ليون تروتسكي الرجل الذي أسس الاتحاد السوفياتي وطرد من البلاد

ولد ليون تروتسكي في عام 1879م في أوكرانيا في ذلك الوقت على فكرة كانت جزء من الإمبراطورية الروسية، وأمضى أول تسع سنوات من حياته في مزرعة العائلة، ترعرع في أيام شبابه في أوكرانيا، درس في المدارس الثانوية المحلية في مدينة أوديسا ونيكولا كييف في القريبة من بيت العائلة، وسكن بعد ذلك أثناء دراسته الثانوية مع ابن خاله الذي كان يملك دار للطباعة والنشر، فقبل أن يتخرج من المدرسة بدأ يبحث في عالم الفكر والثقافة، وانضم تروتسكي إلى إحدى الجمعيات الثورية بمدينة نيكولا كييف الأوكرانية هناك اكتساب الأفكار الثورية التي كانت رائجة بين العمال، وشارك أيضا بتأسيس اتحاد العمال في جنوب روسيا.

هذه الأفكار الثورية كلها على فكرة كانت موجة في أوروبا بعد نجاح الثورة الفرنسية، فعندما نجحت الثورة الفرنسية بإسقاط الملكية أرادت كل أوروبا أن تسقط الملكيات التي عندها، وروسيا كانت ملكية وكان يقودها القيصر فكانوا يريدون إسقاطه، وكان هناك موجة بين الشباب والشباب هم وقود الثورات دائما، حيث أرادوا ازالة الظلم ورفض الطغيان والتسلط والاستبداد الذي كان يتصف به النظام الروسي حينها، فبدأت هذه الحركات الثورية تنتشر بين الطبقات المثقفة من جهة وبين العمال أكثر، لأن العامل يعمل في مصنع والمصنع يتحكم فيه واحد من الكبار المسؤولين، بينما المزارع كانت في أيدي الفلاحين الذين يملكونها فليس عندهم مشكلة، بينما العامل كان يتقاضى رواتب ضعيفة أو كان عنده مشاكل رئيسية.

اعتقال تروتسكي

شارك تروتسكي في العديد من الحركات الثورية، طبعا كل هذه الحركات أزعجت الحكم القيصري واعتقلوه وهو ابن العشرين من عمره بتهمة الاشتراك بقيادة عدد من التظاهرات والإضرابات العمالية، واتهموه أيضا بطبع الكتابات الممنوعة، وتم احتجازه في السجن سنتين، ثم بعد ذلك لم يتركوه حرا صدر قرار بنفيه إلى سيبيريا وجلس هناك بدون حكم محكمة لمدة أربع سنوات، في سنوات المنفى وضع تروتسكي نظريته الشهيرة الثورة الدائمة، بعد تخمين وتأمل وتفكير طويل في الطغيان الذي مورس عليه والظلم الذي وقع عليه بدون محاكمة، حيث دعا إلى إشعال الثورات ليس فقط في روسيا وإنما في كل البلدان الأخرى، حتى تنتشر ثورة عالمية تصبح أساس قوة وسلطة النخبة الشيوعية في المستقبل، وهذا هو هدف اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية بعد نجاح ثورتهم في 1918.

 خلال المنفى كان هناك حركات ثورية في سيبيريا، فانضم تروتسكي إلى الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي في سيبيريا، لكنه بسبب الضغط الذي عليه غير اسمه فاستعمل اسم مستعار وصار معلق سياسي بهذا الاسم المستعار ومحلل اجتماعي وناقد أدبي، بعد ذلك عرفوا أن الذي كتب كل هذه الكتابات كان تروتسكي نفسه، فقد ادعى أن الطبقة العاملة وحدها تستطيع أن تقود الثورات، وتحفظ الثورة من الثورات المضادة وعارض أي تدخل من طبقة الفلاحين في الثورة العمالية، ليس لأن الفلاحين هؤلاء عندهم مزارعهم لا يشعرون بالظلم المباشر، وأيضا عادة لأنهم يبيعون ثمارهم للدولة، فخاف من تحالفهم مع البرجوازية .

تروتسكي هو المنظر للثورة البلشفية

طبعا أسلوبه الأدبي وأسلوبه التحفيزي المحرض ساهم في انتشرت كتاباته ومن خلال تحليلاته السياسية والاجتماعية، كان تروتسكي هو الوحيد بين كل المؤلفين الذي يدافع عن فكرة إمكانية انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا قبل أن تنتصر في أوروبا الغربية، وفعلا هذا الذي حدث لاحقا قامت الثورة الاشتراكية في روسيا واستطاع تحقيق أهدافها كما نظر لها تروتسكي قبل أن تحدث في أوروبا، إذا تروتسكي تستطيعون أن تقولوا عنه هو المنظر للثورة البلشفية.

التقاء تروتسكي ب لينين

هرب تروتسكي من المنفى عام 1902 وذهب إلى لندن وبدأ يشتغل وينشر أفكاره في لندن، وهناك تعرف على لينين واحتك به وعمل معا على نطاق واسع لأجل الفكرة التي أوقدها كارل ماركس في أنفسهم ( الفكر الشيوعي )، التي كان هدفها بالنسبة لكارل ماركس استنهاض الثورة بين العمال، التحق تروتسكي بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي في لندن، حيث كان في لندن الجو مفتوح للعمل كما تشاء في أي شيء، حضر تروتسكي للمؤتمر الثاني للحزب في عام 1903 هذا المؤتمر كان مؤتمر خطير جدا، حيث حدث فيه انشقاق رئيسي بين البلاشفة والمناشفة.

الفرق بين البلاشفة والمناشفة

معنى البلاشفة هم الأكثرية حيث أطلق على الجناح اليساري من أنصار لينين، لينين كان يقود الأكثرية أثناء المؤتمر وكان له حزب اسمه حزب العمل الديمقراطي الاشتراكي هو الذي يمثل فيه الأكثرية في نفس الحزب، البقية الذين كانوا يعارضون أراء لينين كانوا يسمون المنشقين أو المناشفة أي الأقلية، وبهذا الانشقاق بدأ تاريخ الدم بين الكتلتين.

داخل ذلك المؤتمر كانت الأكثرية تسعى للحل الثوري تريد ثورة وتغيير بالقوة، بينما الأقلية تريد التغيير السلمي لا تريد الثورة المسلحة،

ظل البلاشفة يعرفون بهذا الاسم على فكرة حتى بعد نجاح ثورتهم عام 1917 ولذلك سميت الثورة الشيوعية بإسم الثورة البلشفية يعني الأكثرية الشيوعية.

الكتلة التي كانت تمثل تروتسكي

 انضم تروتسكي في البداية إلى المناشفة ثم رأى أن هؤلاء اتجاههم ضعيف وأقلية ولن يستطيعوا أن ينجحوا في تغيير أي شيء وانضم إلى لينين لذلك كان بينه وبين لينين بعض حزازات وهذا فيما بعد استغلها ستالين كما سنرى.

الثورة تجتاح نظام القيصر

حاول البلاشفة القيام بعملية ثورية وانقلاب في 1905 لكنهم لم ينجحوا، وأدركوا حينها أن الثورة لن تستطيع أن تنجح فرجعوا وبدأوا يعملون بالسر إلى أن نجحوا في عام  1917 ، خلال فترة الغياب هذه حرضوا الجماهير وحركوا العمال ونشروا الأفكار وأظهروا مساوئ نظام القيصر وعائلته وفساده، اشتغلوا على الفكر واشتغلوا على إشعار الناس بالألم، عندما يشعر الناس بالألم يحدث التغيير، طبعا أحيانا كانوا يلجأوا إلى المبالغات.

 فاستطاع لينين وتروتسكي أن يحركوا هذه الطبقة وحركوا كل أنواع الناس حتى الذين يخالفهم في الفكر، وبعد خروج الناس إلى الشوارع قامت الحكومة بالاستجابة للمطالب لكن ليس بنفس المستوى الذي طلبه الناس، إذ بالناس ترفض فيطالبون بمطالب أعلى، فتقوم الحكومة تستجيب لكن أقل من مطالب الناس، فيرفض الناس ويقدموا مطالب أعلى وتستجيب إلى أن تسقط الحكومات التعيسة، فالحكومات الواعية هي التي تستجيب لشعوبها، لكن الذي فعله القيصر أدى إلى موجة شعبية عارمة استطاع البلاشفة أن يقودوها بقيادة لينين وتروتسكي.

 بل القائد الميداني الذي قاد الجيش الأحمر الذي كان يقوم بالعمليات العسكرية كان هو تروتسكي وليس لينين، وهو الذي قام بالثورة وأسقط الزار، ونجحت ثورة البلاشفة أخيرا، لكن بعد مدة قصيرة بدأ صراع بين اخوة الأمس حيث اشتعلت حرب أهلية بين الشيوعيين أنفسهم ومؤيدي النظام البائد لكن استطاعت في النهاية أن ينتصر البلاشفة ويسيطروا على السلطة بقيادة لينين.

تهميش تروتسكي

 لينين كان هو روح الثورة البلشفية وتروتسكي عقلها المدبر والمخطط الاستراتيجي لها، في 8 من نوفمبر عام 1917 قرر لينين تعيين تروتسكي هذا المفكر وزيرا للشؤون الخارجية، واستمر على هذه السلطة إلى أن توفي لينين، فبعد وفاة الأخير حاول ستالين وحلفائه من داخل الحزب الشيوعي أن يبعدوا تروتسكي ما أمكن عن مقعد السلطة، حيث لم يتم اعلامه بوفاة لينين إلا بعد مرور أيام، حيث كان يتعالج من مرضه، هذا جعله بعيدا عن موسكو لأيام إلى أن استتبت الأمور ل ستالين الذي لم يكن تروتسكي يظن أنه سيستطيع السيطرة على السلطة، فستالين ليس شخصا مثقف ولا عارفا بالسياسة ولم يكن له دور كبير في السياسة في عهد لينين.

  لكن حدثت المفاجئة حيث فاز ستالين الذي قام بعملية خادعة حيث تحالف مع الأخرين وانقلب على تروتسكي وكان أول شيء فعله ستالين بعد أن سيطر على السلطة هو عزل تروتسكي، فلما عزل تروتسكي بهذه الطريقة الخيانية لم يكف تروتسكي عن مهاجمة ستالين وبدأ يندد بسياساته، واتهم ستالين بأنه هو الذي دس السم ل لينين وبسبب ذلك تعرض تروتسكي نفسه لعدة محاولات اغتيال أبرزها في عام 1936 عندها شكل ستالين ما عرف بمحاكمات التطهير وكان اول من صدر بحقه حكم الاعدام هو تروتسكي وإبنه.

 لكن تروتسكي فر خارج روسيا فأعطته المكسيك حق اللجوء السياسي في عام 1940 أرسلت المخابرات السوفياتية جاسوس وطد علاقته في المكسيك لعدة شهور مع تروتسكي، ثم في منزله بينما كان يتحدث معه عندما التفت تروتسكي وإذ فجأة يقوم هذا الجاسوس برفع فأس حطم بها جمجمته، قتلوه بالبلطجة في المكسيك كما يقول معظم المؤرخين.

الصراع بين ستالين وتروتسكي

ف ستالين كان حفار لقبر الثورة البلشفية هو الذي قتل معظم قادتها، وصارت الستالينية رمز للقوة السياسية وحكمت روسيا بحكم عسكري استبدادي عشرين سنة من الطغيان والظلم حتى على الشيوعيين أنفسهم، وانتهى بها الأمر أن صارت كل الشيوعية وكل الثورة البلشفية في مزبلة التاريخ، فالثورة تصنعها الشعوب لكن الذي يحدد اتجاهها هم أصحاب الأفكار، ولذلك يسرقها أصحاب المصالح ويستعينون طبعا بالإعلام ويستغل الظروف الاقتصادية القاسية التي تأتي بعد أي ثورة ثم يقومون بتخوين زملائهم في الثورة ثم يقومون بتصفيتهم، ولا يوقفهم عن ذلك إلا استمرار الشعب بالثورة والانتفاضة حتى تستقر الأمور الصحيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى