سيغموند فرويد الأب روحي لعلم النفس الحديث

ولد سيغموند شلومو فرويد في عام 1856 في الإمبراطورية النمساوية آنذاك داخل عائلة يهودية كما هو معروف ، وبعد أن تلقى التعليم الابتدائي انتقل إلى فيينا وهناك دخل الجامعة لتعلم الطب وفعلا تخرج منها ، لكن فرويد لم يكن يرغب كثيرا او لم يكن معجبا كثيرا بمهنة الطب ، ومع ذلك دفعه الميل لديه الى علم النفس للتخصص في مواد تختص بالدماغ البشري مثلا او بعلم الأعصاب ، لكن قبل ذلك وتحديدا في عام 1882 في هذا العام عين سيغموند فرويد مساعدا في المستشفى العام وبعد ثلاث سنوات تحصل على إعانة من الحكومة النمساوية لمساعدته في مسألة السفر الى باريس ، للتعرف هناك على الأساليب الجديدة في ميدان الطب النفسي .

صعود نجم سيغموند فرويد

ذهب الى باريس وبعد أن أمضى هناك عدة شهور عاد الى فيينا وقدم الى الجامعة تقرير وافي عن كل ما رآه وتعلمه في باريس ، وأيضا ضمن هذا التقرير طبعا آرائه الشخصية حول مسألة التنويم المغناطيسي وعن الهستيريا وعن جملة أمور أخرى ، لكن ما حدث هو أن اللجنة سخرت من هذا التقرير بل أقفلت في وجه فرويد باب الجامعة وباب جمعية الأطباء ، إلى أن عاد بعد مدة ليعين كأستاذ ملحق يعني غير أصيل وبالمناسبة ظل فرويد طيلة حياته أستاذ ملحق غير أصيل ، حتى أنه عندما احتفل في عيد ميلاده السبعين لم تعنى جمعية الأطباء بإرسال برقيات تهنئة .

على العموم في هذه الفترة قام سيغموند فرويد بإفتتاح عيادته الخاصة في مجال علم الأعصاب والدماغ ، وطبعا بدأ بتطوير أساليب جديدة في معالجة مرضاه أشهرها طريقة جعل المريض يسترخي على أريكة ، ومن ثم حثه على التكلم بأي شيء يأتي على خاطره ، لاحقا قام فرويد بعدما سجل كل هذه الأمور بتحليلها وهكذا بدأت تظهر تباشير مدرسة التحليل النفسي الفرويدي ؛ في سنة 1909 سافر فرويد إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم بعض المحاضرات حول أبحاثه ونظرياته ، هذه المحاضرات كانت هي الأولى التي يلقيها فرويد خارج حدود النمسا ، وطبعا سبقته شهرته إلى أميركا وبعد المحاضرات ترك أثر كبير جدا لدرجة أن بعض الصحف الأمريكية وصفت محاضرات فرويد بالزلزال .

زواج فرويد

تزوج سيغموند فرويد في سنة 1886م وأنجب من زوجته مارتا ستة أطفال منهم طبعا ابنته أنا والتي ستغدو لاحقا محللة نفسية كبيرة كمثل ابيها .

شخصية سيغموند فرويد ونمط حياته

بقي سيغموند فرويد في مدينة فيينا لأكثر من سبعين سنة ، لم يترك فيينا إلا مضطرا ولم يغير مكان إقامته أبدا حتى أنه لم يغير في أثاث منزله شيء وكان شديد التعلق بأغراضه ، أيضا لم يكن فرويد يضيع وقته الثمين مثلا في المظاهر والمناسبات الاجتماعية ، إذ كان جل وقته مشغول إما بدراسته أو باستقبال المرضى أو بالتأليف أو بالمحاضرات التي كان يلقيها في الجامعة ، أو من خلال استقبال الطلاب ومحبي العلم الذين كانوا يتوافدون على فرويد من كل أصقاع الدنيا ، فلم يعرف عن فرويد أنه كان يضيع أي وقت طبعا ما عدا بعض الوقت الذي يخصصه للعائلة ، أو بعض الوقت الذي كان يقضيه في لعب الورق خاصة بعد ظهر كل يوم سبت.

  كان فرويد قارئ نهم حيث قرأ ودرس واطلع على مجمل التاريخ الفكري ، وعلى كل الأعمال الكلاسيكية في المجال العلمي والفلسفي والأدبي ، وكان يتحدث بسبع لغات بطلاقة عجيبة ويعمل في النهار ويؤلف في الليل ، وقد كان فرويد قاسيا في تصرفاته كما عرف أنه كان عنيفا جدليا صارما في أوامره، واتسم بالدقة في تحليلاته .

مرض سيغمون فرويد

 في سنة 1923 أصيب فرويد بمرض السرطان ، حاول الأطباء إخفاء مرضه عنه ، لكن ما هو معروف عن فرويد؟ هذا أمر مستحيل ، فعندما علم هو بالمرض حاول أن يخفيه من جهته عن المقربين منه ، ورغم كل النصائح التي وجهها الأطباء لفرويد بالامتناع عن التدخين ، إلا أنه لم يمتثل لها أبدا وظل يدخن بشراهة كما جرت العادة ، فكان فرويد يدخن من عشرة إلى عشرين سيجار في اليوم فصور فرويد تشهد بذلك ، عانى سيغمون كثيرا جراء المرض وكان يتعاطى أحيانا بعض المخدرات لتخفيف الآلام وهكذا إلى أن توفي .

أفكار فرويد ومؤلفاته

ترك فرويد قائمة غنية وكبيرة من الأعمال الرائدة في مجالها ، هذه الأعمال التي كونت واقعا أحدثت انقلابا كبيرا في النظرة إلى علم النفس والأمراض العصبية ، وفي نظرة الإنسان إلى نفسه وتكوينه النفسي والعقلي والوعي والشعور ، فمن أهم مؤلفاته إذا مررنا على بعضها بشكل سريع هناك :

 كتاب تفسير الأحلام هذا الكتاب الذي نشر لأول مرة في عام 1900 حاول فرويد في هذا الكتاب أن يبرهن على أن الأحلام ما هي إلا وسيلة لإشباع رغبات اللاوعي أثناء النوم ، وهكذا فالأحلام بحسبه هي في جزء كبير منها عبارة عن تفريغ رغبات مدفونة في لاوعي الإنساني ، كمثال على ذلك فإذا كنت جائعا ونمت قد تحلم بالطعام وهكذا تسير الأمور مع بقية الرغبات ؛ لكن هذه الأحلام نراها غالبا بطريقة مشوشة ، لأنها غير خاضعة لسيطرة الوعي وكان فرويد يعتقد بأن الوقوف على أصل هذه الرغبات المكبوتة قد يساعد في إيجاد العلاج المناسب لها.

نشر فرويد كتاب سيكولوجية الحياة اليومية في عام 1901 ، وطبعا ضم هذا الكتاب مفاهيم أساسية في مجال التحليل النفسي الكلاسيكي والتي أظهر من خلالها أن النسيان و زلات اللسان ليست حوادث عرضية ، بل هي تحصل نتيجة للرغبات المكبوتة في اللاوعي .

كتاب مستقبل الوهم وهذا الكتاب واحد من بين الكتب المهمة ، ويعنى بالسيكولوجية النفسية وما فوق مبدأ اللذة .

كتاب النرجسية وفيه عرض فرويد معارف تختص بالعقد النرجسية. أيضا له كتاب في التحليل النفسي و كتاب التحليل النفسي للهستيريا ، والتحليل النفسي للرهاب لدى الأطفال ، أيضا له خمس محاضرات في التحليل النفسي ….

أعمال أخرى ل سيغموند فرويد

 كذلك لفرويد عدة أعمال في مجال النقد الديني إذا صح أن نسميه كذلك ، أو في مجال التحليل النفسي للظاهرة الدينية كمثل كتاب موسى والتوحيد وكتاب الطوطم والتشابه ، وأيضا كتب في مستقبل الوهم ممكن أن نضعه ضمن هذا الإطار إلى غيرها الكثير من كتب ودراسات تناول في بعضها العديد من الشخصيات الفكرية والأدبية نظر لها من منظور التحليل النفسي ، وأغلب هذه الأعمال طبعا تعتبر أعمال أساسية ورائدة في مجال التحليل النفسي وفي مجال الدراسات الإنسانية بشكل عام .

الوفاة

 في سنة 1939 توفي سيغمون فرويد ، ويقال بأنه طلب من طبيبه الخاص أن يحقنه بجرعة زائدة أو مميتة من المورفين فتوفي على اثرها في إنجلترا التي كان قد لجأ إليها طبعا بعد خروجه من النمسا بسبب الاحتلال النازي .

سواء أحببنا فرويد أو لا فهو أحد عباقرة الدهر أحد أساطير الفكر في تاريخنا البشري فرويد من كبار الوثقفين والأدباء والمفكرين والعلماء الإنسانيين ، وفرويد مخلد في مدرج التاريخ وقد دفع ثمن خلوده على حساب صحته ووقته .

فرويد الذي عاش ثلاثة وثمانين عاما قضاها في خدمة العلم باحثا منقبا مفكرا مبدعا مجربا لا تلهيه عن عمله مثلا كل هجمات معاصريه ومعارضيه ، فكان رجلا مخلصا لعمله إلى أبعد الحدود ، وكان ساعيا دائما وراء غاياته حتى استطاع في النهاية أن يشيد صرحا ضخما قائم على التحليل النفسي وعلاقته طبعا بالغريزة ، وبالتالي أحدث فرويد أمرا لنقل واقع لم يقتصر أثره مثلا على الطب النفسي أو على علم النفس أو على معالجة الأمراض العصبية فحسب ، بل واقع تعدى أثر فرويد كل هذه المجالات إلى ميادين عديدة إلى ميادين الفكر والفلسفة والأدب والفنون والدين وكل منظومة للسلوك البشري ، وذلك يعني أساسا عندما أخبرنا بأن الإنسان ليس سيد نفسه ، بل ان هناك مستويات لا واعية في داخله هي التي تتحكم بالجزء الأكبر من نشاطه الواعي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى