دراكولا مخوزق العثمانيين | وحش أم بطل

ولد فلاد الثالث عام 1431 للميلاد في مقاطعة سير سوارا التابعة لإقليم ترانسلفانيا في رومانيا، وكان والده فلاد الثاني حاكما لمقاطعة ولاتفيا برومانيا، وقد انضم إلى منظمة التنين التي كانت قوة مسيحية عسكرية سرية مدعومة من الإمبراطور الروماني بنفسه حيث ضمت مجموعة من أمراء ونبلاء وفرسان أوروبا الوسطى والشرقية للدفاع عن أوروبا المسيحية ضد المد العثماني الإسلامي، ومن هنا جاءت تسمية فلاد الثالث ب “دراكولا” أي ابن التنين، قبل أن يتحول هذا المعنى فيما بعد إلى ابن الشيطان.

 كانت الدولة العثمانية في ذلك الوقت قد بلغت مكانة عظيمة بعد أن وصل نفوذها إلى شرق أوروبا، لدرجة أن حكام أوروبا كانوا يخطبون ودها فتذكر المصادر التاريخية الإسلامية أن فلاد الثاني قد طلب الدعم من السلطان العثماني مراد الثاني لاستعادة عرشه بعدما انتزع منه، وبالفعل فقد وافق السلطان مراد على تحقيق مطلبه في مقابل أن يدفع الجزية، كما أرسل فلاد ولديه “رادو” و “فلاد” إلى الدولة العثمانية لإثبات ولائه للإمبراطورية العثمانية، أما المصادر الأوروبية فتذكر خلاف ذلك إذ ادعى بعضها أن فلاد الثاني قد دعي إلى اجتماع دبلوماسي عام 1442م كان ذلك مع السلطان مراد الثاني، فأحضر معه ولديه الصغيرين فلاد الثالث ورادو، لكن الاجتماع كان في الواقع فخا فقد تم اعتقال الثلاثة واحتجازهم كرهائن قبل أن يتم إطلاق سراح فلاد الأب بشرط أن يترك وراءه ولديه.

دراكولا في كنف العثمانيين

 وبغض النظر عن أي الروايتين هي الأصح، فإن المصادر الإسلامية والأوروبية تكاد تجمع على أن الولدين قد لقي معاملة جيدة تحت حكم العثمانيين ، حيث  تربيا في قصر السلطان العثماني، جنبا إلى جنب مع الأمير محمد الثاني ابن السلطان مراد، وتلقي دروسا في مختلف العلوم والفروسية والفلسفة والفنون، ومما يرجح الرواية الإسلامية أن رادو شقيق فلاد قد اعتنق الإسلام وانحاز إلى الجانب العثماني حتى أصبح صديقا شخصيا للأمير محمد الفاتح ومحاربا في الجيش العثماني، أما فلاد فقد امتلأ قلبه بالحقد والعداوة تجاه المسلمين، إذ كان يشعر أنه مجرد أسير، وتذكر بعض الروايات الغربية أنه تعرض للضرب والتعنيف من قبل العثمانيين بسبب شخصيته الجريئة.

 بينما كان الشقيقين في أيدي العثمانيين كان فلاد الثاني يقاتل من أجل الحفاظ على عرشه، لكن في عام 1447م تم عزله من منصبه من قبل مجموعة من النبلاء المعروفين باسم البويار قبل أن يتم قتله في المستنقعات بالقرب من بالديني، في حين تعرض شقيق فلاد الأكبر والذي يدعى مارسيا الثاني لتعذيب رهيب وتم دفنه حيا، عندما بلغت تلك الأخبار فلاد الثالث أراد العودة إلى ولاتفيا لاستعادة عرش والده فأطلق العثمانيون سراحه في العام التالي بحسن نية، دون أن يتصوروا أن ذلك الوحش سيقبض مضاجعهم ويضم ضيقهم العذاب ألوانا.

دراكولا يحارب من أجل عرش والده

عندما عاد فلاد الثالث إلى ولاسيما في عام 1448م بدأ سلسلة طويلة من الصراعات مع البويار لاستعادة عرش والده من الحاكم الجديد “فلاديسلاف الثاني” بمساعدة العثمانيين الذين قدموا له الدعم العسكري ليتمكن بالفعل من الاستيلاء على الحكم بعد أن خرج فلاديسلاف لقتال العثمانيين في البلقان، لكن محاولته تلك سرعان ما فشلت إذ تم خلعه بعد شهرين فقط عندما رجع فلاديسلاف واستعاد العرش بمساعدة “هنيدي” حاكم هنغاريا، لم يتوقف فلاد عن محاولة استرداد عرش وفلاتفيا، لكنه تخلى عن الدعم العثماني متجها إلى ملك المجر “لادسوس الخامس”، ليحصل على الدعم العسكري منه ويتحقق له مراده في النهاية، حيث تولى عرش فلاتفيا عام 1456م لتبدأ منذ ذلك التاريخ لعنة دراكولا.

ما إن تولى فلاد الثالث عرش ولاشي حتى سعى إلى الثأر من قتلة والده وأخيه، فتذكر بعض المصادر أنه قد دعا هؤلاء البويار إلى مأدبة طعام، وما إن اجتمعوا حتى قام بتعليقهم على الخوازيق ليلقوا مصرعهم جميعا بتلك الوسيلة الرهيبة، وقد أغتصبت زواجتهم أمام أعينهم وهم على الخوازيق يحتضرون، واستعبد أبنائهم لغرض بناء الحصون وبعد انتهائهم من البناء قام بحرقهم أحياء.

كما أن فلاد الثالث قام بخوزقة أكثر من 30 ألف بعدما علم أن أمراء الهنغار يتحالفون مع الأفلاق لازالته من السلطة، فقاد حملة عسكرية على الأمراء وقام بخوزقتهم هم وجندهم في منظر بشع.

لعنة دراكولا

من منا لم يسمع عن مصاص الدماء الشهير دراكولا، تلك الشخصية الرهيبة التي تستخدم قواها الخارقة لمطاردة البشر وشرب دمائهم، والتي ظهرت للمرة الأولى في رواية دراكولا للكاتب الإنجليزي برام ستوكر، ومن ثم اقتبست منه روايات وأفلام الرعب الخاصة بمصاصي الدماء، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن دراكولا كان شخصية حقيقية أضفى عليها الروائيون وصناع السينما صفات خارقة بهدف الرعب والإثارة، فشخصية دراكولا قد اقتبست من شخصية الأمير الروماني فلاد الثالث الذي عاش في القرن الخامس عشر واشتهر بحبه لإراقة الدماء وابتداع طرقا وحشية ودموية في التعذيب والقتل.

اشتهر فلاد باتباعه وسائل وحشية في التخلص من أعدائه والمخالفين للقانون، فإلى جانب نزع الأحشاء وقطع الرؤوس وسلخ الضحايا وقبرهم أحياء، كانت وسيلته المفضلة في التعذيب هي الخازوق وهي دفع وتد خشبي عبر أجساد الضحايا وتركهم يموتون ببطء، بل إن مخطوطات ألمانية قد وثقت حادثة دموية قام فيها فلاد بإعدام نحو ثلاثين ألفا من الأشخاص بالخوازيق في مدينة كراكوف في عام 1459م، ويقال أنه تناول غذاءه وسط الجثث المتعفنة وغمز خبزه في دمائهم.

 ولم يسلم من تلك الوسيلة البشعة حتى العثمانيون الذين نشأ بينهم وبين دراكولا صراع دام لستة سنوات كاملة بعد أن ساعدوه في الوصول إلى الحكم.

فلاد الثالث يكره العثمانيين

 بدأ دراكولا بمعاداة الدولة العثمانية فامتنع عن دفع الجزية المقدرة ب 10 آلف أقية لمدة سنتين للسلطان الجديد محمد الثاني الملقب ب الفاتح، والأخطر من ذلك أنه أعلن الحرب على العثمانيين بعدما ساعد الحملة الصليبية التي استهدفت العثمانيين بعد قربهم من فتح بلغراد بعد انتصاراتهم في القسطنطينية، فأرسل السلطان محمد الفاتح جيشا كبيرا إلى ولاتفيا.

وكما تقتضي تعاليم الدين الإسلامي فقد أرسل السلطان محمد وفدا إلى فلاد لتسوية الأمور سلميا قبل إعلان الحرب، وعندما وصل الوفد إلى دراكولا أمرهم بنزع أغطية رؤوسهم فرفض المبعوثون ذلك، فأشاد فلاد بموقفهم وأكد أن عمائمهم ستبقى إلى الأبد على رؤوسهم، وقبل أن يدرك المبعوثون ما يعنيه أحاط بهم جند فلاد ودق المسامير في عمائم لتخترق رؤوسهم، وعندما عاد المبعوثون إلى السلطان بهذا المنظر غضب غضبة شديدة، وأمر بإرسال سارية قوامها عشرون ألفا بقيادة حمزة باشا إلى ولاتفيا، غير أن تلك السارية قد وقعت جميعها في قبضة ذلك السفاح الذي أعدمهم جميعا بتعليقهم على الخوازيق.

وقد أخذ لباسهم واستغله، حيث قام بلبسه هو وجنوده واستغل معرفته اللغة التركية ليخدع الجنود الذين كانوا على بوابات حصن جورجيا الذين ظنوا أنه عثماني فقاموا بفتح البوابات ليدخل هو وجنوده ليسفكوا دماء كل من كان بداخله، وقد زحف بجيشه الى أن وصل الى بلغاريا التي أقام أبشع ما يمكن أن يقام.

الحرب العثمانية على فلاد الثالث

 سعى السلطان محمد إلى الثأر من ذلك السفاح لما فعله بأسرى وعزل المسلمين، فأوقف محمد الفاتح حملته العسكرية في اليونان ليعين رادو شقيق دراكولا على رأس حملة عسكرية كبيرة وأرسلها إلى عاصمة بلاد الأفلاق عام 1462م، إلا أن فلاد تمكن من الهرب إلى قلعة بوياري وقد تبعه العثمانيين الى هناك، وقاموا بحصاري القلعة الى ان فتحت أبوابها وخسر فلاد المعركة، ليلود بالفرار إلى المجر حيث ألقى ملك المجر القبض عليه لأنه قام بقتل أمراء المجر في السابق وكان على وشك اعدامه لولا توسط بعض ملوك أروبا لتخفيف العقوبة الى السجن.

في هذه الأثناء تولى رادو عرش بلاد الأفلاق ( فلاتفيا) حتى وفاته عام 1475م، فوجد ملك المجر فرصة لا تعوض لضم بلاد الأفلاق الى المجر فأخرج فلاد الثالث من السجن بشرط أن يصبح كاثوليكيا ويتخلى عن الأرثدوكسية والزواج من ابنة عم ملك المجر، وعاد ليستعيد العرش من بلاد الأفلاق ثانية عام 1476م بمساعدة الجريين الذين كانوا يمثلون أغلب جند جيشه، لكنه لم يتوقف عن محاربة العثمانيين، فقاد في وقت لاحق من نفس العام جيشا ضد العثمانيين لكن محاولاته تلك قد باءت بالفشل فقد هزمه العثمانيون أخيرا وقتلوه ليريح البشرية من شره.

موقف الغرب من فلاد الثالث

 بالرغم من الوحشية الرهيبة التي اتسم بها فلاد الثالث، إلا أن الغرب الأوروبي الذي يدعي دائما احترامه لحقوق الإنسان، يعد هذا السفاح بطلا قوميا مبررين تلك الأساليب الدموية التي انتهجها في التخلص من خصومه بأنها كانت للدفاع عن ولاتفيا، كما أن تلك المجزرة التي ارتكبها فلاد بحق الأسرى العثمانيين لاقت إعجاب البابوية، وتم الاحتفال بانتصارات فلاد على العثمانيين في جميع أنحاء ولاتفيا ترانسلفانيا وبقية أوروبا، وربما كان تفسير ذلك أن كل الحروب التي خاضها ضد العثمانيين كانت تحت راية الصليب، أي أن تلك الحروب كانت مقدسة وكان الغرض منها حماية دينه في مواجهة الزحف الإسلامي على أوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى