فلاديمير لينين | متعصب أعمى أم صاحب قضية

فلاديمير أليتش أوليانوف والمعروف ب لينين ولد في 22 من أبريل عام 1870 في مدينة سان بريسغ التي تعرف اليوم باسم أوليانوف، في أسرة يهودية تحولت للمسيحية الأرثدوكسية لأسباب سياسية، تلقى لينين دروسه الأولى وهو في الخامسة على يد معلم كان يحضر إلى منزله لهذه الغاية، ثم دخل المدرسة وهو في التاسعة مبديا اجتهادا كبيرا وذكاء لقي إعجاب الجميع، وفي ذلك الوقت كانت روسيا قد بدأت تتحول بسرعة إلى دولة صناعية، وكانت قطاعات واسعة من الشعب تئن تحت وطأة الجوع والفاقة لانعدام شروط العمل الإنسانية وتكافل أصحاب المصانع مع الأسر الحاكمة، وقد كان والده مفتش مدرسي كاره للحكم القيصري . حيث كان ينتقد حال المدرسة العمومية في روسية القيصرية وبذلك كان يهدد بالفصل من العمل والسجن، توفي والد ليون تروتسكي وهو في السادسة عشرة، وفي السنة التالية أعدم أخوه ألكسندر شنقا بتهمة الاشتراك في مؤامرة لاغتيال القيصر.

وقد تركت هذه الحادثة أبلغ الأثر في نفسه وخصوصا كلمات أخيه أثناء المحاكمة، إذ اعترف بما نسب إليه قائلا أنه أراد قتل القيصر لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الحرية السياسية للشعب الروسي، وفي السنة نفسها أنهى فلاديمير دروسه الثانوية بامتياز وحصل على الميدالية الذهبية، وفي الخريف انتسب إلى جامعة قازان لكنه طرد منها بسبب تزعمه لفئة احتجت على انعدام الحرية في الجامعة، وقد حاول عدة مرات تقديم طلبات للعودة إلى متابعة دروسه ولكنها رفضت كلها، وفي تلك الفترة كان قد ذهب إلى أخته الكبرى ” آنا” في الريف وأمضى جل وقته في قراءة الكتب خاصة المعارضة للقيصر، وبعد مجهود كبير قامت به والدة لينين قبلت جامعة بيترسبورغ طلبه للانتساب إليها شرط عدم حضور الدروس والاكتفاء بالمجيء إلى الحرم الجامعي في نهاية السنة الدراسية للاشتراك في الامتحانات.

بداية لينين في العمل الثوري

حصل لينين على شهادة الحقوق عام 1891 ثم بدأ العمل في مكتب للمحاماة في سامارا، وفي تلك الفترة راح يقرأ كتابات كارل ماركس بعمق حتى العام 1893 حين انضم إلى منظمة ماركسية تدعى الديمقراطية الاجتماعية، وما لبث أن عاد إلى بيترسبورغ حيث تولى قيادة تلك المنظمة حتى توفي القيصر ألكسندر الثالث عام 1894، فخلفه ابنه نيقولا الثاني، أما فلاديمير فقد أمضى معظم عام 1895 في فرنسا وألمانيا وسويسرا، حيث التقى معظم الماركسيين الناشطين هناك، وبعد شهرين من عودته إلى بيترسبورغ ألقي القبض عليه وهو يستعد لإصدار جريدة قضية العمال، وبقي رهن التحقيق أكثر من عام إلى أن صدر بحقه الحكم بالنفي إلى سيبيريا، وبعد انتهاء مدة العقوبة عاد إلى روسيا من جديد وهناك انضم لحزب العمل الديموقراطي الاشتراكي سنة 1897.

 استأنف لينين العمل الثوري في الخارج خاصة لندن التي كانت بلاد الحرية وقد حضر للمؤتمر الثاني للحزب العمل الديمموقراطي وهناك خطب خطابا ناريا يندد بإسقاط الحكم القيصري. وبعد دخول روسيا حربا مع اليابان زادت الأوضاع تأزما فخرجت مظاهرات عام 1905 في روسيا عاد فلاديمير إلى وطنه ليشارك في العصيان المدني ضد الحكومة بل وقد كان يقود المظاهرات، وهذه المظاهرات أدت إلى تنازلات من القيصر على رأسها تصبح روسيا ملكية برلمانية وبهذا حدث انشقاق في الحزب العمل الديموقراطية بين مؤيد وعارض لتتكون كتلة البلاشفة والناشفة، وقد كان البلاشفة بقيادة لينين يرفضون الحكم القيصري بشكل قطعي.

الثورة البلشفية

 في عام 1908 توجه لينين مرة أخرى إلى سويسرا وبعد ذلك سافر إلى باريس لينشر أفكاره وليلتقي بكل الداعمين والكارهين للحكم القيصري، وفي عام 1916 ترأس فلاديمير الحزب البلشفي في باريس، ومع نشوب الحرب العالمية الأولى دعا لينين إلى تحويل الحرب العالمية إلى حروب أهلية ضد حكومات رأسمالية في الدول الأوروبية، وفي هذه الفترة كانت روسيا تعيش وقتا عصبا حيث عان المواطنين من نقص الغذاء بسبب الحرب، مما جعل القيصر يتخلى عن عرشه لحكومة “جورج ليفوف”.

عاد فلاديمير لينين إلى روسيا بعد انتهاء حكم القيصر في روسيا عام 1917 بعد العصيان مدني مع مجموعة من أنصاره، وبدأ ينتقد الحكومة الانتقالية ويضغط عليها للخروج من الحرب ، هذا جعل الكثير من البرلمانيين يوخونونه بل وانتشرت إشاعة تقول أن لينين عميل لدى الألمان، وبعد محاولة فاشلة من فلاديمير للانقلاب على الحكومة الانتقالية اشتعلت حرب أهلية بين البلاشفة الذين يمتلكون الجيش الأحمر و المناشفة الذين يمتلكون الجيش الأبيض المدعوم من الغرب، وفي النهاية سنة 1921 استطاع البلاشفة الانتصار بعد استماتة في الحرب التي خلفت أكثر من 13 مليون مواطن روسي. ( اضغط هنا لتقرأ المزيد وبشكل مفصل عن الثورة الروسية )

الثورة الاشتراكية تجتاح العالم

 أول محاولة ل لينين لتصدير الإشتراكية الثورية كان عن طريق غزو بولندا بعدما قامت الثانية بغزو أوكرانيا في الماضي، وتمثل الفكر اللينيني في تصدير الثورة إلى غرب أوروبا إلى فرنسا وألمانيا بالاستعانة بالجيش الأحمر مرورا ببولندا عام 1920 وبسبب الثورات المضادة لم تتم عملية تصدير الثورة إلى أوروبا الغربية، وعمد لينين في مارس 1921 على بعض الإصلاحات الداخلية وشجع الأعمال الزراعية والصناعية الصغيرة، إلا أن ثورة البحارة المدعومة من الإمبريالية في نفس الشهر حالت دون تحقيق أمال فلاديمير في الإصلاح الاقتصادي الداخلي.

لينين يفضح اتفاقيات سايكس بيكو

 قام لينين بفضح اتفاقية سايكس بيكو فبعد انتهاء الثورة البلشفية واستيلاء البلاشفة على السلطة، وجد لينين نسخة من الاتفاقية السرية سايكس بيكو في أرشيفات القيصر، وكانت تنص على أن تستولي روسيا القيصرية على إسطنبول، وقام لينين بنشرها لعل العالم يرى من أجل أي شيء كانت تدور الحرب العالمية الأولى.

لينين يحب المسلمين

 لم يكن لينين يهتم كثيرا بالشؤون الدينية، ونادرا ما كان يتحدث عن الأديان لكنه أعطى حرية العبادة للمتدينين، وقد تبين ذلك في نص ورسالة وجهها إلى المسلمين في 24 نوفمبر 1917 جاء فيها يا أيها المسلمون في روسيا وسيبيريا وتركستان والقوقاز، يا أيها الذين هدم القياصرة مساجدهم وعبث الطغاة بمعتقداتهم وعاداتهم، إن معتقداتكم وعاداتكم ومؤسساتهم القومية والثقافية أصبحت اليوم حرة مقدسة. نظموا حياتكم القومية بكامل الحرية وبدون قيد فهي حق لكم، واعلموا أن الثورة العظيمة وسياسات النواب والعمال والجنود والفلاحين تحمي حقوقكم وحقوق جميع الشعب وجميع شعوب روسيا.

 وقد تم وضع برنامج ضخم لما يمكن أن يطلق عليه اليوم التمييز المضاد سمي ‘بالكورنيش’ روسيا، أي إحلال السكان المحليين محل المستوطنين الروس، وقد بدأ بطرد المستعمرين الروس القوزاق والمتحدثين باسمهم من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في تلك المناطق، وتوقفت اللغة الروسية عن الهيمنة وعادت اللغات المحلية إلى المدارس وإلى الحكومة وإلى المطبوعات، وقد تمت ترقية السكان المحليين ليشغل مناصب في الدولة وفي الأحزاب الشيوعية المحلية، وأعطوا أولوية حتى عن الروس في التعيينات. وقد أنشئت جامعات لتدريب جيل جديد من القادة غير الروس، أيضا أعيدت الأثار والكتب الإسلامية المقدسة التي نهبتها القيصرية إلى المساجد، وقد تم تسليم مصحف عثمان بن عفان في احتفال مهيب إلى المجلس الإسلامي في بتروغراد في 25 ديسمبر سنة 1917 وقد أعلن يوم الجمعة يوم الاحتفال الديني بالنسبة للمسلمين ويوم الإجازة الرسمية في كل أسيا الوسطى.

هل لينين انسان طيب

 كان لفلاديمير لينين علاقات جيدة مع الشعراء والأدباء منهم صديقه الحميم مكسيم غوركي، ويصف غوركي لينين قائلا إن دهشتي كبيرة كيف أن هذا الرجل الذي شاهد وعاش الكثير من المصائب والمنافي كان قادرا على الضحك بذلك القدر من السذاجة والطيبة، ثم يضيف كيف أن لينين بعد أن استغرق بالضحك مسح عينيه من الدموع وقال إن الإنسان الشريف ذو القلب النقي والطاهر وحده يستطيع أن يضحك بهذه الصورة، وكان يقول لينين إنه لشيء حسن أن يرى المرء الجانب المسلي من إخفاقاته، إن خفة الروح هي صفة صحية رائعة وأنا حساس لهذه الصفة رغم أني غير موهوب بها، ولا ريب أن في الحياة منها بقدر ما في هذه الحياة من أحزان، وقال غوركي إن مزاج المرء هو شيء هام، كما كان لينين بارعا في الإصغاء والتعليق للنكتة المرحة، وكانت أكبر هواياته زيارة المكتبات والمطالعة والكتابة.

 وقد كانت له علاقة جيدة مع الأديب البريطاني هربرت جورج ويلز، حيث في عام 1914 زار ويلز روسيا ورأى أن النظام القيصري فيها قمعي وفاسد، وقد تفهم أهداف ثورة أكتوبر، وفي عام 1920 زار ويلز الاتحاد السوفييتي والتقى لينين.

اغتيال لينين

 في سنة 1918 أطلقت الثورية الروسية “فانيا كابلان” النار على لينين وأصابته في رئتيه وكتفه قائلة اليوم أطلقت النار على لينين لأنه خان الثورة، ولكنه عاش بعدها رغم أنه لم يتعافى كليا، وكانت الرصاصة التي أصابت عنقه أكبر الأثر في انهيار صحته، وقد أزالها الأطباء من عنقه في عام 1922 ولكنهم لم يستطيعوا إلغاء أثارها القاتلة.

فلاديمير ينهار

 كانت محاولة الاغتيال التي أصابت لينين بطلاقات في جسده بإضافة لهموم إدارة الدولة أخذت نصيبها من صحة لينين فأصيب بجلطة في مايو سنة 1922 شلت نصف جسمه الأيمن وقللت من مشاركاته السياسية، وبحلول شهر ديسمبر من نفس العام ألمت به جلطة ثانية حينها أمرت الإدارة السياسية أن يبقى لينين بعيدا عن الأضواء، وفي مارس 1923 أصيب لينين بجلطة دموية ثالثة ألزمته الفراش وحرمته القدرة على الكلام.

وفاة فلاديمير

 أصيب لينين بجلطة رابعة أخيرة في 21 يناير 1924 وقد حنط جسد لينين ودفن في الساحة الحمراء في موسكو.

بهذا توفي لينين الذي اشتهر بصداقة المثقفين ودشن قرن الدكتاتوريين الثوري الروسي الماركسي وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية الذي كان قد أسس المذهب اللينيني السياسي رافعا شعاره الأرض والخبز والسلام.