أبو حامد الغزالي | سابق لعصره أم كان سببا في تخلف المسلمين

ولد محمد بن محمد الطوسي والمعروف ب أبو حامد الغزالي في مدينة غزالة القريبة من مدينة طوس باقليم خرسان سنة 1058م وهناك من يقول 1054م ، عاش في خضم أسرة فقيرة حيث كان والده يملك حرفة يدوية فقط ، وعندما اشتدت عليه سكرات الموت قام بتوصية أحد أصدقائه لرعاية طفليه ، لم يستطع الرجل التكفل بهم بعدما انقضى ارث والدهم فقام بوضعهم في مدرسة تتكفل بطلاب العلم ، هناك تعلم أبو حامد الغزالي علوم الفقه والعقيدة وحفظ القرآن ، إلى أن اشتد عوده فتعلم في طوس على يد أحمد الرزكاني العقيدة ، فانتقل إلى الجرحاني فتعلم على يد أبي نصر الاسماعيلي .

 وعاد من جديد إلى طوس فاستقر 3 سنوات لينتقل بعد ذلك إلى نيسابور والتي كانت مدينة العلم والمعرفة في ذلك الوقت ، فتعلم هناك على يد امام الحرمين الجويني الذي كان متشبعا بفكر المذهب الشافعي ، كما تتلمذ على يد أبو علي الفرمدي الذي كان صوفيا ، ففي نيسابور اكتسب الكثير من المعارف وتنوعت أفكاره بين الأشعرية والفلسفة والفقه والعقيدة والمنطق والصوفية ، وهذا ما سيخلق له أفكاره المتنوعة فيما بعد ، فقد استقر أبو حامد الغزالي في مدينة نيسابور لمدة طويلة فهناك تزوج وأنجب إلى أن توفي معلمه الامام الجويني .

 كان حينها الغزالي في سن 28 سنة فانتقل إلى بغداد وهناك أصبح مدرسا في مدرسة نظامية بعدما اشتهر بذكائه وفطنته وحكمته الواسعة ، وكان الغرض من هذه المدارس تدريس المذهب السني للحفاظ عليه ، مخافة أن يتمدد المذهب الشيعي الذي كانت الدولة الفاطمية قائمة عليه في مصر . وقد حج بيت الحرام سنة 1096م وزار المدينة النورة بعدما كان يقيم في الشام .

سطوع نجم أبو حامد الغزالي

يقال أن الغزلي أثناء احدى أسفاره تلقت القافلة التي كان يمضي فيها لهجوم من طرف قطاع الطرق ، فقال لهم الغزالي خذوا ما شئتم من أملاكي ولا تقوموا بالمساس بكتبي والمحاضرات التي دونتها ، فقال له زعيم قطاع الطرق ما فائدة الكتب إذا كانت قيمتك مرتبطة بها ، فهذه الجملة ألهبت واستفزت وعي الغزالي وأدرك أنه لا قيمة للمعلومات والأفكار ، ما دامت مكتوبة فالحكمة هي الأصح .

أول عمل قام به الغزالي بعد وصوله إلى بغداد هو كتابة كتاب فضائح الباطنية ، وبعد مدة من العمل في مهنة التدريس وخاصة في 488 هجرية أدرك أن كل علمه قائم على قدم واهية ، وشعر بفراغ داخلي فبدأ في رحلة للبحث عن الحقيقة في داخل المذاهب الأربعة القائمة في ذلك الوقت ( الباطنية ، الصوفية ، الفلسفة ، النطق ) ، وبعد رحلته الطويلة في بحر المعرفة أيقن أنه لا زال لا يدرك شيء فأصبح يشكك في كل شيء ، إذ به يقرر مغادرة بغداد والتخلي عن مهنة التدريس والتبرع بأغلب ثروته التي جمعها ، وجعل من الخلوة والعزلة والتأمل والعبادة عادة من عاداته ، حيث قضى 10 سنوات في السفر بحثا عن الحكمة ، فألف كتاب احياء علوم الدين أثناء مكوثه في دمشق .

 وعاد من جديد إلى نيسابور للتدريس في المدرسة النظامية هناك ، لكنه لم يستقر سوى سنتين فغادر إلى مسقط رأسه مدينة طوس ، وهناك قام ببناء مدرسة صوفية .

أفكار

اتسمت كتب الغزالي بطابعها النقدي تارة وتارة أخرى كتبا تنصح المتلقي لاتباع خطوات أكثر نجاعة ، فقد كتب في كل الأمور الحياتية الكبرى بداية من مناسك الحج مرورا بالتحصيل العلمي والنجاح الاجتماعي ، وقد رفض رفضا تاما الايمان المطلق بما يأتي به العلماء أو المفكرون ، ونص على ضرورة اجتهاد الشخص لإدراك صحة المعلومات التي يتلقاها .

لم يكن الغزالي رافضا للعلم أو الفلسفة كما يدعي الكثيرون فالرجل رفض بعضا من الأفكار الفلسفية خاصة اليونانية ، بحجة أن اليونان لم يكونوا يؤمنون بالله الواحد القهار ، وهذا لا يعني أنه رفض الفلسفة اليونانية بكاملها بل بعضا من أفكارها ، كاعتقاد بعض الفلاسفة أن الكون أصله ماء أو أن الكون وجد منذ الأزل وليس له نهاية وغيرها من الأفكار ، أما فيما يخص العلوم فقد أيد جميع العلوم ما دامت تسير في مصلحة المسلمين والاسلام ، وقد عارض بعضها التي أتى بها بعض المفكرين والفلاسفة الذين سبقوه أو عاصروه ك ابن سينا وابن رشد …

الانتقادات التي وجهت للرجل

تعرض أبو حامد الغزالي لجميع أنواع الانتقادات خاصة في عصرنا الحالي ، فقد جعله البعض يتحمل كل المسؤولية التي وصل لها المسلمون ، وهذا صراحة غير منطقي ، فلا يمكن لرجل واحد أو رجلين أو عشر وحتى مئة ، أن يقوموا بتغير أمة بكاملها ، فحتى الحكام لا يستطيعون تغيير أي أمة ما دامت تؤمن بشيء ما ، فكما هو معروف فقد عرفت الحضارة الاسلامية تغيرا ديناميكيا في مسألة الوعي منذ مطلع القرن 13م ، حيث اتجه الرأي العام نحو رفض العلم وتحريمه في بعض الحالات ، عكس ما كانت عليه الحال قبل هذا القرن .

فقد يكون ل أبو حامد الغزالي رأي ضد بعض العلوم وهذا لا يعني أنه ضد العلم بأكمله ، ولا يعني أن رأيه هو السبب في تخلف أجيال في أجيال ، فنحلة واحدة لا تصنع صندوق عسل .

وفاة أبو حامد الغزالي

توفي أبو حامد الغزالي في 19 دجنبر سنة 1109م في مدينة طوس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى