محمد رضا بهلوي أخر ملوك بلاد فارس | شاه ايران الأخير
ولد محمد رضا بهلوي في مدينة طهران عام 1919م ليكون الابن الأكبر لرضا بهلوي مؤسس الدولة البهلوية، أكمل دراسته الابتدائية في سويسرا وعاد إلى إيران في سن المراهقة ليلتحق بالمدرسة العسكرية في طهران، تخرج منها عام 1938م بعدها بعام تزوج أول مرة من الأميرة فوزية أخت فاروق الأول ملك مصر وفي عام ألف وتسعمئة وواحد وأربعين ، احتلت كل من بريطانيا والاتحاد السوفيتي إيران ، وقامت بعزل والده ونفيه خارج البلاد وذلك خوفا من تحالف الشاه مع ألمانياالنازية وتزويدها بالنفط أثناء الحرب العالمية الثانية ، لينتهى بمحمد رضا وريثا للعرش وهو في الثانية والعشرين من عمره ، وإذ به يتولى الحكم في واحدة من أصعب الفترات السياسية التي عصفت في المنطقة كلها ، كما كانت إيران تعج بالفوضى الاجتماعية والسياسية والمشاكل الاقتصادية ، وكان الوريث الجديد للعرش قد استوعب الدرس الذي تلقاه والده فقرر أن يصبح مواليا وحليفا للغرب وحريصا على تنفيذ الأجندات والسياسات الغربية .
الأمر الذي جعل الأزمات تتوالى في طريق شعبيته في الداخل الإيراني ، كان محمد بهلوي يسير بإيران صوب العولمة بخطى واضحة ، واستهدف السيطرة على الأصوات المعارضة له ، كما قام بإلغاء جميع الأحزاب المعارضة ، إضافة لسياسات القمع التي انتهجها جهاز مخابرات سرية السافاك ، وأكثر ما كان يثير امتعاض الإيرانيين هي حياة البذخ التي كان يتقلب فيها الشاه والموالون له ، زيادة على ذلك إهداره للموارد الإيرانية وعلى رأسها النفط ، كل ذلك أوجد أعداء معارضين للشاه يترقبون الفرصة للخروج عليه ، وكان من أبرز نتائج تلك السياسات تعرضه لمحاولة اغتيال باءت بالفشل في عام 1949 ، إذ تعرض لطلقات نارية أثناء زيارته لجامعة طهران مزقت إحداها خده الأيمن ، غير أنه نجا بحياته من تلك المحاولة. وأسفرت التحقيقات من أن الجاني كان من أعضاء أحد الأحزاب الشيوعية المحظورة.
فساد محمد رضا بهلوي وأسرته
بالرغم من أن إيران في تلك الفترة كانت من أفقر الدول في العالم ، إلا أن الشاه والمقربين منه كانوا يعيشون حياة من الترف والبذخ ويمتلكون العشرات من المليارات في البنوك الأجنبية ، كما أن الشاه كان معروفا بشغفه بالمجوهرات النادرة والأحجار الكريمة ، وبتشكيل القصور الفاخرة المزينة بالكسور البرونزية والسجاد اليدوي الضخم والتحف المطلية بالذهب ، كما استولى على مساحة شاسعة من الأراضي خلال سنواته الأولى في السلطة ، وحصل هو وأفراد آخرون من عائلته على حصص في أغلب الشركات الكبرى .
الحفل الذي أنهى أسطورة الشاه
وفي سنة 1971م أقام الشاه حفلا يعتبر الأضخم في التاريخ احتفالا بمرور ألفين وخمسمئة عام على تأسيس مملكة فارس ، والذي منح نفسه لقب شاه إيران أي ملك الملوك ، وذلك قبل الحفل بعدة أعوام كان الهدف من الاحتفال حينها كان إظهار حضارة إيران القديمة وتاريخها ، وإبراز ما حققته من تقدم معاصر في عهد محمد رضا بهلوي ، أقيم الحفل في الصحراء وحضره أغلب الرؤساء والحكام في العالم ، وأن فقت السلطات فيه مبالغ طائلة مما تسبب في زيادة الاحتقان الشعبي ضده ، بالإضافة إلى الطبقة المحيطة به.
الثروة الإيرانية والثورة الخمينية
بالحديث عن ثورة إيران النفطية ، فقد كانت العلاقات الودية بين محمد رضا شاه وقوات التحالف تفضي بتمرير الكثير من النفط الإيراني لبريطانيا ، وظلت الأمور على هذا الوضع حتى ظهرت إحدى الشخصيات الوطنية في مطلع خمسينيات القرن الماضي ، وهو محمد مصدق الذي أقحم نفسه في الصراعات والمناوشات السياسية مع الشاه وأخذ يناضل حتى تمكن من تمرير مشروع قانون في البرلمان الإيراني يقضي بتأميم الثورة النفطية التي كانت تحت سيطرة بريطانيا ، وزادت الأوضاع تأزما مما اضطر الشاه لتعيين مصدق رئيسا للوزارة ، في محاولة لتهدئة الأوضاع ، استطاع مصدق بعد ذلك بشعبيته وأنصاره من إجبار الشاه على مغادرة إيران سنة 1953م لتتدخل الولايات المتحدة حينها، وتدعم أنصار الشاه في الحكومة والذين تمكنوا من إعادته مرة أخرى لعرش البلاد.
في فترة الستينيات والسبعينيات تبنى الشاه سياسة أكثر استقلالية عن الغرب وسعى لتوطيد علاقاته مع الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية ، وفي هذه الفترة واجه معارضة مستمرة من قبل رجال الدين الذين رأوا أن الشاه مجرد ذراع لتنفيذ سياسات القوى الخارجية ، واعتبروا أن إصلاحاته وسياساته منافية للإسلام والساعية لعلمنة إيران ، وانتقدوا التوزيع الظالم للثروة النفطية وعائداتها ، التي سببت تضخما في الاقتصاد الإيراني وفجوة كبيرة بين طبقات المجتمع ، مما أدى إلى استياء الجماهير العريضة من الطبقات الفقيرة وتحالفها مع الحركات الدينية المطالبة بحقوقها، وهكذا فقد اكتملت برجال الدين الحلقة الأخيرة في سلسلة العقبات والأزمات.
الثورة ضد محمد رضا بهلوي
التي وقفت في طريق حكم الشاه وزعزعة استقرار حكمه بعد سبعة وثلاثين عاما ، وكان على رأسهم رجل الدين الشيعي صاحب الشعبية الواسعة في إيران آية الله الخميني ، الذي استطاع أن يحرض الداخل الإيراني على الشاه ، بالرغم من وجوده في المنفى عن طريق بعض أشرطة الكاسيت المهربة ، التي تضمنت خطبه المحرضة على الثورة ضد الحكم البهلوي ، والتي كان يوزعها أنصاره وطلابه في الداخل وقد لاقت تلك الأشرطة شعبية واسعة في البلاد ، ومع بداية سنة 1978م بدأ إضراب عام خرج خلاله الآلاف من الإيرانيين في مظاهرات غاضبة والتي واجهتها قوات الأمن الإيرانية بوحشية كبيرة ، ففتحت الرصاص على المتظاهرين مما أدى لمقتل وإصابة المئات منهم ، الأمر الذي جعل الاحتجاجات تزداد اشتعالا وغضبا وتوسعت لتشمل كافة المدن الإيرانية ، مما اضطر النظام لإعلان الأحكام العرفية في البلاد.
نهاية حكم الشاه بهلوي
في سنة 1979م ازدادت حدة المظاهرات وتأجج لاضطرابات مرة أخرى ولم يستطع الشاه حينها أن يدير المشهد المتأزم ولم تنفع أساليب جهاز السافاك القمعية أمام الحشود الإيرانية ، وعلى إثر هذه الأحداث المشتعلة ، اضطر الشاه لمغادرة إيران للمرة الثانية والأخيرة ، فغادر وحلقت طائرته من بلد إلى آخر باحثة عن ملاذ آمن ، حيث لم يرغب أحد في استقباله ، لم يسمح له بالبقاء سوى أيام معدودات في المكسيك وجزر البهاما والمغرب ، لكن الصدمة الكبرى تلقاها من الولايات المتحدة والتي كانت بمثابة الحليف الأقوى للشاه ، حيث طلبت منه مغادرة البلاد لكي لا يتسبب وجوده في تفاق. الأزمة التي كانت مشتعلة بين واشنطن وطهران بخصوص الرهائن الأمريكيين ، إذ حاصر آلاف مقر السفارة الأمريكية بطهران مطالبين بتسليم الشاه مقابل الرهائن ، فاضطرت الولايات المتحدة إلى إجباره للخروج منها ، رغم أن حالته الصحية لم تكن مستقرة .
الحليف الوحيد الوفي الذي استقبله الشاه بعد أن رفضت أغلب الدول استقباله ، هو السادات رئيس مصر ليلجأ إليها وكان في استقباله حينها الرئيس أنور السادات ، والذي استقبله استقبالا حافلا وانتهت به الإقامة في مصر في قصر القبة وتعود جذور الصداقة القوية التي جمعت بين الشاه والسادات إلى سبعينيات القرن الماضي . إذ مد الشاه يد العون لمصر خلال حرب أكتوبر بالمساعدات الطبية والنفط ، وسمح للطائرات السوفييتية بالتحليق في سماء إيران لمد مصر بالمعدات العسكرية .
ما بعد الشاه
بعد سقوط الشاه في إيران فقد بدأت حقبة جديدة مع عودة الخميني من منفاه في باريس ليتصدر المشهد ويمسك بزمام الأحداث بعد استقبال جماهيري حافل ، وليتم إنشاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأول من إبريل من عام 1979م ويسدل الستار عن الحكم البهلوي ، ليكون محمد رضا بهلوي بمثابة الشاه الأخير الذي حكم إيران ، والذي لم يمكث كثيرا على قيد الحياة بعد صراعه مع مرض السرطان ، إذ توفي سنة 1980م في مصر، وأقيمت له جنازة عسكرية حضرها السادات وبعض من رؤساء وسفراء الدول .
وفي النهاية ملخص حياة محمد رضى بهلوي كالتالي لقب نفسه بملك الملوك أحكم قبضته لسنوات على مفاتيح الحكم في إيران ، واشتهر بتصرفه المبالغ فيه وامتلك القصور الفاخرة والمجوهرات النادرة وأقام أعظم حفل في التاريخ ، أسقطت المعارضة الإيرانية حكمه مرتين ، ووصفه الخميني بيد الشيطان ، ضاقت به الأرض فيما بعد ، وتفرقت به السبل وقضى نحبه بعيدا عن كرسي العرش وهو طريد عن أرض الوطن.