ابن رشد فيلسوف قرطبة الرجل الذي أحرقت كتبه | مسلم أم كافر

أحب الكتب حتى قيل إنه لم يفوت يوما بدون أن يقرأ أو يكتب باستثناء ليلة زواجه وليلة وفاة والده الوليد محمد بن احمد بن محمد ابن رشد ولد عام ألف ومئة وستة وعشرين بقرطبة الأندلسية موسوعي مسلم برع في علوم الفلسفة والطب والفلك والرياضيات والفيزياء والجغرافيا ، نشأ في بيت فقهاء وقضاة فكان جده قاضيا وشيخا مليكيا وإماما لجامع قرطبة ، وكان أبوه قاضيا في قرطبة أيضا ، كانت علاقته جيدة بأمراء الموحدين الخليفة عبد المؤمن وابنه الخليفة يوسف الذي طلب منه نقل فلسفة أرسطو ، تولى منصب قاضي القضاة في الأندلس وكانت الفلسفة ميدانه الأول واعتبر واحدا من أعظم فلاسفة العصور الوسطى لطريقته المثلى في شرح فلسفة أرسطو.

أيقن أبو الوليد محمد موطأ الإمام مالك في الفقه واشتغل بالطب وبرع فيه وحفظ ديواني المتنبي وأبي تمام في الشعر ، وأهم شارح لفلسفة أرسطو في العصور الوسطى ، عرف عنه اعتداله بنفسه أمام أهل العلم والحكم وتواضعه مع عامة الناس وطلبة العلم ، ولم يكن مهتما بأناقة الملبس والمظهر على عادة أعيان الناس في عصره.

صعود نجم ابن رشد

 تمكن أبو الوليد محمد من نيل حظوة في بلاط الموحدين ، فتولى قضاء إشبيلية ثم قضاء قرطبة بأمر من الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المؤمن ، وبعد وفاة الخليفة قربه ابنه المنصور يعقوب بن يوسف الموحدي في مجلسه حتى تجاوز كبار مقدمين الموحدين ، ما أثار نفوس خصومه ومنتقدي أفكاره الفلسفية فكادوا له وأوقعوا بينه وبين المنصور بالتأويل الخاطئ لكلامه والكذب عليه أحيانا أخرى ، وأمر المنصور اعتقل ابن رشد ونفي وحيدا ببلدة نيسان ، وهي بلدة صغيرة كان يسكنها اليهود بالقرب من غرناطة ، ناسيا ما قدمه من علم وفقه وأدب لأهل إشبيلية والأندلس ، وأمر بإحراق كتبه كافة حيق احتشد الآلاف من سكان إشبيلية ليشهدوا حدثا مأساويا في تاريخ عاصمة دولة الموحدين ، إحراق كتب ومخطوطات الفيلسوف الأندلسي والفقيه والقاضي أبو الوليد أو ابن رشد كما يسميه الأوروبيون .

 ولم ينج منها غير كتب الطب والحساب وأجزاء من كتب الفلك التي تفيد في تحديد القبلة والاتجاهات ، منها الكليات في الطب ونهاية المقتصد وبداية المجتهد ، وكتاب التحصيل في الفقه المقارن ، ومختصر المستشفى في أصول الفقه ، وكتاب تهافت التهافت الذي يرد فيه على الإمام أبي حامد الغزالي.

أبو الوليد بن رشد صانع نهضة أروبا الحديثة

 ربما يدين العالم الحديث الكثير لابن رشد لأنه قام بترجمة وتفسير نصوص وكتابات أرسطو ، فقد طلب منه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف أن يفسر له شيئا من كتب أرسطو لأنه صعب عليه فهم كلام القدماء ، فقام أبو الوليد بناء على طلبه بالتفسير والتعليق على نصوص أرسطو لتكون مفهومة لبني عصره وقسمها إلى تعليقات قصيرة ومتوسطة وطويلة ، هذه التفاسير والتعليقات دخلت إلى أوروبا التي كانت تعيش عصورها المظلمة عرضا ، وكانت مفتاحا لإعادة الفكر وربما كان ابن رشد سببا غير مباشر للوصول إلى عصر النهضة في أوروبا .

فكر ابن رشد

كان ابن رشد يرى أرسطو عملاقا بلغ الحقيقة ، وكانت له مدرسة فلسفية خاصة عرفت بالمدرسة الرشيدية تركزت أفكاره على دمج الفلسفة الأرسطية مع الفكر الإسلامي ، واعتبر أن الفلسفة والدين وجهان لعملة واحدة يعد تهافت التهافت أهم كتبه الفلسفية ، والذي رد فيه على أبي حامد الغزالي وتكفيره للفلاسفة في بعض أجزاء كتابه تهافت الفلاسفة ، ولقراءة المزيد حول الاختلافات التي طالت الفيلسوفين اضغط هنا للانتقال إلى المقالة المعنية ؛ وفي الفلك قدم ابن رشد معلومات دقيقة عن القمر واكتشف نجما جديدا وقدم وصفا أوليا لظاهرة البقع الشمسية ، كان أبو الوليد محمد يرى أن الصحة العقلية والنفسية سبيل الوصول إلى السعادة التامة ، وأن الإيمان بالله ركن أساسي في تحقيق السعادة في الآخرة ، قال إن من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانا بالله فالجسد الإنساني يعكس قدرة الله في الخلق ، ترك أبو الوليد عشرين كتابا في الطب وحدها.

عودة ابن رشد إلى بلاط المنصور

 وما لبث المنصور أن طابت نفسه وأمر بالعفو عن ابن رشد عام ألف ومئة وسبعة وتسعين للميلاد الموافقة لخمس مئة وأربعة وتسعين للهجرة ، وأدخله بلاطه في مراكش تعويضا له عن سنوات نفيه ، لكن ذلك لم يدم غير بضعة أشهر إذ توفي ابن رشد ، ولحق به المنصور بعد أسابيع .

مؤلفات

ومن أهم مؤلفاته كتاب الكليات في الطب الذي انتهى منه في أكثر من خمسة عشر عاما ، الكتاب المكون من سبعة أجزاء تناول علوم التشريح ووظائف الأعضاء والصيدلة والنظافة الشخصية والوقاية من الأمراض وغيرها ، ودرست بعض أجزائه في جامعات أوروبا حتى القرن الثامن عشر ، وفي عهد يعقوب المنصور كثر أعداؤه فاتهم بالهرطقة وأحرقت كتبه باستثناء أعماله في الطب وعلم الفلك والحساب .

مختصر المستشفى في أصول الفقه ، وكتاب تهافت التهافت الذي يرد فيه على الإمام أبي حامد الغزالي ، لكن أغلبية كتبه أحرقت وأهدرتها النيران إلى الأبد .

الوفاة

توفي ابن رشد عام ألف ومئة وثمانية وتسعين للميلاد الموافقة لخمس مئة وخمسة وتسعين للهجرة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى