ابن الرواندي أول ملحد في تاريخ الإسلام

ابن الرواندي الملحد المتوفى نحو مئتان وثمانية وتسعون للهجرة، يظهر على أنه فيلسوف مبكر اسمه أبو الحسين أحمد ابن يحيى ابن إسحاق الراوندي صاحب كتاب فضيحة المعتزلة المشهور، وإن لم يعد لدينا شيء منه حاليا إلا ما ورد عنه من أبو الحسين الخياط المعتزل في كتابه ‘الانتصار’ في الرد على ابن الرواندي، وكان المعتزلة في ذلك الوقت قد زالت دولتهم بتولي المتوكل العباسي الخلافة في الحضارة العباسية فلم يعد يقربهم كما فعل سابقوه من الخلفاء والحكام، وصارت التهم تتخذ خطفهم، مما دفع عمر ابن بحر الجاحظ أحد علماء العباسيين إلى تأليف كتاب أسماه “فضيلة المعتزلة في الذود عنهم” يعني في الدفاع عنهم، ورد ابن الراوندي على الجاحظ بكتابه “فضيحة المعتزلة” ورد الخياط المعتزلي على ابن الراوندي بكتابه الانتصار.

 والخياط المعتزل من أعيان المعتزلة يعني من كبارهم، ونعرف من كتابه الانتصار الكثير من أقوال ابن الرواندي، وبهذا حفظ لنا تراثه.

ابن الراوندي من أهل راوند من قرى ساسان بنواحي أصبهان يعني بلاد خراسان، وأحيانا يكتب الراوندي بدون الألف ولكن الأسهل كتابة هو الألف ليستقيم نطق الاسم، في كتاب معاهد التنصيص لعبد الرحيم العباسي يقول أن ابن الراوندي سكن بغداد وكان من المتكلمين يعني من علماء الكلام، ولم يكن في زمانه من هو أحدق منه بالكلام يعني في البراعة ، وكان ابن الرواندي في أول أمره حسن السيرة حميد المذهب كثير الحياء ثم انسلخ من ذلك كله لأسباب عرضت له، وكان علمه أكثر من عقله، وحكى جماعة أنه تاب عند موته مما كان منه وأظهر الندم، واعترف بأنه إنما صار إليه حمية وأنفة من جفاء أصحابه له، وتنحية لهم إياه من مجالسهم، فقد كان معتزلا فأخرجه عنهم، فأكثر ما في كتبه من الكفرية ألفها لأبي عيسى الوراق الأهوازي من أصل يهودي، وقد مات في منزله.

المؤلفات الالحادية لابن الرواندي

يقول العباسي الذي ذكرناه عن ابن الرواندي في كتابه معاهد التنصيص أن ابن الراوندي ألف كتاب التاج يحتج فيه لقدم العالم، يعني العالم ليس له بداية، وكتاب الزمرد يحتج فيه على الرسل ويبرهن على إبطال الرسالة، وكتاب الفرنج في الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب اللؤلؤة في تناهي الحركات، وقد انتقد كتبه هذه فيما بعد، وكانت تسمية كتاب الزمرد بهذا الاسم لأن الزمرد في زعم ابن الراوندي إذا نظرت إليه الحية ذابت أعينها فكذلك كتابه إذا طالعه الخصم ذاب، وتضمن الكتاب إبطال الشريعة والازدراء في النبوءات، ومما قاله ابن الرواندي في هذا الكتاب إنا نجد في كلام أكثم بن صيفي أظن أنه أحد البلغاء أو الشعراء شيئا أحسن من إن أعطيناك الكوثر، والأنبياء يستخدمون الطلاسم يعبثون بها على الناس، ولم يكن قول النبي لعمار تقتلك الفئة الباغية إلا ضربا من التنجيم مما يأتي على ألسنة كل المنجمين.

آراء حول ابن الرواندي

يقول العالم الكبير ابن خلكان عن ابن الراوندي أنه من قرى أصبهان وكانت له مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام، أما ابن كثير فيصفه بأنه من مشاهير الزنادقة طلبه السلطان فهرب ولجأ إلى ابن اللاوي اليهودي الأهوازي، وصنف له في مدة مقامه عنده كتابه الذي سماه الدامغ للقرآن، ويقول عنه ابن حجر العسقلاني هو الزنديق الشهير كان أولا من متكلمي المعتزلة ثم زنديق واشتهر بالإلحاد، ويشير العسقلاني إلى أنه كما قيل كان ابن الرواندي غاية في الذكاء، وعلى عكس العسقلاني يقول المؤرخ والواعظ الكبير المفسر الفقيه ابن الجوزي يقول عن ابن الرواندي إنه ملحد زنديق كان يسمع بعظام أمه حتى رؤي منه ما لا يخطر على قلب أن يقوله عاقل، ويعطيه ابن الجوزي لقب معتمد الملاحدة والزنادقة أي كبيرهم وعمدة لهم.  

كتب ابن الروندي الإلحادية

ومما قاله عنه أبو العلاء المعري في رسالة الغفران سمعت من يخبر أن لابن الراوندي معاشر يختصون له فضائل يشهد الخالق وأهل المعقول، أي يقصد الفلاسفة أن كذبها غير مصقول، وهو من هذا أحد الكفرة لا يحسب من الكرام البررة، يعني أبو العلاء المعري يكفر ابن الرواندي مباشرة، ومما يروى عنه أن ل ابن الرواندي 114 كتابا، منها كتاب باسم الحكمة، لم تصلنا كلها تقريبا، حيث له كتاب أخر باسم قضيب الذهب ومؤلفاته التي تناول بها الشريعة بلغت 12 كتابا، منها كتاب التاج الذي رد فيه على الموحدين، وكتاب نعت الحكمة سفيه فيه الحكمة الإلهية، أما كتاب الدامغ في الرد على القرآن فقد ذكر إعجازه بحجة أن إعجازه لا يلزم غير الناطقين بالعربية، وكتاب الفرنج في الرد على الأنبياء وأنه لا حاجة إليهم بزعم أن بالإمكان إثبات وجود الله بالعقل، وأن العقل البشري قادر على التمييز بين الخير والشر، ومن ثم فلا لزوم للوحي ولا للنبوة حسب ابن الرواندي.

المصلحة مقابل التدين

تولى الجبائي المعتزلي والخياط المعتزلي بالرد على مؤلفات ابن الراوندي، ويبدو أن شبهته لما كثرت في مجالس المعتزلة أنكروا عليه وهجروه، فبقي طريدا وحيدا فحمله الغيظ على أن يميل إلى الرافضة، فوضع لهم كتاب الإمامة كما يقول ابن المرتضى، وتقرب إليهم بالكذب على المعتزلة، وفي كتاب الفهرست أن مؤلفات ابن الراوندي على مرحلتين في الأولى كانت كتب كان فيها يظهر أو يظهر الصلاح، ومنها كتاب الأسماء والأحكام والابتداء والإعادة والبقاء والفناء، وكتاب لا شيء إلا موجود وأما في المرحلة الثانية فكان يكتب أي شيء وهي المرحلة التي أجزم بأنها كانت الكاشف لحقيقة اعتقاده واتجاهه أو اتجاهاته الفلسفية، ويذكر أبو العباس الطبري أن له كتابا اسمه البصيرة ألفه لليهود خاصة ليرد به على المسلمين، وكان ذلك لقاء أربعمائة درهم دفعوها له، ولكنه هددهم إن لم يدفعوا له مئة أخرى فإنه ينتقض ما قال.

 من هنا يظهر لنا أن شخصية ابن الراوندي شخصية نفعية ملتوية غير ثابتة على مبادئ فكرية يمكنه أن يقتنع بها هو أولا كما نرى عند باقي الفلاسفة والمفكرين، فهذه الشخصية تختلف لأن لها اضطراب داخلي ونزوع نحو الرد على كل المذاهب بما فيها المذاهب التي اقتنع بها هو فيما قبل، أو التي اعتنقها قبل أن يرد عليها، لذلك ابن الراوندي ليس بالشخصيات الثابتة ليس له وجهة معينة يتبعها فهو مرة مع الروافض ومرة مع المعتزلة ومرة مع المسلمين ومرة مع فرقة أخرى، إنّ حياة ابن الراوندي مختلف فيها كثيرا بين المؤرخين .

الوفاة

 فالمسار الذي سار عليه ابن الروندي في حياته من البداية إلى النهاية مختلف فيه بين العلماء والمؤرخين، كذلك وفاته مختلف فيها أشد الاختلاف، والغالب أنها كما كان قد جاء في كتاب معاهد التنصيص فإن تاريخ وفاة ابن الراوندي كانت سنة 298 للهجرة تقريبا أي 910 للميلاد، ويقال أن ابن الراوندي عاش كثيرا، وهناك من قال أنه عاش أكثر من ثمانين سنة وقيل في رواية أخرى أن ابن الرواندي صلب على يد أحد السلاطين ببغداد عندما عمت الشكوى منه وكرهه الجميع فصاروا يتمنون موته فأعدم.

 في النهاية يطرح دائما هذا السؤال هل كان ابن الرواندي فعلا زنديق؟ وهل صلب حقيقة؟ وهل ما كتبه عنه صاحب كتاب الانتصار صادر عن حق؟ أم أنه أملاه الهوى ولا يعدو أن يكون حربا دعائية كرد فعل لكتاب ابن الرواندي عن المعتزلة؟ يعني أسئلة كثيرة ولا جواب واضح بين العلماء والباحثين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى