصبيا وكثير الخصام مما أدى به إلى ملاحقته قانونيا ، فقرر الهرب ليترك ابنه جون دون أن يخبره ، ليتولى وصايته عمه الذي كان راهبا بروتستانتيا ، لكن جون عاش واقعا قاسيا فقد أدخله عمه ليعمل مع محاضر قاض ، ثم عمل بعد دالك مع معلم نقاش فتعلم حرفة النقش ، وبعدما ضاق به السبيل قرر الهرب إلى جنوب فرنسا ، ولكنه لم يجد ما كان يطمح فيه بل زادت حياته سوءا .

 بعد بلوغه سن 10 انتقلت عائلته إلى مدينة الأنوار باريس ، هنا رأى البذخ والأثرياء وانبهر بجمالية المدينة وثراء أهلها ، لكنه أخذ نظرة سيئة على الثراء فقد وصف الأغنياء أنهم قصات القلوب وطماعون وأن الغنى يجعل قلب الانسان متحجرا ووصف النبلاء بالمتوحشين ، وليس من الغريب أن يكون تصور روسو للأغنياء بهذا الوصف ، فقد عاش في حقبة انهيار النظام الفيودالي بفرنسا وبزوغ معالم الثورة الفرنسية ، حيث شهد عصر الأنوار تطورا صناعيا رافقه آلام الفقراء ، لذلك فقد نظر للمجتمع داخل المدينة بنظرة الشفقة وعبر على كونه يفقد حريته ويصهر على التقليد . أعجب روسو ب فولتير وقرر في أحد الأيام أن يشاوره في احدى أفكار فكتب له نحن كائنات غبية ، بعد مرور أيام عاد روسو إلى فولتير فخرج إليه فولتير فوبخه توبيخا وقال له كلامك فارغ من المعنى ، غادر روسو حزينا. فلم يكن يعلم فولتير بأن فكرة روسو هي التي ستصنع فيما بعد الفلسفة العبثية .

تأثر جون جاك روسو بالأفكار اليونانية وخاصة أفلاطون ، وتبنى الفلسفة الطبيعية كمنهج .

روسو خائن حبيباته

ذهب روسو إلى فرنسا محملا برسالة توصية من معلمه القس إلى الأرملة لويس ديوارنيس والتي كانت غنية وذات شأن ومعارف ، فقد أثرت لويس في روسو فغير دينه إلى الكاثوليكية ، وقد أغرمت لويس به رغم كونها تكبره ب 12 سنة ، وساعدته الأخيرة في بلوغ نجوميته وبعدما قوى عوده تخلى عنها وهجرها .

تعرف روسو على حبيبته الثانية بعدما أضعفه الضياع وخيبات الأمل ، فأعادت له عشيقته الشغف في الحياة ، أغرى روسو حبيبته برفضه للطبقية ودعوته للمساوات ، خاصة وأنها من عائلة فقيرة عكسه هو من طبقة ميسورة الحال ، شهدت فرنسا ثورتها المشهورة والمعروفة بثورة البرجوازية ، هنا داع صيت روسو وأصبحت كتبه في لسان كل ثائر ، حتى أصبح واحدا من أهم مفكري الثورة ، هنا أخبرته حبيبته أنها حامل ، تغيرت ملامح روسو وبدأ بالصراخ فطردها ؛ لم يعد يهتم بها فأنجبت المسكينة طفلها بدأت بتربيته عسى أن يرق قلب والده فيعيلهم ،  لكن روسو قرر أن يضع ابنه في الملجأ خوفا على شرفه .

لم تستسلم حبيبته فقررت الانجاب ثانية ريتما يغير روسو نظرته ، فوصل عدد أطفالهم ل 5 أطفال في كل مرة كان يضع أطفاله في الملاجئ ، إلى أن كبر في السن فغادر المدينة نحو الريف تركا ورائه حبيبته وأبنائهم .

سطوع نجمه

عرف عن جون جاك روسو حبه للقراءة والمطالعة منذ نجاعة أظافره ، وقد أحب الموسيقى بشكل هستيري مما جعله مشتتا بين اختيار مسار الكتابة أو السير وراء أنغام الموسيقى ، فقد حاول جون أن يخترع رموزا جديدة للموسيقى وقد درس الموسيقى ل 4 سنوات وكتب عدة مقالات في الموسيقى ، لكنه في آخر المطاف اختار الكتابة كهدف أولي لأنه رأى أن أساس التقدم العلمي هو المعرفة ، وقد بدأ بكتابة مقالاته الفكرية منذ سنة 1749م ، وشارك في العديد من مسابقات الكتابة بداية بمسابقة دي جون التي حصل فيها على المرتبة الأولى ، وشارك في فاصل موسيقي لاحدى المسرحيات التي حضر فيها الملك الفرنسي لويس 15 سنة 1752م ؛ وفي سنة 1755م شارك من جديد روسو في مسابقة دي جون وهنا لمع نجمه وحقق الشهرة ، وفي سنة 1762 نشر كتابه المشهور العقد الاجتماعي والذي سيقوده إلى العالمية .

أفكار جون جاك روسو في السياسة ( العقد الاجتماعي )

رفض روسو رفضا قاطعا الفكر الفيودالي وسيطرة ثلة من الأشخاص على رقعة الحكم أي أنه رفض فكرة الحكم للأقوى ، بل أكثر من ذلك فلم يعطي روسو أهمية كبيرة للحكومة واعتقد أن الشعوب هي التي تملك الارادة العامة ، والحكومة مجرد موظفة لدى الشعب أي أنها الوسيط الذي يطبق القانون ، فقد رأى أن المجتمع تشكل مع ظهور الملكية الخاصة ونشأة السلطة كتعبير تلقائي لحماية حقوق الأفراد والمصالح المشتركة ، بل وأكد على ضرورة وجود سلطة يكون لها النفوذ والقوة الكافية التي تكفل لها ضمان حق المجموعة ( الأغلبية ) ، وبذلك أكد أنه لا يمكن أن تحقق حقوق فردية ولا ملكية إلا إذا كان الشخص داخل المجتمع . رفض فكرة الامبراطوريات والدول الممتدة حيث اعتقد أنه كلما كانت مساحة الدولة أصغر كان مستوى المعيشة أفضل ، وهذه الفكرة تخص ذلك الوقت الذي كانت فيه وسائل التنقل صعبة واقتصرت التنمية على العواصم فقط .

لم يهتم روسو للإنسان كموجود مادي وإنما نظر له بكونه مواطن أي كموجود أخلاقي ، ونص على كون العقد الاجتماعي ثابت ومن المفروض أن يتخلى الأفراد عن جزء من حرياتهم الشخصية من أجل العيش في المجتمع المدني . وقد اعتبر الكثيرون أن روسو بأفكاره يحث على الشمولية ، وفي حقيقة الأمر أن جون كان هو الباني الأول للفكر الشيوعي ، حيث دافع على الفقراء واعتبر أنه على الدولة أن تقوم بتقليص الفوارق الاجتماعية ، وأن يكون تعليم عمومي تشرف عليه الدولة ، واعتبر أن الفرد لا يجب أن يستعمل الأرض في أمور تضر المجتمع ، وأكثر من ذلك فقد نص على أن الدولة من حقها الاستلاء على ملكية الفرد إذا كانت في حاجة لها ، وأن يكون الفرد خاضعا سياسيا لدولته .

أفكار جون جاك روسو في علوم التربية

كان روسو فيلسوفا مهتم بالفلسفة الطبيعية بشكل خاص ، فقد اعتقد أن الكون هو ذات طبيعية وأن الانسان كيان طبيعي متمثل في الغرائز بشكل عام ، لذلك فلتنمية البشرية علينا العودة إلى طبيعتنا . فقد رأى روسو أن الكائن البشري يولد طيبا ما إن يتربى تربية فاسدة حتى يصبح فاسدا ، أي أن العلاقات الاجتماعية تلعب دورا حاسما في تأطير الانسان ؛ فقد أوصى المربين أن يتعاملوا مع الطفل على كونه راشد مصغر ، وأن المنهج التربوي يجب أن يختلف من منطقة لأخرى حسب ثقافة المجتمع وأيديولوجياته وطبيعة التضاريس والاكراهات المناخية ، وأيد فكرة تنمية الاكتشاف لدى الطفل عوض التلقين أي مراعات ميول الطفل ، وفي نفس الوقت أن يترك الطفل ليواجه الطبيعة ويواجه الآلام لكي يتعلم منها ، وأن تتسم تربيته على الحوار أي اعطائه فرصة التصرف لكي ينمي عقله ويراكم التجارب .

فالإنسان حسب روسو لا يصبح انسانا إلا من خلال التربية فهي التي تتحكم في غرائزه وتكبح جماح رغباته ، وبذلك فإن جهل المربي سيلعب دورا حاسما في تربية الناشئ ، فالتربية ليست تربية أخلاق ومبادئ فقط بل تشمل الحواس والعواطف أيضا ، فقد نظر روسو للتربية على كونها منهجا يزيل الصعوبات عن حياة الانسان ، والتربية لا يقوم بها المربي فقط فالطبيعة لها سماتها في هذا الفعل أيضا .

مراحل النمو عند جون جاك روسو

منذ الولادة إلى سنتين : هذه المرحلة هي مرحلة تكوين الجسم والحنان الأمومي وأوصى بأن تعتني الأم بصحتها وهذه المرحلة مرحلة طبيعية ، وقد رفض روسو أن يوضع للطفل أية لفائف ( تكميط الطفل ) مبرزا ذلك بكون جميع صغار الكائنات لا تكمط وانما تولد وتترعرع بحرية دون أي تدخل من أحد .

من 2 سنوات إلى 12 سنة : هذه المرحلة لا يجب فرض على الطفل أي التزامات تعليمية أن يترك الطفل ليلعب ويمرح كما يشاء ، ووصف روسو الكتب بعذاب الطفولة ، وأوصى بأن يعتمد الطفل على نفسه من خلال الملاحظة .

12 سنة إلى 15 سنة : يجب أن تتسم هذه المرحلة بالانضباط للالتزامات التعليمية ، وينمى في هذه المرحلة أفكار ومعارف الطفل ، ويتعلم الحرف والصناعات وخاصة النجارة .

من 15 سنة إلى 20 سنة : هذه المرحلة هي مرحلة التربية الأخلاقية والمبدئية ، وأوصى بحيادية تلقين الطفل للمعتقدات أي تعليمه جميع الأيديولوجيات والأديان ويترك له في أخر المطاف حرية الاختيار ، ونصح بضرورة قراء التاريخ والأدب .

وأخر انجازات روسو في التربية كتب عن تكوين المرأة ، فرأى أنه من الواجب تعليمها أعمال المنزل وأن تلبي رغبات الرجل وتهتم بصحتها وجمالها وحسن شكلها وثيابها وتربي الأطفال …

الأفكار الاجتماعية والدين

المرحلة الأولى : وهي مرحلة ما قبل المجتمع حيث كان الانسان يعيش منفردا بدون لغة ولا أيديولوجيا ، فكانت الغرائز وحدها من توجهه واعتقد روسو أن  الانسان في هذه المرحلة كان يعيش سعيدا .

المرحلة الثانية : مرحلة التميز هنا بدأت المجتمعات تتكون وكانت العلاقات الاجتماعية لا تشوبها أي خلل وكان الانسان يعيش متناغما مع الطبيعة والمجتمع ، لذلك اعتبرت هذه المرحلة هي المرحلة الذهبية للإنسان لكنها لم تطل .

مرحلة الثالثة : مرحلة الملكية هنا سيظهر قانون الغابة في حياة الانسان حيث القوي يفرض قوته وسطوته من أجل التملك ، وبذلك ظهرت الملكية الخاصة وهنا تكون المجتمع ، ورافق ذلك نشوب حروب بين بني البشر ، وبالتالي ظهرت مساوئ الأخلاق  من الحقد  والحسد والكراهية والأنانية … وفي نهاية المطاف وصل الانسان إلى ضرورة وضع مواثيق تنظم حياتهم وهو العقد الاجتماعي .

الدين

لم يكن روسو من المتعصبين للعقلانية بل رأى أنه من المنطقي امتلاك وعي سليم ، لذلك لم تكن نظرته للدين سلبية فقد أيد الدين واعتبره ضروري للسلم الاجتماعي ، لكن رفض المسيحية واعتبرها ليست دينا ذو أخلاق رفيعة ، واقترح اختيار الفرد دينا أخر شريطة ألا يكون هذا الدين رافضا للسياسة ، بل يكون مشجعا للدخول في الحياة السياسية ؛ وقد أعجب بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ووصفه بالرجل العظيم ، الذي حول أفكار قوم من عبادة الأوثان إلى أمة عظيمة .

ومن بين الأخطاء التي ينتقده بها منتقدوه أنه رفض فكرة فصل السلط ، منتقدا بذلك منتسكيوا الذي اعتبر أن الديموقراطية لن تتجسد إلا بإعطاء كل سلطة حريتها ؛ ولا ننسى أن روسو لم يطبق أي شيء مما كان يقوله ، فقد رمى بأبنائه في الملاجئ دون رحمة .

الوفاة

في أيام جون جاك روسو الأخيرة عاشها مكتئبا لكونه لم يحقق النجومية التي طمح لها ، وأصبح معرضا للانتقاد من طرف رجال الدين ومنعت كتبه التي تتحدث في أمور العقيدة ، كما أصبح محاصرا بسبب أفكاره السياسية وانتقاده للثورة الفرنسية ، فقد هرب الأخير إلى صديقه ديفيد هيوم خوفا من كاثرين التي أرادت اعتقاله ، وأصيب جون بالارتياب والوسواس وغمره الخوف .

 غادر روسو إلى الريف بعدما كبر في السن وبدأ جسده يهترئ ، بقي عند أحد أصدقائه إلى أن مرض ومات في 2 من يوليو سنة 1778م عن عمر ناهز 66 عاما في منطقة إيرمينونفيل بجلطة دماغية وقبر في مقبرة العظماء . شابت وفاته الكثير من الشكوك حول كونها جريمة قتل وكان المتهم إما كاثرين أو فولتير ؛ غادر جون جاك روسو عالم الطبيعة وفيلسوف الأنوار والكاتب والأديب ومؤسس علوم التربية والفكر السياسي الحديث ، فالرجل حرك مشاعر الناس وعلمهم كيف يربون ويصنعون الدول لكنه لم يؤمن بأفكاره يوما .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى