كيف كان سكان شمال إفريقيا قبل دخول الاسلام ؟ | الحياة الفكرية والعلمية
تملك شعوب شمال إفريقيا ، حضارة من بين أقدم الحضارات على المستوى العالمي ، صمدت ضد كل أنواع التعرية التاريخية ، كما تعتبر هذه الحضارة من بين أهم الحضارات التي أثرت بدرجة كبيرة في صنع التاريخ الإنساني ، وذلك منذ فجر التاريخ ، في علاقة “إمازيغن” بمختلف الأقوام والشعوب واحتكاكهم بها . حيث أن أرض شمال إفريقيا المعطاءة ، أنجبت رجالا أفذاذا استطاعوا أن يصنعوا لأنفسهم موطئ قدم بين شعوب العالم ، ونقشوا أسمائهم بأحرف من ذهب على صفحات التاريخ البشري ، وساهم “إيمازيغن” مساهمة كبيرة في بناء هذا الصرح الحضاري الذي تستفيد منه الأمم على اختلافها في جميع الميادين ( الفكرية ، العلمية …) .
المؤرخين القدماء لم يكلفوا أنفسهم عناء تدوين الإنتاجات الأدبية الأمازيغية ، حتى إن سجل بعضها في صفائح شمعية و ألواح حجرية و خشبية وسبائك نحاسية ،فإنها تلفت لوجودها في أماكن غير مناسبة أو بيئات غير ملائمة للحفظ والتوثيق، أو نهبت كما هو حال العديد من النصوص التي نقلت من لغتها الأصلية ( الأمازيغية ) إلى الإغريقية واللاتينية وغيرها من اللغات الإستعمارية الأخرى . وفي هذا السياق يقول إبن الرقيق مؤكدا ” أن الرومان طمسوا العناوين والحروف القديمة التي وجدوها في إفريقيا عندما إحتلوها ، ووضعوا مكانها عناوينهم وحروفهم حتى يخلدوا وحدهم ” .
الحياة الفكرية والأدبية في شمال افريقيا قبل الاسلام
في الأدب
لعل من أبرز الخصائص والملامح التي ميزت الأدب الشمال أفريقي أنه كان أدب “انفتاح” بامتياز وقد استمد هذه الخاصية أساسا من انفتاح الأدب الشمال افريقي على الثقافات المتوسطية والحضارات الأخرى المجاورة ، كما كان هذا الأدب في القديم والحديث “أدب مقاومة ” بامتياز ، ولازالت المدونة الشفوية والمخطوطات المكتوبة تحتفظ بالكثير من هذه الأشعار التي تذم الاستعمار و الغزاة ، كما كان هذا الأدب أدبا “إنسانيا ” أيضا انتصر فيه الأديب الأمازيغي للقيم الإنسانية الكبرى .
أبرز الأدباء والمؤلفات الأمازيغية
تينشي أفار أو تيرنتيوس أفار :
كان يكتب في كل سنة مسرحية من سنة 160 ق.م إلى 166 ق.م ، فغيض الرومان لرجل كان عبدا استطاع أن يلهم الجمهور فمنعت مسرحياته من التداول بعد ذلك ، واتهم كونه يسرق مؤلفاته فقط. ويقال أنه مات حزنا لضياع مخطوطات له في البحر بعدما كان قادما لليونان ، في عمر لم يتجاوز 30 سنة .
ومن مؤلفاته
الإخوان ، والمعذب نفسه ، وفتاة أندروس ، والحماة ، وفورميو .
لوكيوس أبوليوس :
ولد هذا الأخير في 124 أو 125 ميلادية وتوفي في سنة 180 ، م مداور التي يطلق عليها اليوم اسم مداوروش وكان موقعها الحدودي بين “غيتوليا” و”نوميديا” ، كانت أسرته غنية فقام والده بإرساله إلى اليونان ليتعلم هناك ، وبعد وفات والده أنفق جزءا كبيرا من ماله في التنقل لكسب المعرفة حتى نضبت مخازن الميراث .
المؤلفات :
يعد سكان شمال افريقيا هم الأوائل الذين قدموا أعمالا أدبية ، فأول رواية في التاريخ هي رواية الحمار الذهبي الذي كتبه لوكيوس أبوليوس والذي يعد واحدا من أهم الأدباء في التاريخ القديم ، ورغم أن الغرب حاول طمس هذه الحقيقة لجعل رواية ستيريكون هي أول رواية في التاريخ ، لكن أغلب المؤرخين يؤكدون أن رواية الحمار الذهبي هي أول رواية تكتب في تاريخ البشرية ، وتندرج الرواية في قسم الرواية الإطارية ، حيث تضم مجموعة من القصص التي يتحدث فيها الكاتب بالضمير المتكلم .
كتاب التحولات : كتب الكتاب أثناء عمل لوكيوس كمحام في روما وهي رواية مكونة من 11 كتابا .
كتاب الدفاع : الذي كتب فيه ما حدث في محاكمته و التهم التي لفقت له وكيف دافع عن نفسه .
وكتاب الأزاهير : وهو عبارة عن مجموعة من الخطب والملخصات النثرية ، وبسبب هذا الكتاب اكتسب شهرة كبيرة وأقيمت له التماثيل وجنى ثروة كبير من خلال الإتاوات .
كتاب إله سقراط : حيث حاول لوكيوس اثبات وجود الشياطين واعتبرها وسيطا بين الآلهة والبشر …
على مستوى المعمار والزخرف
الآثار المعمارية الأمازيغية يرجع عهد عناصرها لأولى إلى ماقبل التاريخ.وتلك العناصر عبارة عن لأضرحة بسيطة بني كل واحد منها على شكل ركام من الحجارة .ثم تطورات فيما بعد التصاميم تلك لأضرحة إلى أن صارت أشكالها إما هرمية مربعة القواعد. وإما مستديرة القاعدة مدرجة من الأسفل إلى الأعلى في طبقات .هده الأضرحة الأخيرة تسمى “بازينا” وهي مبنية من الحجارة المتراصة ، كما أن في مراحل التاريخية أخرى صارت لأضرحة عبارة عن مباني شاهقة في شكل منارات مكونة من 4طبقات اوخمس . عليها أصغر حجما من سفلاها أو عبارة عن مباني مخروطية الشكل الأسطوانية القاعدة يبلغ قطر دائرتها حوالي 60مترا وهي مبنية من حجارة المنحوتة أيضا هده الأضرحة. بنوعيها منسوب إلى الملوك الأمازيغيين القدماء .
يوجد من نوع لأول تلك لأضرحة 2 في تونس الحالية واحدهما بمدينة دوكة و واحد بالجزائر يسمى الخروب . اما نوعها الثاني يوجد منها لاثنان بالجزائر وبقايا مجموعات منها بالمغرب في سهل سايس وفي سهل الغرب قرب مدينة سدي سليمان ولهده لأضرحة لأخيرة خصوصيات معمارية تجعلها منفردة في تاريخ المباني لأثرية .
ومن لأنماط المعمارية الأمازيغية التي نفذت إلى عصرنا تلك التي تبنى على فرارها “القصور الجماعية والقصبات المنتشرة في الأطلس الكبير .ومخازن الحبوب العمومية ، كما نفد إلينا أنواع من الزخرف كلها عبارة عن تشكيلات هندسية أساسها الخط المستقيم.تزين بها واجهات المباني (القصور . القصبات….) في لأطلس الكبير والواحات . كما تزين بها الزرابي والحلي والآنية الطينية والخزفية.
üإضافة إلى المعمار والزخرف .هناك قائمة من الرسوم التمثيلية الكثيرة رسمت بالنقوش أول لألوان على الصخور في الكهوف والجبال والصحاري منذ العهد الحجري الجديد وما اتسم به من وجوده من استمرارية نادرة نخص بالذكر من الرسوم المنقوشة _ العربة ذات الأفراس لأربعة (بتاركا) . ومن الرسوم التي صورت بالألوان الفرسين المتجابهين (إقليم بشار بالجزائر) …
يوبا الثاني
وهو حفيد ماسينيسا وابن يوبا الأول تم أسره وهو ابن 5 سنوات أو 7 سنوات من قبل الرومان بعدما خسر والده حربه ضد روما ، وترعرع في قصر روما الفاخر وهناك تلقى تعليمه
مؤلفاته :
ليبيكا : واهتم هذا الكتاب بشمال افريقيا وذكر فيه قصة الأسد الحقود التي ما زالت متداولة من طرف الجدات التي تروينها على أطفالهم باللغة الأمازيغية في الليالي الباردة .
والكتب الأخرى لم يبقى لنا فيها سوى العناوين ( أرابيكا ، موسوعة الموسيقى الضخمة ، كتاب تاريخ روما ، كتاب الأشباه ، رسالة صغيلرة عن نبات أوفورب ، كتاب الرسامين ، تاريخ المسرح … ) .
وتعد مؤلفات يوبا الثاني نادرة لكونها أتلفت وضاعت بسبب الحرب التي دارت بين بطليموس و وروما ، ولم يبقى لنا سوى بعض المقتطفات والاستشهادات التي ظهرت في كتب معاصريه . ف يوبا كان غزير التأليف ، حيث كتب في الجغرافيا والتاريخ والطبيعيات والأدب والطب وعلوم الاستكشاف ، وأغلب مؤلفاته نسمع عنها من طرف كتاب عاصروه .
فلسفة شمال إفريقيا
فلقد شهدت شمال إفريقيا على مر العصور موجات عديدة من عمليات الاحتكاك مع شعوب كثيرة أدت الى تبادل ثقافي وفكري كبير ، فقبل دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا أي قبل نهاية القرن السابع ميلادي تقريبا، اعتنق سكان شمال افريقيا القدماء العديد من الأفكار والأديان منها السماوية و التوحيدية و الأفكار الفلسفية العقلانية بعضها محلي وبعضها مستورد وأبدعوا كثيرا في العلوم الصورية التجريدية والآداب. وكانت في شمال إفريقيا العديد من المراكز الثقافية العلمية التي أنتجت الكثير من الفلاسفة كالفيلسوفة آريتي الامازيغية القورينية و الأديب و الفيلسوف وصاحب اول رواية في التاريخ أفولاي ن مادورا والعديد من اللاهوتيين أمثال أغوستين ، وحج لشمال افريقيا الكثير من فلاسفة اليونان الكبار لطلب المعرفة كأفلاطون الذي كان يقصد مدينة قورينا ( مدينة في ليبيا حاليا كانت تنافس الإسكندرية كمركز ثقافي في شمال افريقيا ) .
شعر شمال إفريقيا
هو نوع أدبي باللغة الأمازيغية يعبر عن مشاعر و نشأة و ثقافة شريحة ضخمة من الأمازيغ بالمغرب الكبير عموما من خلال موضوعات تعبر عن قضاياهم وحياتهم وينقسم الشعر الأمازيغي إلى عدة أنماط فرعية : تيمنادين _ إزلان _ تموايت _ تيمناطين .
يحتل الشعر القبائلي مكانة واسعة و مرموقة في الحقل الثقافي الأمازيغي ، نظرا للأهمية الإستراتيجية للشعر والكلام في المجتمع القبائلي ذو التقاليد الثقافية الشفهية وهذا منذ القدم ومن بين القدماء في شمال افريقيا الذين أبدعو في فن الخطابة والشعر نجد القديس دوناتوس الأكبر ومن بين الموضوعات التي كان يتناولها الشعر الأمازيغي القديم نجد : الدين الجنائز السياسة الهوية المجتمع الفلسفة العاطفة الغربة …
يشير مرمول في كتابه إفريقيا واصفا طريقة سكان شمال افريقيا في الصيد ” وإذا عتر الصيادون على جحر الضبع قصدوه وهم يغنون على نغم الدفوف ” ويواصل قوله بأن ” السكان النوميديين يتعاطون كثيرا الفصاحة والشعر فينضمون قصائد مقفاة ..” هذه العبارات التي يفهم منها أن الشعر الغنائي كان ملازما للإنسان الشمال افريقي القديم في سكناته وتنقلاته . فنجد جل الإنتاجات الشعرية الأمازيغية جاءت مصاحبة للأعمال اليومية العادية دأب المجتمع على ممارستها .
اللغة والكتابة ( شمال افريقيا )
كانت الأمازيغية لغة الكتابة منذ العصور القديمة وقد كتبها أجدادنا الأمازيغ و نقشوها إما على شواهد القبور و المسلات واللوحات الحجرية وإما مع النقوش الصخرية في كل ركن من أركان شمال إفريقيا ، وتعرف هذه الكتابة الأمازيغية بتسميات مختلفة لدى الباحثين مثل الكتابة الليبية الأمازيغية أو تيفيناغ . كما استعملت لغات أخرى كالفنيقية والرومانية لكن في مناطق محدودة في شمال افريقيا أغلب المتحدثين اما كانوا فنقيين أو رومان أو من يتعامل معهم بشكل يومي .
ويعود أول اكتشاف لكتابة تيفيناغ إلى 1621 إذ عثر الباحث طوماس داركو في مدينة دوكا على جدار ضريح ماسينيسا على نقيشة مزدوجة الكتابة الأمازيغية والبونية والتي درست في أواخر القرن 19م و بداية القرن 20 . وتيفيناغ لغة مركبة من كلمتين ( تيفي _ ناغ) أي إكتشافنا و اختراعنا وبمعنى أدق كتابتنا وخطنا الذي ابتكرناه وقد كان عدد حروفها في البداية 16 حرف ثم صار 23 حرف في عهد المملكة المازيلية النوميدية.
كان سكان شمال إفريقيا في العصور القديمة يستعملون اللغة الأمازيغية في شتى أمور حياتهم فهي لغة التداول الشفهي كما كتبوها على الألواح والصخور وقد انتعشت هذه اللغة نطقا وكتابة باحتكاكها مع الحضارتين المصرية واليونانية ، وازدهرت باحتكاك الأمازيغ مع الشعب الفينيقي وقد كان هذا الاحتكاك يحترم مقومات الحضارة الامازيغية على جميع المستويات .
رغم ما تعرض له الأمازيغ أيام الإحتلال الروماني لبلادهم من تنكيل وتشويه لثراتهم و ثقافتهم وفرض اللغة اللاتينية عليهم فإن كثير من الأمازيغ والخارجين عن طاعة الرومان بالأرياف والجبال و الصحراء قاوموا الاحتلال الروماني و تشبتوا بالأمازيغية لغة و حضارة و يتجلى هذا التشبت بالأمازيغية في عهد الملوك (سيفاكس ، ماسينيسا ،يوكرتن ،يوبا ..) .
وعندما دخل العرب العرب المسلمون إلى شمال إفريقيا لنشر الإسلام كانت الأمازيغية سائدة وساهمت بقسط كبير في نشر تعاليم الدين الجديد حيث أقبلت نخبة من الأمازيغ على تعلم العربية لفهم الإسلام و ترجمت معانيه إلى عموم الأمازيغ كما حدث مع صالح البر غواتي ومحمد بن تومرت .
تعليم شمال إفريقيا
يعتبر التعليم أساس الحياة الثقافية ففي بلاد المغرب القديم لاسيما الفترة الليبية تقل فيها المصادر بنوعيها عن ذكر تفاصيل التعليم و ميادينه وحسب الآثار أنهم برعوا في الرسم و الكتابة الرمزية كما يتضح أنهم تعلموا الكثير من المصريين و الشعوب المجاورة في مجال الأدب و فنون العمران و غيرها
أما التعليم في المرحلة القرطاجية فقد كان يتم تلقين الآداب و الفنون في المعابد وفي اغلب الأحيان على يد الكهنة . كما اعتبر السحر علم الطب لأنه يستخدم في المعاجلة و التطبيب و الأدب و الموسيقى والرسم و غيرها من العلوم التي يتم تلقينها بالغة البونية كما كانت قرطاجة قبلة للتعلم المغاربة أمثال ماسينيسا و سيفاكس وغيرهم .وكانت بها جامعة كبيرة قرطاج التي يتم التدريس فيها باللاتينية و الإغريقية و يعتبر ابوليوس المدراوي احد اساتدتها كما كان الطلبة بعد تخرجهم يمكن لهم مواصلة التعلم في أثينا اليونانية .
أما التعليم بالإغريقية فقد بدا مند تأسيس قورينة في القرن السادس قبل الميلاد فقد كانت مركزا ثقافيا و تعليميا لمختلف العلوم و الآداب . وكان التعليم فيها يتم عبر مراحل ففي المرحلة الابتدائية يتعلم فيها المتعلم أصول القراءة و الكتابة والحساب في مدة خمس سنوات . يليه التعليم الثانوي الذي يتم في مدة سبع سنوات يتم فيه تعليم النحو و الشعر و الرياضيات و الفلسفة . يليه التعليم العالي الذي ظهر بقرينة قبل ظهوره في روما أي في القرن الأول قبل الميلاد يتم تعليم الخطابة والأخلاق و الطب و المنطق و اعتبرت جامعة قورينا قطبا ثقافيا و تعليميا ومن مدرسيها ثيودوروس خلال القرن الخامس قبل الميلاد و اريستبون و انيسيسيرس و غيرهم و قد كانوا متأثرين بتعاليم اريسطو و أفلاطون و غيرهم