ماكسيميليان روبسبير قائد الثورة الفرنسية | وصانع عصر الفوضى
ولد ماكسيميليان روبسبير سنة 1758م في مدينة آراس الفرنسية لأب عاطل عن العمل وأم توفيت وهو في السادسة من عمره ، غير أن كل تلك العقبات لم توقف من عزيمةماكسيميليان والذي استطاع أن يشق طريقه بالنجاح حتى صار محاميا ، وكان متحمسا كغيره من الثوار لآراء الفلاسفة الذين ساهموا بأفكارهم في قيام الثورة الفرنسية مثل فولتير ومنهم مونتيسكيو وجون جاك روسو وبيدرو ، ثم ما لبث أن انضم إلى الجمعية الوطنية حيث لمع نجمه بقوة بفضل خطبه الحماسية ، واستطاع أن يسيطر على الجماهير الثائرة ببلاغته وبالشعارات الرنانة التي برع في استخدامها ، وهكذا صار الزعيم الأبرز بين كل زعماء الثورة الفرنسية وله الكلمة النافذة بينهم .
ومع اعتماد أول دستور لفرنسا بعد الثورة الفرنسية ، والذي تحول بموجبه نظام الحكم إلى نظام ملكي دستوري يتقاسم به الملك السلطة التشريعية مع مجلس تشريعي منتخب بدلا من الحكم المطلق ، إلا أن هذا الأمر لم يرق لزعماء الثورة وعلى رأسهم ماكسيميليان روبسبير والذي بدأ مع رفاقه بحشد الشعب للضغط على اللجنة الوطنية لإعلان الجمهورية ، كما أنه كان من أشد المؤيدين لإعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته ، وهو ما تحقق بالفعل في النهاية مع شعبيته الرهيبة .
صعود نجم ماكسمليان روبسبير
انتخب ماكسيميليان روبسبير رئيسا لحزب اليعاقبة ، ثم ما لبث أن انتخب كأول مندوب لباريس في المؤتمر القومي عقب سقوط الملكية التي مهدت له الطريق إلى عرش فرنسا ، يبدو أن السلطة تخرج بالفعل أسوأ ما في النفس البشرية كما يقول البعض ، فبالرغم من كل المبادئ والأفكار التي آمن بها روبسبير ، وبالرغم من أن الثورة الفرنسية رفعت شعار الأخوة والعدل والمساواة ، إلا أن ماكسيميليان قد تنكر لكل تلك المبادئ ، فقد انفرد بحكم فرنسا كحاكم مطلق لها ، وأصبح كل همه هو البقاء في السلطة ناسيا أنه يكرر بذلك نفس الأمر الذي ثار عليه الناس إبان الثورة الفرنسية .
الثائر الجلاد
فقد كان ماكسمليان روبسبير يعتبر نفسه مصدر القانون ، فلا يقدر أحد على معارضته أو حتى مناقشته ، فكان مصير المعارضين هو الإعدام الفوري بالمقصلة بتهمة معاداة الثورة أو التخطيط لإعادة الملكية أو التعاطف مع العهد البائد أو غيرها من التهم التي تبرر سفك الدماء وقتل الأبرياء ، غير أن أسوأ ما شرعه ماكسيميليان روبسبير هو قانون جديد يقضي بإنهاء المحاكمات بسرعة، خاصة بعد أن امتلأت السجون بآلاف الأشخاص الذين تم اعتقال الكثير منهم لمجرد الاشتباه في معاداة الثورة ، أو حتى نشر أخبار كاذبة أو بث روح اليأس ، وهكذا ودونما تحقيق يذكر أعطى هذا القانون الجديد الذي تم تمريره في العاشر من يونيو عام 1794م الضوء الأخضر لإعدام الآلاف بذلك السلاح الرهيب المسمى بالمقصلة ، والتي أخذت تجز الرؤوس جزا يوما بعد يوم ، وازداد الأمر سوءا عندما قام المواطنون بالتبليغ عن جيرانهم إذا أعربوا عن أي نوع من المعارضة للحكومة .
وعندما قدم هؤلاء الأشخاص للمحاكمة لم يعاملوا بإنصاف ، بل لم يكن أمام القضاة وهيئة المحلفين سوى ثلاثة أيام للبت في الحكم ، وكان عليهم أن يختاروا ما إذا كانوا سيحكمون على المتهمين بالبراءة أم بالإعدام ، فكان هذا القانون الجديد بمثابة بداية عهد الفوضى الكبير ، إذ زادت عمليات الإعدام في اليوم الواحد على نحو كبير في جميع أنحاء فرنسا ، وكان معظم القتلى أبرياء بلا شك ، ولم يكن من المبالغة أن يتم استخدام هذا المصطلح ، فقد استخدم روبسبير نفسه مصطلح الفوضى باسم العدالة وباسم الدفاع عن الثورة والحفاظ على جمهورية والعمل على عد عودة الملكية ، وبتلك المبررات لم يسلم رفاق الكفاح من أذى ماكسيميليان .
فحتى خطيب الثورة جورج دانتون الذي سار جنبا إلى جنب مع روبسبير منذ بداية الثورة وحتى تولي ماكسيميليان حكم فرنسا وقع هو نفسه ضحية لقانون الفوضى الجديد ، فقد اعترض على سياسة الإعدامات التي اتبعها ماكسيميليان روبسبير ، فما كان من هذا الأخير إلا أن اتهمه بالعمل والتخطيط على إعادة الملكية ، وسيق إلى المقصلة ليقول أمامها جملته الشهيرة الثورة تأكل أبناءها .
نهاية دانتون
ولم يكن هذا مصير دانتون فحسب ، بل لقي الكثير من الثوار وزعماء الثورة الفرنسية حتفهم بتلك المقصلة لتهم مشابهة من أبرزهم أفعى إيران هير ودي مولان. وهكذا بلغ عدد ضحايا روبسبير أكثر من 17000 شخص خلال عشرة أشهر فقط ، بل ويقال أن عددهم قد تخطى الثلاثين ألفا كان من بينهم عائلات بأكملها ، بما في ذلك الأطفال الرضع خشية من انتقامهم حالما يكبرون مع إعدامه لرفاق الثورة .
ما قبل الثورة | ماكسيميليان روبسبير
لفهم سيرة هذا الرجل ، يجدر بنا أن نرجع إلى الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789م بسبب سياسات الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت ، والتي أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية فصارت البلاد على حافة الإفلاس ، عانت الطبقات الوسطى والفقيرة من ارتفاع أسعار المحاصيل وشح المواد الأساسية كالخبز ، إلى جانب الظلم المتمثل في تعقب الأبرياء والمعارضين والزج بهم في السجون ، فقد خرجت المظاهرات إلى الشوارع ، ثم خرجت الأمور عن السيطرة عندما اقتحم الثوار سجن الباستيل في 14 من يوليو للحصول على الأسلحة والبارود من أجل البنادق والمدافع ، بالإضافة إلى القمح لصناعة الخبز .
كانت تلك الخطوة بداية الثورة الفرنسية التي عمت فرنسا، والتي توجت بإلغاء النظام الإقطاعي على يد ممثلي البرلمان الجديد ، أو كما يعرفون بالجمعية التأسيسية الوطنية الذين تولوا إدارة شؤون البلاد ، وهكذا ألغيت الحقوق الإقطاعية في عقارات الأراضي الزراعية ليفقد النبلاء والكنيسة والشركات الخاصة جميع امتيازاتهم ، وتتقلص بذلك أيضا سلطة الملك الذي أصبح حكمه صوريا في عام 1791م .
قامت الجمعية الوطنية بسن دستور جديد مؤسسين به نظاما ملكيا دستوريا يتقاسم بموجبه الملك السلطة التشريعية مع مجلس تشريعي منتخب ، ورغم كل هذا النجاح الذي حققته الثورة الفرنسية ، إلا أن الأزمة الاقتصادية ما لبثت أن عادت من جديد ، واحتدمت الأمور في فرنسا بسبب استغلال الملك سلطته في نقض القوانين التي أعطاها له الدستور الجديد ، بل إنه عطل مشاريع بعض القوانين الأمر الذي استفز الفرنسيين الذين خرجوا إلى الشوارع مجددا ، واقتحموا القصر الملكي في باريس وانتهى الأمر باعتقال الملك وأسرته وإعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته أنطوانيت بالمقصلة في ساحة الثورة المعروفة بـ الكونكورد حاليا سنة 1793م ، ثم لحقت به زوجته إلى المصير نفسه بعد تسعة أشهر ، لينتهي بذلك الحكم الملكي ، وتتحول فرنسا إلى الحكم الجمهوري ليتولى ماكسيميليان روبسبير الحكم .
نهاية ماكسيميليان روبسبير
استشعر أعضاء المؤتمر الوطني المكون من الثوار الخطر على حياتهم ، وأيقنوا أنهم سيلقون حتما المصير نفسه إذا ما فكروا يوما في معارضة ماكسمليان روبسبير لذا قرروا التخلص من ماكسيميليان قبل أن يقضي عليهم ، وكما ورد في كتاب أشرار التاريخ ، فقد تزعم “باراس” و “دي اليان” وهما من رجال الثورة تزعم المؤامرة على روبسبير ، فجهزوا قوة عسكرية تقتحم دار البلدية وألقي القبض على روبسبير الذي حاول الانتحار بعد أن أيقن المصير الذي ينتظره.
نجحت إحدى الرصاصات بالفعل في أن تصيب فك ماكسمليان ، لكنه نجا ليتم اقتياده مع سبعة عشر من مساعديه إلى المقصلة ليشرب جميعا من نفس الكأس الذي أذاقوه لغيرهم ، وهكذا أسدل الستار على واحد من أسوأ السفاحين في التاريخ الفرنسي الذي كان يعتقد أن بقاءه في السلطة هو السبيل الوحيد للحفاظ على جمهورية الدولة ، دون أن يتصور أنه قد تحول إلى طاغية بعد أن كان ثائرا ضد الطغيان .